جسور الخير.. "سواعد يمنية" تُمهّد الجبال وتقهر الحوثي
من بين ركام حرب الحوثي الذي عطّلت تنمية اليمن، انبعثت مبادرات مجتمعية تشيد طرق الخير وجسور الحياة بسواعد أبطال قهروا العزلة وصلابة الجبال.
فمنذ انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية أواخر 2014، توقفت المشاريع التنموية، وغابت الدولة في فرض الجبايات المالية، مما خلق أجواء من اليأس لدى المواطنين قبل أن تولد المبادرات المجتمعية وتطلق عجلة الحياة معتمدة على تبرعات المغتربين وإرادة الأهالي لشق الطرقات إلى قراهم في أعالي الجبال.
ففي محافظة ريمة (غرب)، ظلت الطرق التي يستخدمها السكان منذ أن وطأت أقدامهم قبل عقود زمنية، صعبة وبالكاد تتسع لأقدام مستخدميها، إذ إن مساحتها المحدودة والجبال الوعرة التي تمر بها، تجبرهم على حمل متعلقاتهم، واحتياجاتهم المعيشية، على ظهور الدواب، أو على ظهورهم خصوصاً في تلك المنحدرات لمسافات طويلة للغاية.
وتسببت تلك الطبيعة القاسية في عزل السكان، وجعلهم يعتمدون على أجسادهم في نقل احتياجاتهم، لا سيما المواد الغذائية، ومواد البناء أثناء بناء المنازل أو المراكز الصحية والمدارس.
كما اعتمد الأهالي على "التلفريك" المصنوع محلياً لسنوات لنقل المواد الغذائية وحاجياتهم، وإن كانت مشاكل عدة ترافق ذلك، سواء تعلق الأمر بسعته المحدودة، أو الانتظار لأيام حتى يفرغ الآخرون من إرسال احتياجاتهم.
كسر عزلة ريمة
تلك الصعوبات ولّدت مبادرات مجتمعية، لتطويع تلك الجبال الشاهقة ونحت صخورها، وشقها بالفؤوس والمعاول البسيطة، وإعادة رصفها بالأحجار، حتى لا تدمرها السيول، وتحافظ على بقائها فترات زمنية طويلة.
أسهمت هذه المبادرات في ربط قرى ريفية كانت معزولة بالفعل عن العالم، لا سيما الواقعة في قمم الجبال الشاهقة، نظراً لافتقارها للطرق المعبدة.
ويقول المواطن اليمني أكرم الجعفري، لـ"العين الإخبارية": "إن الأهالي وجدوا أن القوة العضلية المعتمدة لحمل الأشياء، لم تعد مناسبة للحياة العصرية المتسارعة، لا سيما توسع السكان، وحاجتهم إلى بناء المزيد من المنازل، ولذا تم تبني مبادرات لشق الطرقات، وجعل وصول السيارات إلى تلك القرى، سهلة وممكنة".
الجعفري الذي يعد أحد أبناء منطقة الجعفرية، في محافظة ريمة، يؤكد أن المنظمات ومليشيات الحوثي، ليست لها علاقة بما يقوم به الأهالي في محافظة ريمة، ومديرية وصاب في محافظة ذمار (وسط اليمن).
وأشار إلى أن المبادرات المجتمعية تتكون من شقين الأول منها يتمثل في التمويل المالي، لا سيما من المغتربين اليمنيين في دول الخليج، والآخر توفير الأيدي العاملة من أبناء تلك المناطق للإسهام بالجهد العضلي.
وبحسب تأكيدات الجعفري، فإن المساهمات تفوق عشرات الملايين من الريالات، وكلها مقدمة من فاعلين خير ومغتربين، وإسهاماتهم جاءت كتقدير للقائمين على تلك المبادرات، في تخليصهم من العزلة التي كانوا يعيشونها.
خمس ساعات كان يقطعها "الجعفري" للوصول إلى منزله سيراً على الأقدام، بمسافة تقدر بنحو 5 كيلومترات، من الخط الأسفلتي إلى منزله.
لكنه اليوم لا يحتاج إلى ذلك الوقت بعد أن أصبحت السيارة التي تقله تصل إلى أمام منزله، قائلاً: "الفضل في ذلك يعود للمبادرات المجتمعية".
ومن بين تلك الطرق، طريق طياش بني واقد، وطريق سامد، وكلاهما يصل امتدادهما بنحو 5 كم، وتمران في منحدرات صخرية يتم تطويعها عبر استخدام المعاول والديناميت.
المبادرات تنتعش
في مديرية وصاب بمحافظة ذمار (وسط)، يشق الأهالي طريقاً بطول 17 كيلومترات وعرض 8 أمتار، وتمتد من جبل "مطحن" إلى بلدة "الشرقي" حيث تعبر وسط الهضاب، والمنحدرات الصخرية.
كما يشمل المشروع مسح طريق ترابية بطول 20 كيلومتراً وتمتد من بلدة "يحضر" إلى جبل "مطحن" الذي تبتدئ منها الطريق الجديدة.
يربط الخط بين بلدات يعيش فيها آلاف السكان، منها ربط مديرية الحسينية -ذمار بطريق الجراحي -الحديدة (غرب)، وأجزاء من محافظة إب (وسط).
لكن ما هو مختلف في مبادرة جبل "مطحن" في مديرية وصاب، هو أن التمويل المالي الكبير أتاح استئجار معدات شق عملاقة، ما جعل مشروعهم يتوسع ويصل إلى قرى كانت معزولة بشكل أسرع.
وتصل تكلفة المشروع إلى مليار و500 مليون ريال يمني، " الدولار يساوي 1100 ريال، وهي أعلى تكلفة لمشروع يتم تمويله من قبل الأهالي، بحسب ما أكده مواطنون لـ"العين الإخبارية".
وشهد العامان الماضيان انتشاراً واسعاً لفكرة المبادرات المجتمعية والتي هدفت إلى تعبيد الطرقات وشق طرق جديدة وإفساح المجال أمام كسر عزلة تلك المناطق التي ظلت بعيدة عن الطرق الأسفلتية في خطوات جسدت تلاحم الأهالي في خضم حرب مليشيات الحوثي التي تدخل عامها الـ7.
واستعاض المواطنون بالأحجار في رصف الطرقات عوضاً عن مادة الأسفلت المنعدمة، لا سيما في مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، جنوبي اليمن.
وأسهمت التبرعات المالية التي يقدمها المغتربين من أبناء تلك المناطق في إنجاز هذه المشاريع الخيرية المجتمعية، وباتت حافزاً للآخرين في الحذو حذوها.
aXA6IDE4LjExOS4xMzMuMTM4IA== جزيرة ام اند امز