لبنان وغزة.. هل تطفئ «خيارات أمريكا المختلفة» نار التصعيد؟
مع مقتل ذراعي إيران في لبنان وغزة، وما أتاحه ذلك من «فرص قصيرة» لتحقيق تقدم نحو إخماد جبهتي الحرب المشتعلة في البلدين، طرحت تساؤلات حول الذي يحمله وزير خارجية أمريكا في حقيبته خلال زيارته الشرق الأوسط.
وبرحلة إلى إسرائيل بدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن زيارته الحادية عشرة إلى المنطقة منذ اندلاع حرب غزة، تلتها زيارة إلى قطر ومنها إلى السعودية، آملا أن تتوج بحلول لاحتواء التصعيد في الشرق الأوسط، بعد فشل كافة مساعيه السابقة لإنهاء الحرب المدمرة الدائرة في القطاع.
فهل يحمل بلينكن مفاتيح إخماد التصعيد؟
يقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في تقرير له، إن الولايات المتحدة تتمتع بفرصة قصيرة لتحقيق أهداف حاسمة في غزة ولبنان، بما في ذلك الجهود المبذولة لجذب دعم دول الخليج، وإقامة كيان شرعي بعد «حماس»، وحث بيروت على البدء في إعادة تأكيد سيادتها.
وأشار إلى أن مقتل زعيمي حزب الله حسن نصر الله وحماس يحيى السنوار أدى إلى خلق لحظات من التغيير قبل أن تتصلب الأوضاع من جديد، محذرا من أنه إذا لم تغتنم واشنطن هذه الفرصة بسرعة فسوف تضيع.
فرصة عبر عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على هامش زيارته العاصمة القطرية الدوحة، الخميس، بقوله إن الولايات المتحدة منفتحة على «خيارات مختلفة» لإنهاء الحرب في غزة بعد أشهر من الجهود للدفع باتجاه مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار.
وكان بلينكن عقد مباحثات الخميس في قطر، الوسيط الرئيسي مع حماس، سعيا إلى إحياء الزخم لإنهاء الحرب في قطاع غزة بعد مقتل زعيم الحركة الفلسطينية يحيى السنوار في عملية عسكرية إسرائيلية.
وفي تصريحات صحفية أضاف بلينكن «نحن ندرس خيارات مختلفة، لم نحدد بعد إذا كانت حماس مستعدة للمشاركة، لكن الخطوة التالية هي جمع المفاوضين (..) سنعرف أكثر بالتأكيد في الأيام المقبلة».
زيارة بلينكن تأتي في إطار جولة إقليمية بدأها الثلاثاء في إسرائيل، حيث التقى مسؤولين أبرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل أن يتوجه الأربعاء الى الرياض التي غادرها الخميس، متوجها إلى العاصمة القطرية للحصول على تقييم لموقف حماس من الهدنة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بلينكن «ناقش الجهود المتجددة لتأمين إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب في غزة» مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
فهل تتمكن أمريكا من اختراق الجمود الحالي؟
لكن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، وجد الرئيس جو بايدن نافذة جديدة لإمكان إبرام اتفاق هدنة بعدما قتلت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار في غزة.
ووصف مسؤولون أمريكيون السنوار بأنه كان «متعنتا» في المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر سعيا لاتفاق لوقف النار وإطلاق سراح رهائن إسرائيليين محتجزين في غزة وأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وقال بلينكن إنه تحدث إلى قادة إسرائيل «حول أهمية تحديد ما إذا كانت حماس مستعدة للانخراط في المضي قدما، وهو ما يقوم به المصريون والقطريون بالضبط».
لكنه قال للصحفيين الأربعاء أثناء مغادرته إسرائيل «أعتقد أن مع رحيل السنوار الذي كان العقبة الأساسية أمام تحقيق اتفاق الرهائن فهناك فرصة حقيقية لإعادتهم إلى ديارهم وتحقيق الهدف».
ويرى العديد من المنتقدين للسياسة الأمريكية في الولايات المتحدة وخارجها أن المشكلة لا تنحصر بحماس، بل فشل إدارة بايدن الداعمة للدولة العبرية سياسيا وعسكريا، في الضغط على إسرائيل التي تلقت أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات منذ بداية الحرب.
هل لا تزال خطة وقف النار صالحة؟
قال بلينكن إن خطة وقف إطلاق النار التي طرحها بايدن في 31 مايو/أيار الماضي، لا تزال على الطاولة، لكنه ألمح أيضا إلى الاستعداد لاستكشاف «أطر جديدة» للسعي إلى تحرير الرهائن المحتجزين.
ويقول معهد واشنطن إن الأمر «الأكثر أهمية» هو أن زيارة بلينكن يجب أن تركز على الاستفادة من وفاة السنوار لإتمام محادثات الرهائن مقابل وقف إطلاق النار التي كانت خاملة فعلياً منذ يوليو/تموز الماضي، مشيرا إلى أن الفقدان المفاجئ لقائد حماس الأعلى في غزة أدى إلى إرباك مركز الثقل السياسي داخل عملية صنع القرار في الحركة، مما يوفر فرصة للولايات المتحدة لمعرفة ما يمكن فعله لملء هذا الفراغ (المؤقت).
وبحسب المعهد الأمريكي، فإنه يبدو أن عملية صنع القرار تتحول بعيداً عن القادة العسكريين المتبقين في غزة ونحو القيادة السياسية المقيمة في قطر، مشيرًا إلى أن اثنين من اللاعبين الرئيسيين هما الرئيس السابق للمكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل والمفاوض الرئيسي في صفقة الرهائن مقابل وقف إطلاق النار خليل الحية.
ولم تختر «حماس» بعد خليفة للسنوار، وقال مصدران مطلعان في الحركة لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع إنها تتجه نحو تعيين مجلس قيادي مقره الدوحة بدلا من خليفة واحد لرئيس المكتب السياسي.
فهل هناك أمل بعودة المحادثات؟
على افتراض أن المحادثات ستستمر فهناك سؤالان مترابطان سوف يلوحان في الأفق. أولاً: هل ستلتزم واشنطن بصيغتها المتمثلة بتنسيق صفقة رهائن مكونة من ثلاث مراحل مقابل ستة أسابيع من الهدوء يمكن تمديدها، أم أنها ستختار صفقة من مرحلة واحدة تتطلب انسحاب إسرائيل من غزة؟ ثانياً: هل ستُبقي القوات الإسرائيلية على انتشارها على طول «ممر فيلادلفيا» الموازي لحدود غزة مع مصر؟
وبحسب معهد واشنطن، فإنه من شأن الاتفاق على مرحلة واحدة أن يتخذ مقاربة أكثر إنسانية، تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة بعد عام من الأسر والمعاناة، في حين أن مقاربة الثلاث مراحل من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق سراح نحو ثلث الرهائن في البداية.
ومن الجدير بالذكر أنه بعد وفاة السنوار عرض نتنياهو مروراً آمناً من غزة لأي شخص يطلق سراح رهينة.
ومن وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية تكمن سلبية الاتفاق على مرحلة واحدة في أنها ستفرض انسحاباً فورياً من غزة، وفي المقابل من شأن الاتفاق على ثلاث مراحل أن يؤجل مفاوضات الانسحاب حتى المرحلة الثانية، بعد إطلاق سراح جزئي للرهائن في المرحلة الأولى.
إلا أن المعهد الأمريكي قال إن نهج المرحلة الواحدة من الصفقة من شأنه أن يلغي «الاقتراح الجسري» السابق الذي قدمه بلينكن، والذي تمثل بقيام إسرائيل بتخفيف انتشار قواتها بدلاً من سحبها بالكامل كخطوة أولى.
وبصرف النظر عن الضرورة الأخلاقية لإخراج جميع الرهائن في أسرع وقت ممكن، فمن غير المرجح أن يتحدى نتنياهو قاعدته الانتخابية بالانسحاب من غزة و"ممر فيلادلفيا" كما هو مطلوب في صفقة المرحلة الواحدة، وبدلاً من ذلك من المفترض أنه سيحاول تأجيل هذا الملف الشائك من خلال اتباع نهج متعدد المراحل.
اليوم التالي في غزة
وعلى الرغم من صعوبة أن يتمكن بلينكن من إقناع نتنياهو بقبول السلطة الفلسطينية كشريك في الوقت الحالي، فإنه قد يصر على أن يكون لأي كيان يُمنح حق إدارة غزة علاقة فضفاضة على الأقل مع السلطة الفلسطينية.
ومن خلال قيامه بذلك بإمكان بلينكن تذكير إسرائيل بأن الجهود الأمريكية أساسية لجذب التمويل لإعادة الإعمار والمساعدة من بعض الدول، ما يعني أنه دون هذا الدعم قد تترسخ الفوضى في غزة، وقد يصطف الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني إلى جانب بقايا «حماس»، وقد تُجبَر إسرائيل حتى على إعادة احتلال القطاع، مما يعيد سياستها تجاه غزة إلى الوراء بعقدين من الزمن.
ماذا عن لبنان؟
في إفادات غير رسمية أشار قادة عسكريون إسرائيليون إلى أن عملية البحث عبر الحدود عن أسلحة «حزب الله» ينبغي أن تنتهي في غضون الأيام السبعة إلى العشرة المقبلة.
ومن بين الأهداف الأخرى، تريد إسرائيل التأكد من عدم وجود المزيد من الصواريخ المضادة للدبابات أو غيرها من القذائف قصيرة المدى التي يمكن أن تصيب بلدات حدودية شمالية، وهو شرط أساسي لعودة السكان إلى منازلهم التي غادروها تحت النيران العام الماضي.
وعلى نحو مماثل، تتطلع إسرائيل إلى سماع تقرير المبعوث الأمريكي إلى لبنان عاموس هوكستاين حول المحادثات الحالية في بيروت، وحتى الآن لا تضغط إسرائيل من أجل إقامة منطقة أمنية في لبنان، بعد أن تعلمت من تجربتها بين 1982 و2000 أن هذه ليست حلاً شافياً نظراً لمدى الصواريخ الذي كان يتزايد حتى في ذلك الوقت.
وكان هوكستاين قال: «لا يمكن لأحد أن ينظر إلى السنوات الثماني عشرة الماضية ويقول إن أي جهة قامت بتطبيق «القرار 1701»، إن عدم التنفيذ على مدى تلك السنوات أسهم في الصراع الذي نخوضه اليوم، يجب أن يتغير ذلك، لأن التزام الطرفين بـ«القرار 1701» وحده ليس كافياً".
وبحسب معهد واشنطن، فإنه يجب أن يكون المبدأ المنظم لتطبيق «القرار 1701» هو تعزيز الدولة اللبنانية، حيث تتمكن من استعادة سيادتها من حزب الله، إلا أنه لتحقيق هذا الهدف يحتاج الجيش اللبناني إلى قدرات كافية، وموارد، وإرادة سياسية لفرض تنفيذ القرار، حتى إن كان ذلك يعني مواجهة مع القوات الهائلة للجماعة اللبنانية المسلحة.
وشدد على أنه يجب أن تتمتع الدولة اللبنانية باحتكار استخدام القوة العسكرية داخل حدودها ومن خلالها، بما يتماشى مع «قرار مجلس الأمن رقم 1559»، الذي دعا منذ فترة طويلة إلى نزع سلاح المليشيات اللبنانية.