انتخابات البرازيل.. لماذا تريد الصين فوز "بولسونارو"؟
عندما فاز جايير بولسونارو بالانتخابات الرئاسية في البرازيل في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، كشفت افتتاحية صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية عن تفاؤل بكين الحذر بشأن الزعيم الجديد.
ورغم أن بولسونارو بدا "أقل ودا تجاه الصين بحملته الانتخابية"، أعربت "تشاينا ديلي" عن "الأمل الصادق" في أن "يلقي نظرة موضوعية وعقلانية على حالة العلاقات الصينية البرازيلية"، معتبرة أن "البلدين بالكاد متنافسان".
حينها، كان بولسونارو اليميني يتمتع بسجل حافل من الهجوم الممنهج على بكين، بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مشيرة إلى أنه قبل الانتخابات، حذر من أن "الصين لا تشتري في البرازيل، بل تشتري البرازيل"، وزار تايوان، مغردًا بأنه خطط لمخالفة الحكومات اليسارية البرازيلية السابقة التي كانت "صديقة للأنظمة الشيوعية".
وكان قرار بولسونارو بجعل الخطاب المعادي للصين عنصرًا أساسيا في حملته الانتخابية، الأول لسياسي سعى بنجاح لمنصب وطني في أمريكا اللاتينية. وقبل الطفرة في السلع الأساسية التي غذتها الصين في الألفينيات، كانت روابط المنطقة مع الصين ذات أهمية اقتصادية وسياسية محدودة.
وبحسب "فورين بوليسي"، تعتبر البرازيل أحد الأمثلة على ذلك؛ حيث لم تكن بكين بين شركائها الخمسة الرئيسيين في التجارة خلال مطلع القرن.
وبعد تسعة أعوام فقط، تفوقت الصين على الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأول للبرازيل، وهو وضع تتمتع به في عدة دول بالمنطقة، بينها تشيلي، وأوروجواي، وبيرو.
ومنذ ذاك الحين، نظر اللاعبون الإقليميون بشكل عام إلى الصين باعتبارها شريكا اقتصاديا لا غنى عنه، فضلًا عن حليف مفيد لموازنة النفوذ الأمريكي.
ورسخ الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي حكم البلد من 2003 إلى 2010، العلاقات الثنائية الصينية البرازيلية، من خلال المساعدة في تأسيس مجموعة بريكس المكونة من: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا عام 2009.
واتبع خلفاء لولا من اليسار واليمين على حد سواء مسارًا مشابها حتى وعد بولسونارو بدق مسمار في العلاقات البرازيلية الصينية عام 2018. لكن بعد أربعة أعوام، أثبتت الصين أنها المستفيد الأكبر من رئاسة بولسونارو.
وفي حين شيطن بولسونارو الصين خلال أول عامين من إدارته، أصبح أيضًا شخصا غير مرغوب فيه لدى الغرب – وبدأ يرى زملاءه من أعضاء بريكس من منظور مختلف.
وقبل انتخابات الرئاسة البرازيلية في 2 أكتوبر/تشرين الأول، فإن صناع السياسة في بكين أقل قلقا بكثير من احتمال إعادة انتخاب بولسونارو مقارنة بنظرائهم في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
وفي تحول لافت للأحداث، من المتوقع أن تستفيد الصين بشكل أكبر من أربعة أعوام أخرى من رئاسة بولسونارو مقارنة بالحليف السابق لولا، الذي أطلق حملته الانتخابية للترشح للرئاسة البرازيلية وحاليا يتفوق على بولسونارو في استطلاعات الرأي.
وبعد تنصيب بولسونارو في يناير/كانون الثاني عام 2019، أحبطت آمال بكين في أنه سيخفف من خطابه المناهض للصين؛ إذ كان معاونا للرئيس الأمريكي – آنذاك – دونالد ترامب، ودان العديد من مستشاريه الرئيسيين بانتظام بكين لتعزيز مصداقية مناهضتهم للشيوعية.
كما اختار الرئيس الجديد لحقيبة الخارجية إرنستو أرايجو، وهو من مشجعي ترامب ومنظري المؤامرات الذي وصف النظريات العلمية وراء تغير المناخ بمؤامرة ماركسية لصالح بكين، وحذر من أن "الصين الماوية" تسهل ظهور الحكم الاشتراكي في شتى أنحاء أمريكا اللاتينية.
وبالرغم من أن علاقة الجانبين شهدت بعض التقارب عندما أشادت الصين علانية بسجل بولسونارو البيئي خلال الحرائق الضخمة في الأمازون عام 2019، كان ذلك مؤقتا.
وعندما قلد بولسونارو وأبناؤه والعديد من وزرائه استراتيجية ترامب في لوم الصين على جائحة كوفيد-19 – على سبيل المثال باستخدام مصطلح "الفيروس الصيني" – دخلت العلاقات الثنائية للبلدين في أزمة عميقة.
وانتقد القنصل العام الصيني في ريو دي جانيرو نجل الرئيس إدواردو بولسونارو ورجح أنه تعرض "لغسل دماغ" على أيدي الولايات المتحدة. وفي النهاية، مع ذلك، لم تتجاوز الأمور حاجز الحرب الكلامية.
وتمكنت بكين من تحسين وضعها بشكل كبير في البرازيل من خلال تزويد البلاد باللقاح في الوقت الذي أعطت فيه الولايات المتحدة وأوروبا الأولوية لسكانهم.
وكان رحيل ترامب الصاخب عن البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني عام 2021، ما أجبر بولسونارو على اتخاذ منعطف عملي دائم تجاه بكين؛ فمع إدراك أن الواقع الجيوسياسي قد تغير – وأن البرازيل ستواجه عزلة دبلوماسية شبه كاملة في الغرب – توقفت حكومته إلى حد كبير عن مهاجمة الصين.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول، لا يبذل صناع القرارات في كل مكان من واشنطن ومدريد إلى باريس وبرلين الكثير لإخفاء كراهيتهم تجاه بولسونارو، ولن تكون مبالغة القول إن سمعة بولسونارو في الغرب يتعذر إصلاحها إلى حد كبير.
وتعقد هذه الحقيقة الجهود الأمريكية والأوروبية للدفاع عن نفوذهم الاقتصادي والسياسي المتضائل في أمريكا اللاتينية في حين يتنامى الدور الصيني.
aXA6IDMuMTQ5LjI1My43MyA= جزيرة ام اند امز