كتب لا تموت في أمريكا.. كيف تدخل إلى قائمة "الأكثر مبيعا"؟
هل يموت الكتاب الورقي؟ هذا السؤال ليس عربياً.. بل أصبح سؤالاً مؤرقاً أوروبياً وأمريكياً.
هل يموت الكتاب الورقي؟ هذا السؤال ليس عربياً. أي أنه لا يطرح فقط في الأوساط الثقافية العربية، بل أصبح سؤالاً مؤرقاً أوروبياً وأمريكياً. وهذا ما دعا صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية لكي تخصص تحقيقاً مطولاً عن حال الكتاب الورقي في الأسواق الأمريكية، وتصل فيه إلى نتيجة بأن الصيغة التقليدية للكتاب ما زالت هي الرائجة بل الأكثر نجاحاً.
في مطلعه، يؤكد التحقيق، أن القراءة، على عكس كل الإحصائيات السابقة، لم تمتْ. في الواقع، إنها بعيدة جداً عن الموت؛ فالكاتب البرازيلي باولو كويلو لديه جحافل من القراء. وكتابه الأكثر شهرة "الخيميائي"، احتل ما يقرب من 8 سنوات، أي دورتين رئاسيتين في الولايات المتحدة، أعلى قوائم أفضل الكتب مبيعاً. وقد ترجم إلى 81 لغة. لكن "الخيميائي" ليست سوى واحد من أكثر من 30 كتابا لكويلو؛ فكتابه "الجاسوس" والذي صدر في نوفمبر الماضي، تم بيع ملايين النسخ منه.
إذن، الكتب المصنوعة من الأشجار الميتة ما زالت تعيش، وباولو كويلو ليس وحيداً في تحقيق هذا المجد.
فروايات الرعب التي كتبها ستيفن كينغ، والتي تتضمن أكثر من 50 عنواناً، باعت أيضاً ما يقدر بنحو 350 مليون نسخة. دان براون هو الآخر لديه الملايين من القراء أيضاً. فكتابه "شفرة دافنشي" وحده باع 80 مليون نسخة. هناك أعمال أخرى مثل كتب جون غريشام خصوصا "ويسلر" و"نهاية الملك" تحقق حتى اللحظة أرقام مبيعات كبيرة.
يضاف إلى ذلك، الكتّاب المنضمين إلى قائمة الأكثر مبيعاً، والذين تجاوزوا الـ100 مليون نسخة، ومن هؤلاء: كين فوليت، نورا روبرتس، جيمس باترسون وستيفني ماير.
إننا نعيش زمن الاضطراب في مجال الترفيه؛ فكثير من الناس لم يعودوا يذهبون إلى السينما أو شراء أقراص مدمجة أو مشاهدة التلفزيون، والأجيال الشابة تحقق التسلية إلى حد كبير من خلال هواتفهم المحمولة. لكن ما زال هناك أناس يشترون الكتب بأعداد كبيرة، وليس بالضرورة من تلك العناوين التي تتضمنها قوائم الأكثر مبيعاً. لكن المؤلفين الذي يحققون أعلى المبيعات، ليس لديهم مجرد قراء، بل إن قراءهم هم أشبه بالمعجبين بنجوم السينما والغناء والرياضة، يتابعونهم بالطريقة نفسها ويحرصون على امتلاك كل عنوان يخرج من بين أيديهم، كما يحصل على سبيل المثال مع سلسلة عناوين نيكولاس سباركس. وتباع كتب هؤلاء المؤلفين في كل مكان تقريبا: في المكتبات، والصيدليات، ومحلات السوبر ماركت، وفي أكشاك المطارات ومحطات القطار.
وبطبيعة الحال فإن سببباً رئيسياً من أسباب تحقيق أرقام المبيعات المرتفعة، يعود إلى انتشار الوسائل الإلكترونية في الترويج والبيع، بالإضافة إلى سرعة ونوعية الطباعة، وتوسع شبكات التوزيع؛ فقد انتهى الزمن الذي كان فيه على باعة الكتب والقراء على السواء، أن ينتظروا وقتاً طويلاً قبل الحصول على نسخهم من كتاب رائج؛ فاليوم إذا كنت تريد نسخة من كتاب باترسون "عبور الخط" أو كتاب سباركس "اثنين في اثنين" ولم يكن متوفراً في أقرب مكتبة إليك، بإمكانك تحميل الكتاب إلكترونياً في دقائق، أو تطلبه من مخزن "أمازون" فيصل إليك في اليوم التالي.
