بوريس جونسون.. هل ينهي عقدة بريكست؟
السمة الغالبة في اختيارات بوريس جونسون لتشكيل حكومته تعكس طبيعة المرحلة المقبلة من السعي الحثيث نحو الخروج من بريكست بأي تكلفة
فاز بوريس جونسون برئاسة حزب المحافظين، مكتسحا زميله وزير الخارجية السابق جيرمي هانت، بفارق يتجاوز الـ50 ألف صوت، ليبدأ مهمته في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ويثير هذا الفوز تساؤلات عدة تتعلق بمستقبل بريطانيا في ظل تعقيد أزمة بريكست ومحدودية الخيارات أمام بلاده.
وأجبر الجناح المتشدد في حزب المحافظين البريطاني تريزا ماي رئيسة الوزراء السابقة على الاستقالة وتخليها عن رئاسة الحزب بعد نحو 6 أشهر من رفض متتالي لاتفاقية بريكست، التي عقدت في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ووسط انقسام واستقطاب حاد في الحزب الحاكم أجريت عدة جولات انتخابية بين عدة تيارات داخل الحزب، ما بين مؤيد لبريكست دون اتفاق وآخر محبذ لبريكست، وفريق ثالث معارض للاتفاقية نهائيا، وكانت النتيجة فوز زعيم جديد للمحافظين هو بوريس جونسون، واضعا نصب عينيه الخروج بأي ثمن من هذا الاتفاق.
دلالات انتخاب جونسون
يعكس انتخاب جونسون عدة دلالات مهمة، أولاً: تماس القواعد الحزبية للمحافظين مع الأغلبية الحاكمة لنواب الحزب في البرلمان، فتقريبا فاز جونسون بنسب متقاربة في الجولة الاخيرة من تصويت نواب الحزب بـ16 صوتاً مقابل 77 لجيرمي هانت، والنسب نفسها في تصويت أعضاء الحزب، بما يزيد عن 92 ألف صوت مقابل نحو 46 ألف صوت لجيرمي هانت.
ثانياً: إيمان الأغلبية من حزب المحافظين أن جونسون هو الوحيد القادر على النجاة ببريطانيا، أو على الأقل أنه يجب الخروج من الاتحاد الأوروبي بصرف النظر عن النتيجة، في تغافل تام عن مطالبات العديد من الأصوات في الشارع البريطاني، التي تطالب بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، متجاهلين أيضا الدراسات الكثيرة التي تنذر بحجم كوارث بريكست بدون اتفاق على اقتصاد بريطانيا وتماسك وحدتها ووزنها الإقليمي والدولي.
ثالثاً: استمرار حزب المحافظين في عدم الاختيار الأفضل دائما، وهي عادة تاريخية عرفت عن الحزب في طريقة اختيار زعيمه تتلخص في المقولة الشهيرة "الأفضل لم يأتِ بعد".
ماذا بعد انتخاب جونسون؟
بدأ جونسون سريعا في تشكيل حكومته وسط رحيل 17 عضوا من حكومة ماي، واختيار مجموعة متشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي ومؤيدة لبريكست، على رأسهم وزير الداخلية السابق ساجد جاويد، الذي تولى حقيبة المالية خلفا لفيليب هاموند، الذي أعلن سابقا تزعمه تحالفا لمواجهة سيناريو بريكست دون اتفاق، حالة فوز جونسون برئاسة الوزراء وهو ما قد كان.
فيما عين بوريس جونسون للخارجية وزير شؤون بريكست السابق دومينيك راب، أحد الوجوه التي خسرت سباق رئاسة حزب المحافظين.
السمة الغالبة في اختيارات جونسون عكست طبيعة المرحلة المقبلة من السعي الحثيث نحو الخروج بأي تكلفة، غير أن تشكيل الحكومة الجديدة يؤخذ عليها عدم دراية أغلبهم بمناصبهم، وإن كان في النظم البرلمانية الحقائب الوزارية هي حقائب سياسية لا يشترط فيها تخصص المسؤول الجديد حين تقلده أي منصب سياسي، لكن ما يحسب لجونسون هو إدراكه لضرورة تشكيل حكومة متماسكة لديها التوجه نفسه وليست منقسمة على ذاتها، مثلما كانت تريزا ماي في المرتين التي شكلت فيهما الحكومة في عامي 2016 و2017.
ليس لدى بوريس جونسون وحكومته الكثير من الوقت، فقط 6 أسابيع بسبب موسم العطلات الصيفية التي سوف تقسم الـ3 أشهر المقبلة نصفين، ومن هنا على حكومة جونسون تدبر الأمر قبل أول سبتمبر/أيلول المقبل، بدءا من إعادة فتح المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، وبحث السيناريوهات المتاحة والممكنة لرد فعل الاتحاد الأوروبي قبل العودة مرة أخرى لمواجهة المعارضة من الأحزاب الأخرى، ومن الجناح المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي من حزبه.
من سياق خطاب جونسون عقب توليه رئاسة الوزراء تفهم نقطتان أساسيتان، الأولى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يتم وفق صفقة أفضل لبريطانيا، مما يعنى أن جونسون يرى أنه بإمكانه الضغط على الاتحاد الأوروبي لكي يقدم تنازلات لبريطانيا، مستندا على حجة مفادها أن بريطانيا الطرف الأقوى في معادلة بريكست، ويمكن اتخاذ الفاتورة المالية لبريكست والتي تقدر ما بين 39 و45 مليار يورو كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي.
