أزمة مبادرة "البحر الأسود".. "ندرة الحبوب" خطر يفوق "القنبلة القذرة"
في الـ24 ساعة الماضية، تسارعت أزمة مبادرة البحر الأسود، وسط اتهامات متبادلة، ومخاوف من تأثر الدول متوسطة ومنخفضة الدخل بالوضع الراهن.
ومبادرة البحر الأسود، هو اتفاق وقعته روسيا وأوكرانيا بوساطة أممية وتركية في 22 يوليو/تموز الماضي، لإعادة ضخّ صادرات الأغذية والأسمدة والحبوب الحيوية إلى بقية العالم.
وسمح الاتفاق بعودة صادرات الحبوب والمواد الغذائية الأخرى والأسمدة، بما في ذلك الأمونيا، من الأراضي الأوكرانية عبر ممر إنساني بحري آمن ينطلق من 3 موانئ أوكرانية هي: تشورنومورسك، وأوديسا، ويوجني/ بيفديني.
وكانت هذه الاتفاقية بمثابة طوق إنقاذ بعد أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية عالميا بعد الحرب، وزيادة أسعار الطاقة، ما دفع بلدانا نامية إلى حافة التخلف عن سداد ديونها وسط مخاوف من حدوث مجاعات، وفق الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
فأوكرانيا تعد واحدة من أكبر مصدري الحبوب حول العالم، وتصدر كل عام حوالي 45 مليون طن من الحبوب، ما كان مهددا بعد الحرب إثر تراكم الحبوب في الصوامع وعدم تمكن السفن من الوصول إلى الموانئ.
وحتى 24 أكتوبر/تشرين أول الجاري، أي في ٣ أشهر فقط، تمكنت مبادرة البحر الأسود من تأمين نقل أكثر من 9 ملايين طن متري من الغذاء، ما أدى لتخفيض الأسعار حول العالم، وتخفيف الأعباء عن الدول متوسطة ومنخفضة الدخل.
ووفق إحصائية رصدتها "العين الإخبارية"، فإن نحو نصف صادرات الغذاء والحبوب عبر مبادرة البحر الأسود، وصلت إلى دول منخفضة ومتوسطة الدخل، ما يعكس أهميتها.
تعليق روسي
لكن روسيا فاجأت العالم أمس، بتعليق مشاركتها في المبادرة التي رعتها الأمم المتحدة، وحققت نجاحا كبيرا، على خلفية اتهام موسكو لكييف بشن هجوم كبير على الأسطول الروسي في ميناء سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم، وهو ما نفته الأخيرة.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان، "ردا على ما قامت به أوكرانيا واستهداف سفن روسية كانت تعمل على تنفيد الاتفاق ( مبادرة البحر الأسود)، فإننا لا نستطيع ضمان سلامة سفن الشحن المدنية المشاركة في المبادرة، وسيتم تعليق العمل بها لأجل غير معلوم".
وفي وقت لاحق، قالت وزارة الدفاع الروسية إن إحدى المسيرات التي استهدفت سفنا حربية روسية فى القرم ربما تكون انطلقت من سفينة لنقل الحبوب، دون أن تقدم أدلة على ذلك.
الموقف الروسي استدعى ردا أمريكيا سريعا، إذ قالت الخارجية الأمريكية في بيان "تأسف لتعليق موسكو مشاركتها في مبادرة البحر الأسود، ونحث الأطراف على مواصلة العمل بالمبادرة المنقذة للحياة".
وتابعت "أي إجراء تتخذه موسكو لتعطيل هذه الصادرات الحاسمة، يمثل بيانا يفيد بأنه على الشعوب في مختلف أنحاء العالم دفع المزيد من المال مقابل الغذاء أو الجوع"، متهمة موسكو باستخدام الغذاء كسلاح.
2 مليون طن
أوكرانيا، الطرف الثاني في المبادرة، قالت على لسان وزير خارجيتها ديمترو كوليبا، عبر "تويتر": "دعاية الجوع الروسية.. تتعهد موسكو بتقديم 500 ألف طن من الحبوب مجانًا (على الأرجح مسروقة من أوكرانيا) إلى دول أخرى خلال الأشهر الأربعة المقبلة".
