التكنولوجيا والحكم.. «وعد بلير» يحرك حكومة ستارمر ويثير المخاوف
الذكاء الاصطناعي مصباح سحري تحتاج الحكومة البريطانية لدعكه من أجل السيطرة على تدهور الخدمات العامة، وعدم كفاءة الحكومة، والاقتصاد.
هكذا قال رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، في حديثه على خشبة المسرح في المؤتمر السنوي لمعهده البحثي الشهير، بعد خمسة أيام من الانتخابات العامة التي جرت في يوليو/تموز الماضي.
وأضاف أن الحكومة المحافظة التي استقالت مؤخرا، تركت لحزب العمال الجديدة "إرثا مروعا"، وفقا لما نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.
بلير استطرد أن "هناك عاملاً واحداً فقط قادر على تغيير قواعد اللعبة في نظرنا، وهو الاستفادة من الثورة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين".
وأكد أنه يتعين على بريطانيا أن تغتنم "الفرصة الكاملة للحكم في عصر الذكاء الاصطناعي"، مضيفا أنه "في هذا العالم الجديد، الشركات والدول إما أن تنهض أو تنهار".
تأثير بلير
وتمثل هذه الادعاءات حدثا مألوفا لمتابعي بلير في السنوات الماضية، إذ أن القوة المحركة المركزية لمركزه البحثي هي الإمكانات الثورية للتكنولوجيا.
ويُروَّج للذكاء الاصطناعي باعتباره الحل السحري للخدمات العامة المتدهورة، وعدم كفاءة الحكومة، والاقتصاد الراكد.
ومع تولي حكومة حزب العمال السلطة في المملكة المتحدة لأول مرة منذ 14 عامًا، يتزايد نفوذ بلير، وتٌفتح الأبواب
وتتولى مجموعة ضيقة من "الوزراء المتأثرين ببلير" تنفيذ رؤيته حول قوة الذكاء الاصطناعي لتحويل الحكومة والخدمات العامة.
كما تميز الحدث الذي نظمه معهد توني بلير للتغيير العالمي بمشاركة رفيعة المستوى من وزير الصحة، ويس ستريتنغ، ومسؤول مكتب مجلس الوزراء، بات ماكفادن، اللذين اكتسبا زخما من الانتخابات الأخيرة التي شهدت فوز حزب العمال بأغلبية ساحقة.
وفي الوقت نفسه، جعل وزير التكنولوجيا، بيتر كايل، قيادة التحول الرقمي أولوية قصوى في دوره الجديد.
وقال كايل مؤخرًا: "نحن نضع الذكاء الاصطناعي في قلب أجندة الحكومة لتعزيز النمو وتحسين خدماتنا العامة".
وأكدت وزيرة الخزانة البريطانية، راشيل ريفز، على هذه الرسالة، حيث قالت إن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورًا حاسمًا في مساعدة الحكومة في العثور على 3 مليارات جنيه إسترليني من المدخرات بعد اكتشاف "ثقب أسود" غير متوقع في المالية العامة.
وأدت هذه الخطط إلى استقطاب شركات التكنولوجيا ــ بعضها لديه شراكات مع معهد بلير ــ تحت إغراء احتمال الفوز بعقود عامة بملايين الجنيهات الاسترلينية.
ولكن في حين يتفق معظم الناس على أن الذكاء الاصطناعي يحمل وعداً للقطاع العام، يحذر البعض من بائعي "السم الثعباني" ويحذرون من دمج التكنولوجيا غير الموثوقة وغير الشفافة في بعض الأحيان في قلب الحكومة.
مكاسب هائلة
وبالأرقام، زعم معهد توني بلير "TBI" أن دمج الذكاء الاصطناعي في العمل الحكومي يمكن أن يوفر ما يصل إلى 40 مليار جنيه إسترليني سنويًا ويؤدي لتسريح مليون موظف مدني.
وفي سلسلة من التقارير التي صدرت تزامنا مع المؤتمر، زعم المعهد أيضًا أن أكثر من 40% من المهام التي يؤديها العاملون في القطاع العام يمكن رقمنتها جزئيًا بواسطة برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وتشمل بعض المهام التي من المتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي في حل مشكلاتها المساعدة في مطابقة العرض من الخدمات العامة مع الطلب، وتسريع معالجة طلبات التخطيط ومطالبات المزايا، ودعم البحث وصياغة المذكرات.
وتمثل هذه المهام، النوع من العمل المكتبي غير الجذاب الذي يمكن أن يستهلك ساعات كثيرة من العمل.