أما النقطة الثانية فتتمثل قدرة بريطانيا في تطوير شراكات جديدة مع بقية أوروبا تقوم على التجارة الحرة، متغافلاً نقطة محورية، وهي أن دول أوروبا الأخرى لن تتعامل مع بريطانيا بصورة منفصلة عن قواعد الاتحاد الأوروبي.
السيناريوهات والتحديات
عقب إعلان فوز بوريس جونسون اجتمع ميشيل بارنيه المسؤول الأوروبي عن ملف بريكست، وأعاد التأكيد على موقف الاتحاد الأوروبي الثابت من اتفاقية بريكست، منوها أن الاتفاق مع تريزا ماي هو الاتفاق الوحيد والممكن مع بريطانيا، هذا الموقف الأوروبي يضيق الخيارات على بريطانيا، وهو مبرر لا يبدو من الممكن تغييره، فقادة الاتحاد الأوروبي يعلمون جيدا خطر التنازل لبريطانيا، الأمر الذي يمثل خطورة على تماسك الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن بوريس جونسون هو ترس جديد في عجلة الفكر الشعبوي العالمي، الذى يتزعمه ترامب من جانب، ويقويه اليمين المتطرف والشعبوي في أوروبا من جانب آخر.
ولا يخفى على أحد حجم المصالح الأوروبية التي هددها ترامب، مع الأخذ في الحسبان مدى التوافق الفكري بين ترامب وجونسون، ومن هنا دفعا للضرر لن يسمح قادة الاتحاد الأوروبي بانتشار عدوى بريكست مرة أخرى، حتى لو هناك بعض الخسائر المحتملة.
ومع صعوبة إعادة التفاوض على اتفاقية بريكست تحاصر بوريس جونسون عدة تحديات، من بينها احتمالية تفكك المملكة لو خرجت بريطانيا دون اتفاق، ويأتي ذلك في أعقاب إعلان زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي نيكولا استورجن الدعوة لاستفتاء ثانٍ على استقلال اسكتلندا كرد فعل على رغبة جونسون في تفعيل بريكست دون اتفاق، نظرا لحجم العلاقات الاقتصادية بين اسكتلندا والاتحاد الأوروبي.
أما ثاني هذه التحديات فيتمثل في الخروج دون اتفاق، وهو ما يعرض السلام في جزيرة أيرلندا للخطر، لا سيما في ظل الدعوات التي من حزب شين فين المعارض لبريكست بالدعوة للجزيرة الأم وانفصال أيرلندا الشمالية عن بريطانيا.
ويتمثل ثالث التحديات في الوضع الاقتصادي، حيث تضمن تقرير نشره موقع البرلمان البريطاني عن عواقب الخروج بدون اتفاق ملخص أشار إلى أن قطاع الخدمات في بريطانيا والذي يمثل نحو 80% من الناتج القومي الإجمالي مرهون قوته بوجود بريطانيا في السوق الأوروبية الموحدة، كذلك قطاع مثل السيارات يعتمد على عدم وجود تعريفة جمركية من جانب واحتياجه لمكونات رئيسية تأتي من تركيا التي ترتبط بقواعد تجارية مع الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن وجود تعريفة جمركية على السيارات البريطانية وعلى شراء مكوناتها من تركيا يرفع من أسعار السيارات ومن تكلفتها، ويحد من قدرتها التنافسية، فضلا عن التأثير على مخزون سلع الغذاء وغيرها من السلع الأساسية كون بريطانيا تستورد من الاتحاد الأوروبي 45% من وارداتها.
أما الخيارات المتبقية لدى جونسون والسيناريوهات المحتملة فتتمثل في التصميم على الخروج بدون اتفاق، وهذا الخيار يكلف بريطانيا الكثير بدءا من دفع الفاتورة المالية، مرورا بالأخطار السابقة، نهاية بعدم وجود بدائل تعوض بريطانيا عن عضوية الاتحاد الأوروبي، هذا الخيار من الناحية العملية صعب تنفيذيه لأسباب عديدة ما بين عقبات دستورية وقانونية يتحكم فيها البرلمان، الذي أقر تشريعا يمنع بريكست بدون اتفاق، وكذلك انقسام حزب المحافظين واحتمال انضمام بعض قادته المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي إلى صفوف المعارضة لوقف بريكست بدون اتفاق.
ويتمثل ثاني الخيارات أمام جونسون في إدراكه خطورة موقفه في مواجهة الاتحاد الأوروبي وقوى المعارضة، مما يجعله يلجأ إلى عقد انتخابات مبكرة قبل نهاية العام، وهو خيار أيضا يخشاه المحافظون خوفا من فوز حزب العمال، ومن ثم يصبح سيناريو سحب الثقة من حكومة جونسون أمراً وارداً بقوة في ظل عناده واستبعاد طلب تأجيل بريكست مرة أخرى.
aXA6IDUyLjE0LjYuNDEg جزيرة ام اند امز