بعد قصف "دهوك".. هل تشن تركيا عملية في الشمال السوري؟
قصفت القوات التركية أحد المنتجعات السياحية بمحافظة دهوك العراقية في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي، والقريبة من الحدود التركية.
وفيما نفت أنقرة استهداف المدنيين في دهوك، تحدث محللون أمريكيون عن عزم أنقرة بشكل عام توجيه ضربة للأكراد.
ونشر معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" تحليلا استشرف فيه إمكانية قيام تركيا بتوجيه ضربة للشمال السوري، لاسيما في أعقاب القمة الثلاثية التي جمعت رئيسها رجب طيب أردوغان، مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي في طهران وتصدر الملف السوري المناقشات.
والتحليل كتبه سونر چاغاپتاي، وهو زميل "باير فاميلي" ومدير "برنامج الأبحاث التركي" في معهد واشنطن، وكذلك أندرو تابلر المدير السابق لشؤون سوريا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي.
وأوضح التحليل أنه تم الاتفاق بين موسكو وطهران على قيام تركيا بتنفيذ عملية أخرى عبر الحدود، ولكن اختيار أنقرة للأهداف سيعتمد على المصالح الأمريكية والروسية والإيرانية المتعددة.
ومن المرجح أن تكون القمة الثلاثية حددت ما إذا كان التوغل التركي في سوريا سيحدث بالفعل أم لا؟، وفي السنوات الأخيرة، ركّزت أنقرة جهودها عبر الحدود على تقويض "وحدات حماية الشعب" التي يقودها الأكراد.
وهذه الوحدات كانت دخلت معها الولايات المتحدة في شراكة لمحاربة تنظيم "داعش" منذ عدة سنوات، لاسيما منذ انضواء الجماعة الكردية تحت راية "قوات سوريا الديمقراطية"، ومع ذلك، لا تزال أنقرة تركّز على واقع كَوْن "وحدات حماية الشعب" فرعاً من "حزب العمال الكردستاني"، وهو جماعة تركية صنفتها أنقرة وواشنطن كـ "كيان إرهابي".
وتطورت السياسة الأمريكية منذ ذلك الحين إلى التزامٍ مفتوح لـ"قوات سوريا الديمقراطية" التي تقودها "وحدات حماية الشعب" حيث أكدت قدرتها على استعادة مساحات كبيرة من سوريا من داعش بمساعدة الولايات المتحدة، ورداً على ذلك، نفّذت تركيا أربع عمليات توغل عبر الحدود منذ عام 2016، وفككت المنطقة التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية".
وفي إطار هذه الاستراتيجية المستمرة، وفي سياق قيام روسيا بسحب بعض قواتها تكتيكياً في سوريا منذ بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، تريد أنقرة الآن إنشاء شقوق جديدة في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، ويبدو أن هناك 3 أهداف محتملة على الأرجح، "تل رفعت و أو منبج وأو كوباني".
وتنتشر حالياً المليشيات المدعومة من إيران في نبل والزهراء، وهما قريتان تقعان بالقرب من تل رفعت، لذلك ستحتاج أنقرة إلى إقناع إيران بالابتعاد عن طريقها إذا كانت ترغب في الاستيلاء على هذه المنطقة المحصورة.
ومن المرجح أن يصر رئيسي على قيام تركيا بالبحث عن أهداف أخرى، وقد يوافق أردوغان بالفعل نظراً إلى اتباع البلدين مؤخراً لسياسة تجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة وعدم تعارُض مصالحهما.
ومن المرجح أن يدفع بوتين أيضاً أردوغان إلى النظر في النقاط الواقعة شرق تل رفعت، ولا سيما منبج وكوباني. ولكن الولايات المتحدة تعتبر "كوباني" مهمة رمزياً، باعتبارها مهد العلاقة الفعلية بين الولايات المتحدة و "وحدات حماية الشعب" بعد أن فكّ الشريكان حصار تنظيم داعش هناك في عام 2014 بطريقة دراماتيكية.
وسيثير تنفيذ هجوم مماثل حفيظة واشنطن، وهذه نتيجة سيستمتع بوتين بالتأكيد تحقيقها، إلا أن أردوغان ما زال يتودد إلى الرئيس جو بايدن، ويريد على ما يبدو تجنُّب اثارة حفيظة الدبلوماسية العامة في واشنطن.
لذلك، يبدو أن هدف تركيا الأكثر ترجيحاً هو منبج، أو ربما تنفيذ عملية توغل محدودة في تل رفعت، وستتطلب أي من الخطوتين موافقة موسكو.
ومع ذلك، تقلصت مؤخراً بشكلٍ كبير مساحة الأراضي التي يمكن أن تتبادلها أنقرة، ويقع جزءٌ كبيرٌ منها في محافظة إدلب السورية، حيث من المحتمل أن يتجه مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، من السوريين النازحين أساساً إلى الحدود إذا تمت مبادلة مناطقهم وأُعطيت لسوريا، وهو سيناريو يأمل أردوغان بلا شك في تجنبه بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية المتزايدة والمشاعر المعادية للاجئين في بلاده.
وقد يؤدي التوغل التركي إلى تقريب "قوات سوريا الديمقراطية" من دمشق، وربما من طهران أيضاً، كجزءٍ من المساومات الدائمة التي تقوم بها الجهات الفاعلة المختلفة التي قسّمت البلاد إلى مناطق نفوذٍ خاصة. وسيذعن الأسد على الأرجح لهذا التحوّل لأنه بحاجة ماسة إلى المزيد من الطاقة الكهربائية وإمدادات الوقود، والتي يمكن الحصول عليها بسهولة أكبر من خلال زيادة عمليات نقل النفط والغاز الطبيعي من المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في الشرق.
وستصبح تجارة الطاقة الآن أكثر سهولة بعد صدور قرار "مجلس الأمن الدولي" رقم 2642 الأسبوع الماضي بشأن المساعدات عبر الحدود، والذي يُدرِج الكهرباء على وجه التحديد كجزء من أنشطة التعافي المبكر المسموح بها.
وقد يحدد موقف تركيا من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف "الناتو" الاستجابات أيضاً، ووصلت علاقات دول الشمال مع "وحدات حماية الشعب" إلى منعطف حرج بسبب القرارات الأخيرة المتعلقة بتوسيع حلف الناتو، لذلك ستحرص واشنطن على تجنب حدوث أزمة جديدة مع أنقرة بشأن القضايا الكردية. وعلى الرغم من تجنب المأزق الأولي، ستظلّ تركيا تتمتع بحق النقض على المحاولات السويدية والفنلندية خلال العام المقبل.