وقال جيجار كاكاد، الذي عمل سابقًا مديرًا للابتكار الحكومي في معهد توني بلير، وقدم المشورة لقيادة حزب العمال خلال فترة وجودها في المعارضة: "إذا نظرت عبر القطاع العام، وعدد المتأخرات، وقوائم الانتظار، فإننا نواجه نوعًا من نقاط الضغط في جميع أنحاء الخدمات العامة".
وأضاف، في حديث سابق لـ"بوليتيكو": "وجهة نظرنا في المعهد هي أن نفكر حقًا في أين توجد التقنيات الجاهزة التي يمكن نشرها للمساعدة في نقاط الضغط هذه".
وقال كاكاد، الذي تولى دورًا جديدًا في المعهد، إن هذا يشمل أدوات التنبؤ بالطلب، وسعة الأسرة في المستشفيات، والمساعدة في فرز ملايين المراسلات التي تتلقاها بعض الأقسام كل عام، أو التأخير الهائل في القضايا في نظام المحاكم المتداعي في إنجلترا".
شكوك حول الدوافع
لكن العلاقة الوثيقة التي تربط معهد توني بلير بقطاع التكنولوجيا أثارت الشكوك حول الدوافع وراء استنتاجات المعهد حول دور التكنولوجيا في الحكم.
على سبيل المثال، تعهد الملياردير التكنولوجي، لاري إليسون، بتقديم 375 مليون دولار على مدار السنوات لمؤسسة بلير البحثية.
وتعد شركة الحوسبة السحابية أوراكل التي يملكها إليسون من بين القطاعات المستفيدة من طفرة الذكاء الاصطناعي ولديها مصلحة تجارية في رقمنة السجلات الصحية، وهي إحدى التوصيات الرئيسية التي قدمتها مؤسسة بلير للحكومات.
كما تم إنتاج أحد التقارير الرئيسية لمؤسسة بلير حول الذكاء الاصطناعي للحكومة بالشراكة مع Faculty، وهي شركة الذكاء الاصطناعي التطبيقي التي رسخت نفسها كمورد حكومي مفضل.
ومؤسسو "Faculty" هم أصدقاء دومينيك كامينغز، مستشار رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، لكن الشركة لم تضيع أي وقت في التعرف على إدارة حزب العمال الجديدة.
إلى ذلك، أبدت الشركات اهتمامها بخطط الإدارة الجديدة. فقد أرسلت مجموعة الضغط الصناعية الأمريكية Chambers of Progress، التي تضم شركات مثل Amazon، و"Apple"، و"Meta"، مذكرة إلى أعضائها بعد وقت قصير من الانتخابات تسلط الضوء على اهتمام حزب العمال بالابتكار الرقمي الحكومي باعتباره فرصة مغرية.
فيما تعمل شركة مايكروسوفت على الترويج لمجموعة منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لدى الحكومات المركزية والمحلية، وفق "بوليتيكو".
وشرت الشركة مؤخرًا تقريرًا يروج لتقنيتها، بما في ذلك أداة "Copilot"، التي تدمج ChatGPT من OpenAI، باعتبارها مفيدة للحكومات المركزية والمحلية لتلخيص رسائل البريد الإلكتروني وإنشاء النصوص وإنشاء المستندات.
حجم الانتشار
وفي الوقت الحالي، لا يتم استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في الحكومة البريطانية، بحسب بوليتيكو.
إذ وجد مكتب التدقيق الوطني، في الخريف الماضي، أن 37% من الهيئات الحكومية - التي استجابت لاستطلاع رأي وقالت إنها نشرت الذكاء الاصطناعي - تستخدم تقنية واحدة أو اثنتين فقط لكل منها.
وحظيت الاستخدامات الأكثر إثارة للجدل بأكبر قدر من الاهتمام حتى الآن: على سبيل المثال، في مجال العمل الشرطي، وتحليل بيانات التعرف على الوجه المباشرة واستخدام الخوارزميات لتحديد المطالبات الاحتيالية بالاستحقاقات المالية.
ولم يتح للجمهور سوى قدر ضئيل من المعلومات حول حالات الاستخدام هذه.
وبصورة إجمالية، تتفق التقارير الأخيرة الصادرة عن المكتب المركزي للبيانات الرقمية التابع للحكومة البريطانية ومعهد آدا لوفليس مع معهد إحصاءات الأعمال على أن الذكاء الاصطناعي يحمل وعداً، ولكن نطاق مكاسب الإنتاجية المتوقعة يتفاوت بشكل كبير.
aXA6IDE4LjIyMC4yNDIuMTYwIA== جزيرة ام اند امز