"كُل من يد الكفيف".. قصة شاب مصري تحدى ظروفه بالعزيمة والإيمان (خاص)
بقناعة تامة، وعزيمة حديدية، واجه الشاب مصطفى صبحي أزماته، فكان حادث فقدان بصره مجرد بداية لحياة جديدة ترتكز على الإيمان والعمل.
على هذه الشاكلة، لم يفقد الشاب المصري صاحب الـ37 عامًا بوصلته عقب تجربته المريرة مع فقدان نور عينيه، فاعتبر أن الله تعالى خصّه بنعمة، بنت بينه وبين قلوب الآخرين جسرًا من الحب والمودة، وهو ما ظهر جليًا في اليومين الماضيين.
ففي الآونة الأخيرة، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، ظهر فيه "مصطفى" وهو يبيع وجباته للمارة في أحد شوارع محافظة الجيزة المصرية، ومنها كثرت أحاديث مستخدمي "السوشيال ميديا" عنه، مشيدين بثباته وصبره على مصابه.
نقطة تحول
قبل جلوسه على كرسيه، وبيعه للمأكولات التي أعدها منزليًا، عاد "مصطفى" بذاكرته إلى ما قبل عام 2015 خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، فيقول إنه كان عاشقًا للموسيقى، وعمل كموزع وعازف على الأورج، بشكل دفعه لقضاء ساعات النهار داخل الأستوديو، والعزف على آلته بجانب رفقائه بمختلف المناسبات والحفلات ليلًا.
ظلت حياة الشاب المصري تسير على نفس المنوال دون جديد يُذكر، إلى أن كتب القدر كلمته، حينما تعرض لحادث سير أليم كلفه بصره، رغم هذا يقول بشأن السائق الذي اصطدم به: "أنا أشكره على النعمة التي أنعم بها عليّ".
ينوه "مصطفى" بأنه كان متوجهًا وقت الحادث بسيارته إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، قبل أن يُفاجأ باصطدام قوي: "فقدت بصري، وخضعت لعدد من العمليات الجراحية، وعدت بعدها إلى الدنيا من جديد".
استأنف الشاب المصري حياته لاحقًا، وعاود ممارسة نشاطه الموسيقي مكتفيًا بالعزف على الأورج، وهو ما تزامن مع الجهود المضنية للأطباء لمعاونته على تجاوز محنته، إلا أن حالة العصب البصري دحضت محاولاتهم.
ظل "مصطفى" يكسب قوت يومه من العزف، رغبة منه في رعاية زوجته وأبنائه الـ3، لكن قبل تفشي فيروس كورونا المستجد بنهاية 2019 وبداية 2020، مرت ظروفه المهنية بتعثرات عدة، أفضت إلى توقفه بشكل تام: "قلت إن الله لا يريدني في هذا المكان".
تطور
تغيرت شخصية الشاب المصري عقب تعافيه من الحادث، فبات يتمتع بإرادة قوية: "قبل الحادث كانت لدي إرادة بنسبة 60% تقريبًا، بعد الحادث الإرادة باتت مليارًا في المئة، أصبحت لدي عزيمة بأن أؤدي كل شيء بمفردي، وأحاول أن أكون جريئًا دون خوف، وأحقق كل شيء بنفسي، وهذا بجانب إيماني بالله، فسبحانه وتعالى وضع في نفسي صبرًا وإيمانًا لا حدود لهما".
هذه المقدمات، مهدت لحياة "مصطفى" الجديدة، فهو شاب محب للطهي، ويعشق التجهيز لأي "عزومة" في منزله، حتى قرر بيع السندوتشات في الشارع بالقرب من منزله، وهذا لحرصه على أداء التزاماته تجاه زوجته وأولاده.
أول شيء قرر الشاب المصري أن يتحداه مع بدء نشاطه، هو الجلوس بمفردة في الشارع: "قلت لابد أن أجلس بمفردي دون خوف. الناس كلهم يحبونني، لو وجد أحدهم في العادة شخصًا كفيفًا سيفعلون له أي شيء دون أن يضايقوه أو يؤذوه".
من ثم، بات اليوم لدى "مصطفى" يمشي على نظام لا يتغير: "أبدأ تجهيز الوجبات مساءً، ثم استيقظ من النوم فجرًا، وأظل مستيقظًا للتسبيح، بعدها أوقظ أولادي وزوجتي، ونشرع سويًا في تغليف السندوتشات، ونضعها داخل الحقائب، ثم ترافقني زوجتي للمكان الذي أجلس فيه، وتتركني هناك بداية من الثامنة صباحًا، لحين نفاد الوجبات التي أبيعها، ومن ثم أتصل بها هاتفيًا حتى ترافقني إلى المنزل".
يبيع الشاب المصري مجموعة من السندوتشات المعدة جميعها داخل المنزل، منها البطاطس، ودجاج ستريبس، والجبن الرومي، واللانشون، والشوكولاتة، والحلاوة والمربى، وهو ما يرفع جانبها لافتة مدون عليها عبارة "كُل من يد الكفيف" لجذب انتباه المارة.
اكتسب "مصطفى" صيته الواسع بعد أسبوع واحد من بدء نشاطه، فيكشف: "أول يوم جلست حتى وقت العصر وعدت للمنزل ببعض الأطباق، وفي اليوم الثاني عدت بعد الظهر، وفي أحد الأيام عدت في تمام الساعة 11 صباحًا، وبعد ملاحظة الناس لنشاطي عدت إلى المنزل في يوم بعد ساعة واحدة من نزولي".
أمنية
يطمح الشاب المصري، مع ازدياد الطلب على وجباته، إلى افتتاح مطعم يبيع خلاله وجباته، ويعاونه فيه طهاة محترفين، لكنه سيسعى إلى العمل بجوارهم: "سأشاركهم بيدي. أنا مش معلم. أنا أحب هذا الأمر وأرغب في الشعور بذاتي".
لكن هناك هدفًا أسمى يسعى الشاب الملهم إلى تحقيقه: "أنا أطلب ستر ربنا لأولادي وزوجتي وبيتي وأسرتي".
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuMTkzIA== جزيرة ام اند امز