وتابع "ولكن من خلال تدمير ممر الحبوب (مبادرة البحر الأسود)، تمنع روسيا مليوني طن من الحبوب متوجهة إلى الجزائر واليمن وفيتنام وبنغلاديش وغيرها في الوقت الحالي"، وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
أما ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فقال "يعرض قرار روسيا تعليق المشاركة في اتفاق البحر الأسود، للخطر، طريق التصدير الرئيسي للحبوب والأسمدة التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن الحرب"، مضيفا "يحث الاتحاد الأوروبي روسيا على التراجع عن قرارها".
تركيا التي توسطت في التوصل لمبادرة البحر الأسود، قالت إن وزير دفاعها خلوصي آكار، يجري محادثات مع نظيريه في روسيا وأوكرانيا من أجل إحياء الاتفاق واستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية.
وقالت وزارة الدفاع التركية إن خلوصي أكار طلب من روسيا وأوكرانيا تجنب أي "استفزاز" قد يؤثر على استمرار الاتفاق، مضيفة "تفتيش السفن المحملة بالحبوب التي تنتظر أمام مضيق البوسفور سيستمر اليوم وغدا".
أخطر من حديث القنبلة
وبخلاف قضية الهجوم على السفن التي تثيرها روسيا، رصدت "العين الإخبارية" تغريدات مؤيدة للموقف الروسي، تشير إلى استغلال كييف الممر الإنساني في تهريب الأسلحة إلى أراضيها، لكن هذا الاتهام لم يصدر في موقف رسمي من موسكو.
كما أن عددا من التغريدات المؤيدة للموقف الروسي، تثير مسألة أن 50% من الصادرات التي مرت عبر الممر الإنساني وصلت لدول غنية، لكن هذه الأطروحة تتجاهل أن 50% ذهبت لدول متوسطة ومنخفضة الدخل، وأن المبادرة نجحت في خفض أسعار الحبوب بصفة عامة.
وهذه الأزمة مدمرة بشكل كبير وتختلف عن أزمة القنبلة المشعة "القذرة" التي ثارت في الأيام الماضية وسط اتهامات متبادلة بين كييف وموسكو، إذ أن أزمة الحبوب ستطال الملايين حول العالم، بخلاف القنبلة التي تحدث أثر مناطقي فقط؛ أي في منطقة إطلاقها، وفق مراقبين.
لكن الأزمة المشتعلة وسط غياب أي أفق للحل، سيكون لها تداعيات مدمرة عالميا، إذ قال الخبير السياسي إيان بريمر على "تويتر": "تعليق روسيا المشاركة في مبادرة البحر الأسود، أخبار سيئة للتضخم العالمي الحالي"، وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
خطر الجوع
أما محرر الدفاع في صحيفة إيكونومست البريطانية، شاشانك جوشي، فكتب على "تويتر"، أن "تخلي روسيا عن صفقة الحبوب وتهديدها للبضائع سيضر للغاية بالعديد من المتعاطفين مع موسكو"، مضيفا "ذهب ما يقرب من نصف الصادرات إلى البلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض في أفريقيا وآسيا".
الكاتبة الأمريكية أندريا شالوبا كتبت على حسابها بـ"تويتر" أيضا، "إذا لم يتم تسليم الحبوب الأوكرانية ، فسوف يموت الناس جوعاً في أجزاء غير مستقرة بالفعل من أفريقيا والشرق الأوسط والمعرضة للمجاعة".
بقية العالم رهائن
تعرض دول مختلفة وملايين البشر حول العالم للتأثر بما يحدث بين روسيا والغرب، دفع المفكر الاستراتيجي والكاتب، براهما تشيلاني، للقول عبر "تويتر"، "الحرب بالوكالة بين روسيا والقوى الغربية تحتجز بقية العالم كرهائن".
وتابع في تغريدته التي رصدتها "العين الإخبارية"، "من المقرر أن تستمر أزمتا الطاقة والغذاء.. أوقفت موسكو صفقة الحبوب قبل ثلاثة أسابيع من انتهاء صلاحيتها، واندفع (جو) بايدن (الرئيس الأمريكي) يقول لا للدبلوماسية، بمزيد من دفعات الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا".