بالفيديو.. بوجي وطمطم.. أين اختفت أيقونة رمضان التسعينيات؟
مسلسل "بوجي وطمطم" العمل الأول الذي قدم عرائس مصرية خالصة بداية من الفكرة والتصميم مرورا بالقصة والسيناريو للأشعار والإخراج.
أبطاله عرائس مصممة بأشكال مبدعة وألوان مبهجة، قصته رسالة تربوية، حواره أقرب لحوارنا اليومي، تسلسل أحداثه وأفكار حلقاته تجبرك على المتابعة بشغف، بينما إخراجه يجعلك تتفهم سر بقائه في أذهان وقلوب الأجيال، رغم مرور أكثر من 34 عاماً على أول عرض لحلقاته عبر شاشة التلفاز المصري.
مسلسل "بوجي وطمطم" العمل الأول الذي قدم عرائس مصرية خالصة بداية من الفكرة والتصميم والتنفيذ مروراً بالقصة والسيناريو والحوار وصولاً للأشعار والألحان والإخراج، هو فكرة بحث عنها صانعها منذ 1961 وبداية عمله بالفن التشكيلي والنحت والتحاقه بـ"التلفزيون المصري"، ليترك "محمود رحمي" مصمم العرائس والمخرج المصري كل مشروعاته متفرغاً لـ"بوجي وطمطم" من 1983 وحتى عام رحيله 2001.
عرائس مصرية تجمع بين الخيال والواقع
" ترك الفن التشكيلي الذي كان متميزاً به، واختار فن من أصعب الفنون، وعرف أن طريق التليفزيون يستطيع أن يوصل رسالته للطفل والأسرة المصرية، لأنه مقتنع أن الفن يرتقي بالإنسان خاصة فن العرائس" بهذه العبارة سردت فوقية خفاجي زوجة الفنان رحمي ومساعدته، فكرة مسلسل بوجي وطمطم.
الإخلاص والصدق في الرسالة، كان داعماً أساسياً لبداية المسلسل واستمراره 18 سنة متواصلة، ليبدأ صانع بوجي وطمطم في تقديم رسالته برسم تخيل للعرائس بالتصميم والشخصيات، ليختار بعدها أسماء الشخصيات التي أصبحت جزءاً من التراث والثقافة المصرية على مدار عقود.
وبابتسامة صافية، تسترجع فوقية خفاجي ذكريات إعداد المسلسل، قائلة "بوجي وطمطم كان كل حياتنا، رحمي كان يخصص 6 أشهر من السنة لإعداد السيناريو والحلقات وإضافة شخصيات جديدة بناء على متطلبات الفكرة، وقبل بداية كل موسم يستعد بالورقة والقلم لسرد الأفكار ورسم الشخصيات بالتصميم والحوار، ليحتوي العمل في آخر موسم على 20 شخصية من العرائس والممثلين، لكل منهم صوت معين يناسب ملامح العروسة".
" أهلًا أهلًا يا بوجي.. أهلًا أهلًا يا طمطم، أهلًا بكم يا أطفال في برنامج مش بطال برنامج بوجي وطمطم" بهذه الأشعار والكلمات انطلقت أولى حلقات الجزء الأول لمسلسل بوجي وطمطم، ومن هنا أصبح بوجي وطمطم جزءاً أساسياً من شهر رمضان لتجتمع كل أفراد الأسرة أمام شاشة التلفاز، منتظرين مغامرة جديدة تجمع بين أبطال العمل، الشقيقان بوجي صاحب الشخصية المرحة دائم الوقوع في الأزمات، وطمطم الفتاة الوديعة العقلانية التي تعاونه للخروج من المشكلات، بالإضافة لأصدقائهم وجيرانهم بالحارة، زيكا وزيكو، ومرمر وطماطم، وعم شكشك وطنط شفيقة".
