عصر الحرب في البحر الأسود.. من يملك الهيمنة؟
يعد البحر الأسود أكثر المياه دموية في العالم منذ الحرب الباردة، والسبب في ذلك لا يعود إلى أوكرانيا فحسب، بل لأكثر من 10 حروب دامية.
وفي مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، قال ماكسيميليان هيس، الباحث البريطاني بـ"معهد أبحاث السياسة الخارجية، شؤون آسيا الوسطى"، إن غرق سفينة أسطول البحر الأسود الروسي "موسكفا" في 14 أبريل/نيسان الجاري سطر تاريخا، لكونها أكبر سفينة عسكرية تغرق في صراع منذ الحرب العالمية الثانية.
وأوضح أن "ادعاء أوكرانيا بأنها أغرقت السفينة باثنين من صواريخ نبتون كان صادما لروسيا، ودفعها إلى إعادة تقييم قدراتها الدفاعية الساحلية، وعلى وجه الخصوص، قدرتها على تأمين شواطئها الجنوبية الغربية. لكن حدوث هذا الغرق التاريخي على أمواج البحر الأسود، أثار اهتماما بالغا".
وأشار الكاتب إلى أن "البحر الأسود نادرًا ما يدرج ضمن المساحات الاستراتيجية المهمة في العالم، إذ غالبًا ما تحظى بحار مثل بحر الصين الجنوبي والخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط باهتمام بالغ في السنوات الأخيرة".
قبل أن يستدرك: "لكن رغم ذلك، لا يزال يُنظر إلى البحر الأسود باعتباره مصدر قلق ثانويا إلى حد كبير رغم وقوع 10 حروب مذهلة على سواحله أو بالقرب منها منذ نهاية الحرب الباردة، أكثر من أي منطقة مائية أخرى في العالم، أهمها هي صراع ترانسنيستريا في مولدوفا والحرب الجورجية الأبخازية والحرب الأهلية الجورجية والحرب الروسية الجورجية والحربان الشيشانية الأولى والثانية والحربان الروسية الأوكرانية 2014 و2022 والحربان الأرمنية الأذربيجانية الأولى والثانية للسيطرة على إقليم ناغورنو قره باغ".
واعتبر أنه لا ينبغي أن يشكل هذا مفاجأة: فالبحر الأسود، في النهاية، هو المكان الذي تلتقي فيه العديد من أكبر القوى في العالم - روسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا وحلف شمال الأطلسي ومعه الولايات المتحدة. وبرغم ذلك لا يملك أحد القدرة على الهيمنة على مياهه.
وأشار إلى أنه "ربما كان أحد أهم التحولات الاستراتيجية التي شهدتها منطقة البحر الأسود هو انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الناتو عام 2004، والاتحاد الأوروبي بعد ذلك بثلاث سنوات. ورغم كون تركيا واليونان عضوتين منذ فترة طويلة في الناتو، لكن التوترات بينهما غالبا ما جعلت التعاون في المنطقة محدودا".
وتابع: "يُعتقد أن العملية الروسية في أوكرانيا، فضلا عن غزوها جورجيا في 2008، كانت مدفوعا جزئيا بالاعتقاد بحاجة إلى إعادة ترسيخ أمن روسيا بإبعاد الغرب عن البحر الأسود. وقد شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ذلك في خطابه -في مؤتمر ميونيخ الأمني لعام 2007- الذي تحسر فيه أيضا على قرارات روسيا بسحب القواعد السوفيتية القديمة من مولدوفا وجورجيا في السنوات السابقة".
ومضى قائلا: "في العام التالي، سعت موسكو إلى إعادة ترسيخ موطئ قدمها بوصفها لاعبا أمنيا رئيسيا على البحر الأسود من خلال غزوها جورجيا. وبينما كان الغزو الروسي ظاهريًا يستهدف منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية، استغلت روسيا الحرب لتدمير أسطول تبليسي الصغير لخفر السواحل، وقصف ميناء بوتي الرئيسي، وأضفت الطابع الرسمي على السيطرة على أبخازيا بالمنطقة الواقعة على الشواطئ الشرقية للبحر الأسود".
واعتبر أنه "كان هذا تتويجا لعكس الموقف الروسي في التسعينيات، عندما فرضت عقوبات على تبليسي وساعدت على الضغط على أبخازيا في محاولة للاحتفاظ بنفوذها هناك. كان قرار دعم أبخازيا في عام 2008 مدفوعًا بفقدان موسكو للسلطة النسبية في المنطقة بدلاً من أي إيثار أو قناعة جديدة بالسيادة المنشودة للعرق الأبخازي".
وكما هو الحال مع حرب جورجيا- أبخازيا، شهدت منطقة البحر الأسود صراعات أخرى بين عامي 1991 و2008 أهمها الحرب الأهلية في جورجيا، ونزاع ترانسنيستريا، والحروب الشيشانية، وحرب ناغورني قره باغ الأولى. وفي حين حاولت روسيا إعادة ترسيخ موقعها بعنف، سعت تركيا أيضا إلى ملء الفراغ الذي خلفه الغرب في هذه الصراعات.
وأوضح أن "دور أنقرة في المنطقة مهم دون شك لأمن البحر الأسود. لكن علاقتها بالناتو شابها التوتر في كثير من الأحيان بسبب أجندتها الخاصة، لا سيما حول البحر الأسود".
وتابع: "وحتى في الحرب الروسية الأخيرة على أوكرانيا، كانت أنقرة تقترب أكثر من موسكو، لكنهما ظلتا، بشكل عام، على طرفي نقيض من الصراع الليبي والسوري، والأهم من ذلك بالنسبة لمنطقة البحر الأسود (الصراع الأرمني الأذربيجاني). لقد أثبت الصراع في أوكرانيا أن تركيا لا ترى لها مكانا راسخا في معسكر موسكو، ولكنها بدلا من ذلك ستتنافس أو تتعاون كلما رأت إمكانية تعزيز قوتها النسبية".
ولفت إلى "وصول بكين إلى سواحل البحر الأسود، حيث يشكل محورا رئيسيا في استراتيجية الحزام والطريق لتوسيع الاستثمار في البنية التحتية وتطوير شبكات التجارة، لا سيما في جورجيا وبلغاريا وتركيا، رغم الصعوبات المفاجئة في رومانيا وأوكرانيا".
وخلص الكاتب إلى أنه "مع رؤية أردوغان أن بلاده آخذة في الصعود ومطالبته بالاعتراف بها كقوة عظمى، ومحاولة بوتين استعادة الهيمنة الروسية على أوكرانيا وتحدي الهيمنة الأمريكية في المنطقة وخارجها، يبدو أن القوى المتغيرة ستستمر في التجمع والاشتباك، في سواحل البحر الأسود والمناطق المحيطة به".
واختتم مقاله قائلا: "كما يثير دور الصين المزيد من الأسئلة أيضًا، لاسيما في ضوء التقدير الجديد للبحر الأسود كطريق تجاري، نظرًا لأهمية روسيا وأوكرانيا في أسواق الزراعة الدولية، فالحروب التجارية المحتملة واستغلال النفوذ التركي، وزيادة انتقام الكرملين لن تكون سوى بعض التهديدات التي تواجهها منطقة البحر الأسود، وتهدد توازن القوى غير المستقر بتحويل المنطقة إلى منطقة صراعات كبرى أخرى".
aXA6IDE4LjIyMy4xMzQuMjkg جزيرة ام اند امز