والسؤال الأهم، هو ما الذي يجعل الكتاب يلقى الرواج بين القراء؟ والسؤال هنا يتعلق بالمضمون. هناك إحصاءات تجمل الكتب الأكثر رواجاً تحت عنوان "ثقافة الخوف"، أي تلك الكتب المنبثقة من واقع العنف والجريمة والمغلفة بإطار من الخيال، لكن الملاحظ أيضاً أن الكتب الرومانسية تحقق نجاحات بارزة، وتكاد تطغى على ما عداها من موضوعات. وتتصدر قوائم المؤلفين في هذا المجال أسماء مثل روبرتس، ودانيال ستيل، وديبي ماكومبر، وجي كي رولينغ وخصوصا مدرستها السحرية التي باعت أكثر من 450 مليون نسخة، وجون غريشام، وجيفري آرتشر، وديفيد بالداتشي، وماري هيجنز كلارك.
لكن هناك العديد من القراء النخبويين الذي يسخرون من مسألة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، ويرون فيها نوعاً من التوجيه المتعمد أو الاعتباطي للقراء، بتواطؤ مستتر أو مكشوف بين دور النشر ووسائل الإعلام. فمن مصلحة دور النشر تعويم المؤلفين الذين تتعامل معهم والترويج لكتبهم، لكن في رأي هؤلاء أن الكتاب الأكثر مبيعاً ليس بالضرورة أن يكون هو الأفضل، وبالتالي فإن الأقل رواجاً لا يعني أنه الأسوأ.
فكيف يمكن للمؤلف أن يدخل في قائمة "الأكثر مبيعاً"؟ إنه سؤال معقد، لا يعتمد فقط على نوعية الكتابة. هناك بعض المؤلفين الذين يحافظون على انتظام منضبط في الكتابة والنشر. مرة في السنة أو مرتين، أو حتى مرة كل شهر في حالة باترسون الذي يعتمد على مساعدين من الكتّاب، أو روبرت لودلام الذي ما زالت دار "بورن" تنشر سلسلة باسمه بعد وفاته عام 2001 اعتماداً على مجموعة من الكتّاب الذين يستثمرون اسمه. والنتيجة هي أن المسألة عبارة عن توليفة من الشروط الكتابية والفنية والتجارية، وفيها تضيع ملامح القوة والضعف في النص.
وبحسب رأي جيمي راب، رئيس غراند سنترال للنشر، فإنك لا تستطيع أن تكون كاتباً رائجاً لمرة واحدة فقط، عليك أن تحتفظ بقرائك على نحو ما فعل سباركس منذ كتابه "دفتر الملاحظات" فقد جذب القراء الذين رافقوه في مسيرته. ومثله فعلت بالداتشي "التي تعطي القراء ما يحلو لهم".
هكذا يقيّم النجاح واحد من أهم الناشرين في الولايات المتحدة؛ فعلى الكاتب برأيه أن يحلق في الأماكن التي تداعب خيالات القراء، فيرتبطون به وبأعماله. ويستشهد جيمي راب هنا، بأن داني براون لديه 6 ملايين ونصف معجب على صفحته على “فيس بوك” علماً بأن رواية واحدة من أعماله حققت رواجاً منقطع النظير. ويعطي الناشر نصائح للمؤلفين من قبيل أن عليهم أن يقدموا أبطالاً للقراء يتطلعون لأن يكونوا مثلهم سواء في روايات الرعب والخيال العلمي، أو القصص الرومانسية.
أما سوزان هيرز نائب الرئيس التنفيذي لدار “دووبلدي” التي تنشر أعمال غريشام وبراون، فهي لا تقلل من قيمة الترفيه الضرورية في الأعمال الكتابية، والقراء برأيها يحتاجون دائماً إلى بطل، "لكن عليك أن تعرف كيف تتنقل بين العادي والخارق".
من جهته الناشر ريغان آرثر، يوافق على أن "أبطال المؤلفين الأكثر مبيعا هم الذين يمتلكون مصداقية بين القراء، هم الأبطال الذين يعيدونهم إلى الواقع بعد رحلة هروب من الواقع".
وبرأي هؤلاء الناشرين، فإن هدف الانتشار ليس مهمة سهلة. هم يتحدثون عن نماذج كثيرة من الفاشلين على هذا الطريق.
لكن النجاح لا يأتي بالضرورة مع الكتاب الأول؛ فقد نشرت جيليان فلين كتابين، قبل أن يحقق كتابها "الفتاة المختفية" نجاحاً ملحوظا ببيع أكثر من 15 مليون نسخة. وليس هناك من ضمان بأن يتكرر ذلك؛ فالناشرون حريصون على معرفة مدى نجاح كتاب بولا هوكينز الجديد "داخل الماء" الذي سينشر في مايو المقبل، بعد النجاح الذي حققه كتابها "فتاة في القطار" والذي باع أكثر من 18 مليون نسخة.
وبناء على ذلك يعتقد المحرر في دار براون جايسون كوفمان، أنه من غير الواقعي أن يحافظ المؤلف على مركزه الأول دائماً، إذا لم يسعَ إلى ذلك، فستيفن كينغ لم يحقق ما حققه ببيع 350 مليون نسخة بمجرد التمني، فقد كان خلال 20 عاماً منغمساً في الكتابة بشكل كلي.