دبلوماسية بريطانيا في أزمة.. والسبب ترامب
على مدار السنوات الأخيرة، كانت انتقادات كبار الدبلوماسيين البريطانيين حادة لدونالد ترامب، وسيكون عليهم الصلاة حتى يكون مستعدا للغفران.
فقبل توليه منصبه كوزير للخارجية في المملكة المتحدة، كان ديفيد لامي من أشد المنتقدين للرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب، لكنه تبنى مؤخرا لهجة أقل حدة.
وتُظهر دراسة للتعليقات السابقة للامي وفريق الخارجية البريطانية الجديد، أن تصريحات كبار الدبلوماسيين على مدار السنوات الأخيرة كانت انتقادية حادة.
لكن يبدو أنه سيكون عليهم الصلاة حتى يكون ترامب مستعدا للغفران والنسيان إذا عاد للبيت الأبيض، وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بصفته عضوا في حزب العمال، اعتبر لامي أن ترامب "عنصري" و"متعاطف مع النازية الجديدة".
أكثر تحفظا
مع تزايد احتمالات فوز ترامب بولاية ثانية، تبنى لامي نبرة أكثر تحفظًا، واعتبر أن موقف الرئيس الأمريكي السابق بشأن الأمن الأوروبي "غالبًا ما يُساء فهمه". كما تحدث عن "أرضية مشتركة" مفترضة مع المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس.
وردا على سؤال بشأن تصريحاته السابقة، قال لامي إن جميع الساسة لديهم ما يقولونه عن ترامب "في الماضي"، وينطبق الأمر نفسه على عدد من الشخصيات الرئيسية في فريق لامي الوزاري المكلفين بتسوية علاقات بريطانيا مع دول العالم.
ومن بين الأمور الملفتة للانتباه، أن وزير أمريكا الشمالية ستيفن دوغتي ووزيرة المحيطين الهندي والهادئ كاثرين ويست كانا قد شاركا في رعاية اقتراح برلماني شديد اللهجة في أبريل/نيسان 2019.
ووقعت على المقترح -أيضا- وزيرة التنمية الدولية الجديدة، ودعا الحكومة البريطانية إلى إلغاء زيارة ترامب الوشيكة للبلاد بسبب سجله الذي يتضمن كراهية النساء والأجانب إضافة إلى انسحابه من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.
ورغم أن هذا النوع من الاقتراحات يفتقر إلى القوة التشريعية، إلا أنها تشكل وسيلة للنواب لوضع آرائهم في السجل الرسمي وتوليد الحرارة للحملات.
وفي ذلك الوقت، كتب دوغتي أن بريطانيا "لا ينبغي أن تكرم أو يُنظر إليها على أنها تؤيد أولئك الذين يهاجمون أو يقفون ضد قيمنا الأساسية للإنسانية والمساواة".
كما وصف دوغتي حظر السفر الذي فرضه ترامب لوضع قيود على دخول مواطني خمس دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة بأنه "مثير للانقسام وغير كفء".
واتهم الإدارة بالإشراف على "العقاب الجماعي"، كما اتهم ترامب بإظهار "الافتقار التام إلى التعاطف والاعتبار لأي شيء لا يصب في مصلحته الشخصية".
حتى بعد الزيارة
حتى بعد زيارة ترامب الرسمية لبريطانيا في يونيو/حزيران 2019، لم تتوقف الهجمات، حيث قالت دودز في مقابلة لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إن "العلاقة الخاصة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة تستند إلى القيم الديمقراطية التي للأسف لا يلتزم بها ترامب".
وفي عام 2021، وعند تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، قالت ويست: "مع رحيل ترامب وسياساته القائمة على الانقسام والكراهية عن منصبه، فإن انتخاب جو بايدن وكامالا هاريس يشكل مصدر أمل".
وهذه التصريحات قد لا ينساها ترامب أو حلفاؤه إذا عاد للبيت الأبيض، ما دفع وودي جونسون، آخر سفير للولايات المتحدة لدى المملكة المتحدة، لتحذير لامي مؤخرًا من أن "الناس سيتذكرون كل تلك التعليقات التي لم تكن حكيمة".
من جانبه، رفض إريك ترامب، نجل الرئيس السابق ،تصريحات وزير الخارجية بشأن والده ووصفها بأنها "مقالب إعلامية سخيفة" و"هراء غبي".
وقالت صوفيا جاستون، رئيسة السياسة الخارجية والمرونة البريطانية في مؤسسة "بوليسي إكستشينج" البحثية إن "دونالد ترامب سياسي غير عادي، وفي بعض الأحيان، جذبت خطاباته العاطفية وخياراته السياسية ردود فعل من زعماء سياسيين آخرين كانت غير عادية من الناحية الدبلوماسية".
وأضافت أن "الكلمات مهمة حقًا عندما يتعلق الأمر بالسياسة، لأن هذه العلاقات الشخصية يمكن أن تكون مهمة حقًا"، لكنها أشارت إلى أن اللغة لن يكون لها تأثير دائم على علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة.
وتابعت: "في نهاية المطاف، سيحدد نجاحهم في التعامل مع إدارة ترامب مواقفهم السياسية ومدى التوافق الذي يشعرون به مع أهدافهم الأساسية".
مد جسور؟
خلال الشهور الأخيرة، حاول المسؤولون في حزب العمال البريطاني بناء الجسور مع معسكر ترامب، فعلى سبيل المثال جرى تجميد خطط تعيين سفير جديد للمملكة المتحدة في واشنطن بانتظار نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتأمل بريطانيا أن يكون ترامب متسامحا معها مثلما فعل مع مرشحه لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس الذي وصف الرئيس السابق ذات يوم بأنه "كارثة أخلاقية" وأنه قد يكون "هتلر أمريكا".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن "العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة علاقة خاصة، مبنية على أساس من الروابط الأمنية والعسكرية والاستخباراتية العميقة، فضلاً عن الروابط الثقافية والشعبية الفريدة". مضيفا: "إننا نتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع من يتم انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة".