حرب الوثائق.. بركان أوكرانيا يلفظ حممه في روسيا وأمريكا
ما إن تهدأ جبهة للتوتر بين روسيا وأمريكا حتى تشتعل جذوة أخرى، مما جعل علاقات البلدين أشبه بالقنبلة الموقوتة التي تنتظر من ينزع فتيلها.
آخر تلك الجبهات، كان تسريب وثائق "سرية للغاية"، تتضمن لمحة جزئية عن الحرب في أوكرانيا تعود لشهر مضى، مما دفع ثلاثة مسؤولين أمريكيين، إلى الترجيح بأن تكون روسيا أو عناصر موالية لها وراء تسريب العديد من تلك الوثائق العسكرية الأمريكية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن الوثائق جرى تعديلها على ما يبدو لتقليل عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الروسية، مشيرة إلى أن تقييماتهم غير رسمية ولا ترتبط بتحقيق يجري في عملية التسريب نفسها.
وفيما طلب المسؤولون الأمريكيون عدم نشر هوياتهم نظرا لحساسية الأمر وامتنعوا عن مناقشة تفاصيل الوثائق، لم يرد الكرملين أو السفارة الروسية في واشنطن بعد على طلب للتعليق.
ماذا نعرف عن محتوى الوثائق؟
ويوم الجمعة، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة جديدة من الوثائق السرية التي تتناول بالتفصيل أسرار الأمن القومي للولايات المتحدة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط والصين.
وأحجمت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن التعليق على صحة الوثائق التي تحمل المجموعة الأولى منها المتداولة على مواقع مثل تويتر و"تلغرام" تاريخ الأول من مارس/آذار الماضي، وأختاما تشير لتصنيفها بأنها "سرية" وسرية للغاية".
وذكرت إحدى الوثائق المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أن ما بين 16 ألفا و17500 جندي روسي قتلوا منذ بدء العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.
ويقول مسؤولون إن الولايات المتحدة تعتقد أن الرقم الفعلي أعلى بكثير ويبلغ حوالي 200 ألف روسي بين قتيل ومصاب.
ولا تقدم الوثائق خطط قتال محددة، مثل كيف ومتى وأين تنوي أوكرانيا شن هجومها. ولأن الوثائق عمرها خمسة أسابيع، فإنها تقدم لمحة سريعة عن الوقت - وجهة النظر الأمريكية والأوكرانية، اعتبارًا من 1 مارس/آذار، لما قد تحتاجه القوات الأوكرانية للحملة.
ومع ذلك، فبالنسبة للعين المدربة لمخطط حرب روسي أو جنرال ميداني أو محلل استخبارات، تقدم الوثائق بلا شك العديد من القرائن المحيرة.
ومع ذلك، قال محللون إن أجزاء من الوثائق بدت أصلية وتزود روسيا بمعلومات قيمة مثل الجداول الزمنية لتسليم الأسلحة والقوات وأعداد القوات الأوكرانية وتفاصيل عسكرية أخرى.
تتضمن وثيقة أخرى أعمدة تسرد وحدات القوات الأوكرانية والمعدات والتدريب، مع جداول زمنية من يناير إلى أبريل.
تكشف الوثيقة أن هناك 12 لواء قتاليا يجرى تجميعها، ومن الواضح أن تسعة منهم يتم تدريبهم وتزويدهم من قبل الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو.
ومن بين تلك الألوية التسعة، ذكرت الوثائق أن ستة ألوية ستكون جاهزة بحلول 31 مارس/آذار والباقي بحلول 30 أبريل/نيسان الجاري، وقال محللون إن اللواء الأوكراني يضم ما بين 4000 إلى 5000 جندي.
وقالت الوثائق إن أوقات تسليم المعدات ستؤثر على التدريب والاستعداد للوفاء بالجدول الزمني، مشيرة إلى أن إجمالي المعدات اللازمة لتسعة ألوية كان أكثر من 250 دبابة وأكثر من 350 مركبة ميكانيكية.
ماذا يعني التسريب؟
وتسريب مثل هذه الوثائق الحساسة أمر غير معتاد بالمرة، ومن شأنه أن يؤدي تلقائيا إلى إجراء تحقيق.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية سابرينا سينغ "نحن على علم بالتقارير التي تشير إلى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والوزارة تراجع الأمر".
وقال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في بيان إن الوكالة على علم أيضا بالمنشورات وتبحث المسألة.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس الخميس بأن وزارة الدفاع الأمريكية تحقق في كيفية نشر وثائق على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع عن تفاصيل خطط لتعزيز الجيش الأوكراني استعدادا للهجوم المضاد المزمع.
جاء تسريب الوثائق مع تزايد التكهنات بشأن طبيعة الهجمات التي قد تحاول كييف وموسكو شنها في العام الثاني للحرب. ولم تذكر الوثائق فيما يبدو أي معلومات محددة بشأن خطط كييف الحربية.
ويسرد الرسم البياني المعدل عدد القتلى الروس من 16000 إلى 17500، وهو أقل بكثير من التقديرات الأمريكية التي تقدرها بـ200 ألف قتل أو جريح أو مفقود.
كما يسرد الرسم البياني المعدل أيضًا تقديرات للجنود الأوكرانيين الذين قتلوا بـ61000 إلى 71500، ارتفاعًا من 16000 إلى 17500 في صورة سابقة للوثيقة نُشرت على الإنترنت.
وتحتوي الدفعة الأولى من الوثائق أيضًا على معلومات محددة حول جداول تدريب الألوية القتالية الأوكرانية ومعدلات الإنفاق على نظام قاذفة الصواريخ "هيمارس" الذي قدمته الولايات المتحدة قبل هجوم الربيع المضاد المتوقع في كييف.
كيف رأتها أوكرانيا؟
وقال مسؤول بالرئاسة الأوكرانية اليوم إن الوثائق المسربة تحتوي على "قدر كبير جدا من المعلومات الوهمية" وإن روسيا تحاول استعادة زمام المبادرة في عمليتها العسكرية.
وأضاف ميخايلو بودولياك في بيان مكتوب "إنها مجرد عناصر عادية لألاعيب المخابرات الروسية. ولا شيء أكثر من ذلك".
وقال محللون عسكريون إن الوثائق يبدو أنها تم تعديلها في أجزاء معينة من نسختها الأصلية، مما يبالغ في تقدير التقديرات الأمريكية لقتلى الحرب الأوكرانية ويقلل من تقديرات القتلى الروس.
وقال المحللون إن كشف الوثائق الأصلية، التي تظهر كصور مخططات لتسليم الأسلحة المتوقعة، وقوة القوات والكتائب، والخطط، يمثل خرقًا كبيرًا للمخابرات الأمريكية في الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا، مشيرين إلى أن مسؤولي بايدن كانوا يعملون على حذفها لكنهم لم ينجحوا حتى مساء الخميس.
أصابع الاتهام
من جانبه، قال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في CNA، وهو معهد أبحاث في أرلينغتون بولاية فرجينيا: "سواء كانت هذه الوثائق أصلية أم لا، يجب على الناس أن يهتموا بأي شيء تنشره المصادر الروسية".
والتسريب هو أول اختراق استخباراتي روسي يتم الإعلان عنه منذ بدء الحرب التي زودت أمريكا خلالها أوكرانيا بمعلومات عن مراكز القيادة ومستودعات الذخيرة وغيرها من النقاط الرئيسية في الخطوط العسكرية الروسية.
وسمحت مثل هذه المعلومات الاستخبارية في الوقت الفعلي للأوكرانيين باستهداف القوات الروسية وقتل كبار الجنرالات وإجبار إمدادات الذخيرة على نقلها بعيدًا عن الخطوط الأمامية الروسية، رغم أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن أوكرانيا لعبت الدور الحاسم في التخطيط لتلك الضربات وتنفيذها.
وقال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إن المسؤولين الأوكرانيين كانوا مترددين في وقت مبكر خلال الحرب بشأن مشاركة خططهم القتالية مع الولايات المتحدة خوفا من حدوث تسريبات.
من جهة أخرى، يشير بعض المدونين العسكريين الروس بأصابع الاتهام في الاتجاه الآخر، مؤكدين أن الوثائق تم تسريبها من قبل المخابرات الغربية لتضليل القادة الروس قبل الهجوم المضاد القادم من قبل الأوكرانيين.
ونشر مثل هذا التحذير على "تلغرام" بواسطة حساب المنطقة الرمادية المرتبط بالقوات شبه العسكرية الروسية الخاصة المعروفة باسم مجموعة "فاغنر".
aXA6IDMuMTQxLjEyLjMwIA== جزيرة ام اند امز