بوجي وطمطم.. راسخ في أذهان الأجيال
"عمل ليس له مثيل بالعالم" بهذه العبارة وصفت زوجة رحمي مسلسل بوجي وطمطم خلال لقائها مع بوابة "العين" الإخبارية، مستكملة حديثها بأن هذا العمل إبداع يتميز بقوة عناصره بداية من الفكرة ومروراً بالشخصيات والأبطال وصولاً للموسيقى والأشعار والإخراج، ما يجعله عملاً باقياً في أذهان جيلي الثمانينيات والتسعينيات.
اختيار عناصر العمل بدقة كان الشغل الشاغل لمخرج ومؤلف بوجي وطمطم، لينتفي رحمي كبار الشعراء والملحنين لإعداد الكلمات والموسيقى على مدار سنوات عرضه، ليصبح تتر البداية والنهاية والأغاني داخل الأحداث من أشهر الأغاني خلال الـ3 عقود الماضية.
نجح الشاعر المصري الكبير صلاح جاهين في كتابة أغانٍ منها "أهلًا أهلًا يا بوجي.. أهلًا أهلًا يا طمطم"، "بطني بتوجعني يا طمطم"، و"زينة رمضان"، ليستكمل من بعده نجله الشاعر بهاء جاهين كتابة الأغاني وتترات العمل، وشارك أكثر من ملحن وموسيقار في موسيقى العمل، فلحن كل من إبراهيم رجب وعمار الشريعي وفاروق الشرنوبي.
لم يكن اختيار أبطال العمل مهمة سهلة، حيث وضع رحمي معايير محددة لكل عروسة، بناءً على خياله لمتطلبات العروسة من أداء صوتي وملامح الشخصية، ليقع اختياره على الممثلة المصرية هالة فاخر في دور طمطم، والفنان المصري يونس شلبي بدور بوجي، لتقول خفاجي بصوت يملأه الحماس "بوجي وطمطم باقي عشان خيال فنان العرائس رحمي، ودور الممثلين في تأدية أصوات وشخصيات تتناسب مع إمكانية كل ممثل وقدرته على الخيال لتقمص شخصية العروسة، كما تم اختيار فنانين آخرين بالعمل وهم أنعام سالوسة في دور مرمر، وطنط شفيقة، وسيد عزمي بدور زيكو، رضا الجمال بدورعم شكشك، ماهر سليم بدور زيكا".
مسلسل الأسرة العربية
الحبكة الدرامية والاجتماعية بالعمل، الربط بين الخيال والواقع، تنوع شخصيات العرائس وتناقضها، جعلت من مسلسل بوجي وطمطم حالة فنية فريدة تحقق هدفها بشكل غير مباشر، ليجمع بين بوجي وطمطم الشخصيتين المتناقضتين في منزل واحد، كما مزج بين العروسة والعنصر البشري بمشاركة ممثلين، حسن يوسف، وحسن مصطفى، وميمي جمال، ومحمد الشرقاوي، لتشعر الأسرة أنها أمام مشاهد حقيقة من الحارة المصرية.
قوة الرسالة والأفكار وبساطة الطريقة التي قدم بها العمل، رسخت بوجي وطمطم في أذهان المصريين حتى يومنا هذا، فطبيعة الحلقات التي اعتمدت على توجيه سلوك الطفل المصري عبر نصائح غير مباشرة، من أهمية الحفاظ على مياه النيل، إلى قيم الوطنية والانتماء، فتقول "قدر يوصل كل ما هو إيجابي للطفل عن طريق العرائس، ليربط الطفل بأرضه، ويهتم التصوير في الكثير من الأماكن الأثرية بيت السحيمي وبيت الكرتليه والأهرامات وزينب خاتون بالقاهرة، ومعبد الأقصر بالأقصر".
وبنبرة صوت قوية تقول فوقية خفاجي "بوجي وطمطم ماركة نجحت في جذب جميع أفراد الأسرة العربية أمامها، وأصبحت كل حلقاته موجهة لجميع الأعمار والطبقات، فمصرية رحمي الصادقة، مكنته من إيصال الرسالة وحفر المسلسل في قلوب المصريين والعرب على مدار عقود".
وتميز بوجي وطمطم بتسلسل أحداث، وسيناريو قوي يعد نقلة في الأعمال المقدمة للأطفال، ليجمع بين النصيحة غير المباشرة والمعلومة الدقيقة في أجواء كوميدية ممزوجة بالخيال، ليدخل رحمي وقتها بعض التقنيات الجديدة في الإخراج كـ"الجرافيك والرسوم المتحركة بحلقات " الفانوس السحري"، "محطة فلافيو"، لتساعده في تقديم الرسالة التربوية للطفل بشكل سليم.
نقلة نوعية بفن العرائس
الأمر لم يقتصر على قوة الافكار والشخصيات، إذ يعد بوجي وطمطم نقلة نوعية وحالة فنية مختلفة في فن العرائس من حيث التصميم والتنفيذ وميكانيزم التحريك، "بوجي وطمطم عمل انقلاب في فن العرائس" بهذا الوصف تحدثت مصممة العرائس فوقية خفاجي عن تأثير المسلسل في فن العرائس، خاصة أن تصميم شخصياته كانت بين عرائس على شكل أرنب وأخرى مصممة على شكل قرد، بألوان وخامات مبهجة ومعايير دقيقة، تشعر الطفل بالألفة والوحدة بين التصميم وشخصية العروسة.
"الحركة عملها اختراع" هكذا وصفت مساعدة رحمي وزوجته، الإضافة الفنية التي أدخلها مسلسل بوجي وطمطم بلمسات المبدع رحمي على فن العرائس وبالأخص التحريك، ليسند مهمة التحريك لفريق من معهد الباليه تراوحت أعمارهم بين 15-20 عاماً، نظراً لرؤيته الواثقة من حسهم الفني وقدرتهم على التركيز والتوافق العضلي والعصبي والحفاظ على الاتزان والثبات أثناء التحريك لساعات طويلة.
لتسترجع كواليس إعداد المسلسل، وتقول: "كان يدرب 30 طالباً من فريق الباليه على تحريك كل عروسة، بشرح الشخصية وتدريبهم على الموسيقى".
بوجي وطمطم في الحفظ والصون
فوقية خفاجي ..شريكة الدرب ومساعدته الأولى التي تسعد دائمًا بالحديث عن بوجي وطمطم وإبداع رحمي، تسرد ذكرياتها عن المسلسل، الذي يعد نقطة تحول يحياتها المهنية والعائلية، قائلة " هو كل حياتنا، بعتبر بوجي وطمطم ولادي، وبيتنا ده أتيليه عرائس، كل وقتنا للعرائس بكتابة سيناريو وتسجيل صوت ورسم العروسة وتنفيذها".
وبالرغم من عملها كـمصممة للعرائس بالتليفزيون، إلا أن فوقية خفاجي اكتفت بدور منفذ العرائس والمشرف على مرحلة التنفيذ بالمسلسل، قائلة بكل ثقة وحب: "يكفيني شرف العمل مع الفنان الكبير رحمي، كنا ننفذ عروسته زي ما رسهما وتخيلها على الورق بنفس الحجم واللون، لأن عروسة رحمي عروسة أبعادها مضبوطة أمام وخلف الكاميرا".
وإيمانها الشديد بقيمة بوجي وطمطم لم يختلف كثيراً بعد رحيل صانعه، بل زاد حماسها وحبها وخوفها على العرائس، لتلعب دوراً في غاية الأهمية في الحفاظ على جميع عرائس المسلسل داخل منزلها، وتستكمل حديثها "عارفة قيمة الشخصيات وتأثيرها على وجدان الطفل المصري والعربي، فدوري أحافظ عليها وعلى خاماتها، وأراعي أي تلف في العروسة أصلحه أو أصنعها من أول وجديد"، واصفة عرائس المسلسل بـ"الثروة القومية للطفل المصري والعربي".