انطلقت جولة جديدة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الشرق الأوسط بهدف الدفع قدماً باقتراح بايدن، في توقيت حرج حيث تتزايد الضغوط السياسية والإنسانية على كل الأطراف المعنية بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
هي الجولة الثامنة لبلينكن إلى المنطقة منذ اندلاع الحرب، مما يعكس جدية أمريكية ولو جاءت متأخرة لإيجاد حل للأزمة، ولكن تظل فرص نجاحه غير مؤكدة، خاصة في ظل مكابرة حكومة بنيامين نتنياهو ومماطلة حماس بشأن المقترح، والانقسام الداخلي في المشهد الإسرائيلي بسبب الخلاف على أهداف واستراتيجيات الحرب في غزة.
تشكل استقالة الوزير بيني غانتس من حكومة الحرب برئاسة نتنياهو تعقيدًا إضافيًا للجهود الدبلوماسية الأمريكية، لما يحمله من شخصية رمزية مهمة، ووفقًا لاستطلاعات الرأي، الأكثر حظًا لخلافة نتنياهو في حال الدعوة إلى انتخابات جديدة، ويطرح نفسه كشريك أكثر مرونة للولايات المتحدة.
وداخليًا، يتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة بعد استقالة قائد الفرقة (143) البريغادير جنرال آفي روزنفلد، الذي أقر بالفشل في حماية البلدات الحدودية مع غزة، بالإضافة إلى الضغوط الواسعة من حلفائه في اليمين المتطرف الذين يعارضون أي تسوية مع حماس، ويهددون بالاستقالة حال الموافقة على الهدنة، ما يعكس تعقيدا واضحا في المشهد السياسي في إسرائيل، قد يؤثر على جهود تنفيذ مقترح بايدن.
وتقود الولايات المتحدة جهودا مكثفة على مستوى مجلس الأمن على عكس بداية الحرب، حين كانت تعطل مشاريع قرارات وقف إطلاق النار عبر الفيتو، ولعل استدارة الموقف الأمريكي كانت بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة مع ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 37084 شخصًا، معظمهم من المدنيين، ما أثر على صورة إدارة بايدن التي تستعد لمعركة مفصلية حاسمة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب، ما جعلها تكثف الضغط لإنهاء الحرب، وتحقيق مكاسب سياسية سريعة قبل نوفمبر/تشرين الأول المقبل.
ولهذا، نجحت واشنطن في تمرير مشروع قرار يدعم المبادئ الواردة في مقترح بايدن، تزامنًا مع المفاوضات القائمة بين أطراف الصراع.
وتتزامن جولة بلينكن مع عملية مخيم النصيرات التي نجحت في تحرير أربعة رهائن إسرائيليين مقابل العديد من الضحايا المدنيين، وهو ما يجعلنا نتسائل عن قواعد وأعراف الاشتباك الدولية، ومدى حمايتها للمدنيين الأبرياء، فحماس لم تستشر السكان المدنيين عن إخفاء الأسرى بينهم، كما لم تستشرهم عندما نفذت هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وعلى كل حال أعطى تحرير الرهائن بعض التماسك لحكومة نتنياهو التي وجدت في هذه العملية وسيلة لتعزيز موقفها، بحيث تسكت معارضيها داخل الحكومة وخارجها، بما في ذلك اليسار الإسرائيلي ودعاة السلام، وتعززت الأفكار الداعمة لتنفيذ عمليات خاصة لتحرير الرهائن بعيدًا عن المفاوضات والتنازلات، والعملية تضع مزيدًا من الضغط على حماس، مما يزيد من عزلتها ويضعف موقفها التفاوضي.
ولابد من الإشارة إلى التصعيد في لبنان الذي وجد نفسه في قلب صراع إقليمي بين إيران واسرائيل عبر حزب الله، ولطالما استخدمت إيران الساحة اللبنانية لحروبها بالوكالة، ولقد أثبت حزب الله مرة أخرى أنه ليس سوى أداة إيرانية، تتحكم في قرار الحرب والسلم في لبنان، ما يتجلى بوضوح في الفراغ السياسي اللبناني إلى جانب أدوار حزب الله في مختلف مسارح العمليات التصعيدية في المنطقة.
وإسرائيل من جانبها وسعت نطاق الهجمات في لبنان، ما يجعل المشهد اللبناني يقترب من وقوع كارثة حقيقية في ظل غياب الإرادة السياسية، ووجود دولة داخل الدولة، وكأن لبنان رهينة لأجندات إقليمية ودولية، لا ناقة لها ولا جمل فيما يحدث في غزة.
ما يجعل توقيت التحركات الأمريكية في المنطقة مهم، هو أنه عندما تتحرك الولايات المتحدة بكل قوة على المستوى الدولي والإقليمي ومجلس الأمن لإيقاف الحرب، ستكون فرص النجاح كبيرة، فمن الصعب مواجهة دبلوماسية واشنطن، ويا ليتها تحركت بنفس الفاعلية منذ بداية الحرب في غزة، في مواجهة مغامرات حماس التابعة لقوى خارج الحدود وتعنت حكومة نتنياهو! لكانت النتائج اليوم مختلفة تماماً، ومن دفع الثمن هم الأبرياء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة