البرازيل بين رئيسين.. هل يفوز "ترامب المناطق الاستوائية" أم "الأفضل في التاريخ"؟
في واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للجدل والاستقطاب في التاريخ الحديث، يتوجه البرازيليون الأحد لصناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل.
فعلى الرغم من وجود ما يقرب من 12 مرشحًا على بطاقة الاقتراع والعديد من المقاعد الأخرى المتاحة للانتخاب، إلا أن سباق 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، يهيمن عليه اثنان من المرشحين: الرئيس اليميني الحالي جاير بولسونارو، والرئيس اليساري السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
وفي سباق "ساخن"، استخدم بولسونارو ولولا، تويتر ويوتيوب ومناقشات متلفزة وتجمعات سياسية ضخمة لعرض مواقفهما ومهاجمة بعضهما في كل منعطف، فيما جعل الخطاب العنيف بين مؤيديهم العديد من الناخبين يشعرون بالخوف مما لم يأت بعد.
ووفقًا لاستطلاع للرأي، فإن أكثر من 67% من الناخبين في البرازيل يخشون "التعرض للاعتداء الجسدي" بسبب انتماءاتهم السياسية، في وقت أصدرت فيه المحكمة العليا للانتخابات في البلاد حظرا على الأسلحة النارية في نطاق 100 متر (330 قدما) من أي مركز اقتراع في يوم الانتخابات.
وشوهد المرشحان للرئاسة خلال الحملة الانتخابية محاطين بالأمن والشرطة، حتى إنهما كانا يرتديان سترات واقية من الرصاص في بعض الأحيان.
وارتدى بولسونارو سترته الواقية من الرصاص عندما بدأ الشهر الماضي حملته الانتخابية في مدينة جويز دي فورا، في المكان الذي طُعن فيه في بطنه خلال الحملة الرئاسية لعام 2018، كما شوهد لولا يرتدي سترة خلال حدث في ريو دي جانيرو، نفس المدينة حيث تم إطلاق قنبلة كريهة الرائحة محلية الصنع على حشد كبير من أنصاره في يوليو/تموز الماضي.
لولا وبولسونارو.. أضداد أيديولوجية
ويضع السباق الانتخابي اثنين من عمالقة السياسة البرازيلية المعاصرة - والأضداد القطبية - ضد بعضهما، بحسب أنطونيو لافاريدا، مدير مجموعة استطلاعات الرأي البرازيلية Ipespe في تصريحات لشبكة "سي إن إن" البرازيلية، مضيفًا أنهما شخصيتان معروفان، فهما اثنان من أكبر القادة الشعبويين وأكثرهم تميزًا في السياسة البرازيلية خلال العشرين عامًا الماضية.
ويترشح بولسونارو، البالغ من العمر 67 عامًا، والذي غالبًا ما يشار إليه باسم "ترامب المناطق الاستوائية"، لإعادة انتخابه في ظل الحزب الليبرالي المحافظ. وتعتمد استراتيجية بولسونارو لخلق الوظائف على الاستثمار في الصناعة لتعزيز نمو الوظائف، لا سيما في مجال التكنولوجيا، كما يدعم المظلي السابق توسيع الوصول إلى ملكية السلاح للدفاع عن النفس.
وقد يكون سجل بولسونارو منذ ولايته الأولى تعرض لانتقادات واسعة في البرازيل وخارجها بسبب سوء تعامله مع جائحة كورونا في البرازيل، مما أودى بحياة أكثر من 685 ألف شخص، ولزيادة في إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية في ظل رئاسته، من بين أمور أخرى.
فيما لولا (76 عامًا)، كان رئيسًا للبرازيل لفترتين متتاليتين من عام 2003 إلى عام 2011، وهما اللتان يستند إليهما في حملته انتخابية، معتمدًا على إرثه السابق، في انتشال ملايين البرازيليين من الفقر المدقع من خلال برنامج للرعاية الاجتماعية.
وقال لولا: "لست بحاجة إلى تقديم أي وعود. سياساتي مدعومة بإرث سنواتي الثماني السابقة في السلطة، والتي كانت ناجحة جدًا لهذا البلد وجميع قطاعات المجتمع".
وأدين لولا بالفساد وغسل الأموال في عام 2017، بتهم جاءت بعد تحقيق واسع النطاق تحت عنوان "عملية غسل السيارات" في شركة النفط الحكومية بتروبراس، لكن بعد أن قضى أقل من عامين، ألغى قاضي المحكمة العليا إدانة لولا في مارس/آذار 2021، مما مهد الطريق أمامه للترشح للرئاسة للمرة السادسة.
وأضاف لولا في يوليو/تموز الماضي، عندما وافق رسميًا على ترشيحه من قبل حزبه: لم أكن بحاجة إلى أن أصبح رئيسًا مرة أخرى. يمكنني الاحتفاظ بلقب أفضل رئيس في التاريخ وأعيش السنوات القليلة الماضية من حياتي بسلام. لكنني رأيت هذا البلد مدمرًا. رأيت التعليم يديره رجل لا يحب التعليم.
زرع الشكوك
وتظهر العديد من استطلاعات الرأي أن لولا في المقدمة، فيما أظهر أحدث استطلاع للرأي، نشرته يوم الخميس مجموعة داتافولها البحثية المرموقة، أنه يتقدم على بولسونارو بفارق 14 نقطة ، قبل ثلاثة أيام فقط من تصويت يوم الأحد.
وبعد أن استبعدت داتافولها وجود ناخبين لم يحسموا أمرهم، وجد نموذجها أن لولا حاز على ثقة 50% بين الناخبين الصحيحين، مقابل 36٪ قالوا إنهم سيدعمون بولسونارو، إلا أن الفارق بينهما اتسع في السيناريو الافتراضي للجولة الثانية، حيث أظهر لولا 54% من الأصوات مقابل 39% لبولسونارو.
ودون تقديم دليل، ادعى بولسونارو أنه يمكن التلاعب بنظام التصويت الإلكتروني في البلاد، بل إنه قال تم العبث به في الماضي، بحسب شبكة "سي إن إن"، التي قالت إنه لا يوجد سجل للاحتيال في بطاقات الاقتراع الإلكترونية البرازيلية منذ أن بدأت في عام 1996.
كما ألقى بظلال من الشك على السلطات الانتخابية في بلاده خلال رحلته الأخيرة إلى لندن لحضور جنازة الملكة إليزابيث الثانية، قائلا: "إذا لم نفز خلال الجولة الأولى من التصويت، سيكون شيء غير طبيعي حدث داخل المحكمة الانتخابية العليا".
وحذر منتقدون من أن مثل هذا الحديث قد يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف أو حتى رفض قبول نتيجة الانتخابات بين بعض البرازيليين - مشيرين إلى أعمال شغب في 6 يناير/كانون الثاني 2021 أثارها الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بعد أن خسر التصويت.
وكانت هناك بالفعل عدة تقارير عن الخطاب السياسي بين مؤيدي لولا وبولسونارو الذي تحول إلى العنف؛ ففي عطلة نهاية الأسبوع، سجلت الشرطة حادثين قاتلتين في ولايتين على طرفي نقيض من البلاد.
ففي ولاية سيارا الشمالية الشرقية، قُتل رجل طعنا في حانة بعد أن عرّف نفسه بأنه من أنصار لولا، وفقا للشرطة، فيما تقول السلطات في ولاية سانتا كاتارينا الجنوبية إن رجلاً يرتدي قميص بولسونارو تعرض للطعن أثناء نقاش عنيف مع رجل قال شهود إنه من مؤيدي حزب العمال.
قلق دولي
أصدر خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة بيانًا في وقت سابق من هذا الشهر يحث السلطات البرازيلية والمرشحين والأحزاب السياسية على ضمان إجراء تصويت سلمي.
وقال الخبراء: "نشعر بالقلق من أن هذه البيئة المعادية تمثل تهديدًا للمشاركة السياسية والديمقراطية ونحث الدولة على حماية المرشحين من أي تهديدات أو أعمال ترهيب أو اعتداءات على الإنترنت وخارجها".
ولكي يفوز أي من المرشحين في الجولة الأولى من التصويت، يجب أن يحصل على أغلبية مطلقة - أي أكثر من 50% من الأصوات، وإذا لم يصل أي من المرشحين إلى هذه النسبة، فمن المقرر إجراء جولة الإعادة يوم الأحد الموافق 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
لكن عامل الخوف بين الناخبين قد يؤدي إلى امتناع عدد كبير من الناخبين يوم الأحد، بحسب كريومار دي سوزا ، أستاذ العلوم السياسية ومؤسس دارما للمخاطر السياسية والاستراتيجية ومقرها برازيليا.
وأوضح دي سوزا، أن هذه الانتخابات، على عكس أي انتخابات أخرى منذ عام 1989؛ فهناك عدد كبير من الناخبين الذين يخشون التحدث بالسياسة والتحدث عن الانتخابات، مما سيكون له تأثير مباشر على ما إذا كان الناس سيذهبون إلى صناديق الاقتراع.