كان إعلان حكومة المملكة المتحدة عن استفتاء شعبي ليختار البريطانيون البقاء أو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بمثابة الصدمة لبقية دوله.
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها الحكومة البريطانية المعاصرة في موقف دولي شديد التعقيد والصعوبة والذي تمر به حاليا.
"لعنة البريكست" كما يطلق عليها البريطانيون التي أطاحت بسبع وزراء، وتضع اليوم رئيسة وزراء البلاد في قلب العاصفة، بلا ظهر يدعمها بقرارها التوجه نحو الانفصال المرن عن أوروبا.
أسئلة غزيرة تتهاطل على ماي من داخل الاتحاد الأوروبي، للتوصل إلى اتفاق، ومن داخل حكومتها ظلا وحزبا.
كان إعلان حكومة المملكة المتحدة عن إطلاق استفتاء شعبي ليختار البريطانيون البقاء أو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بمثابة الصدمة لبقية دول الاتحاد الأوروبي الـ٢٧، وكذلك للشعب البريطاني الذي انقسم بين مؤيد ورافض لهذا القرار.
الكل يبحث عن جواب، وعن جذور الخطأ، فهل يكون التسرع في أخذ قرار الانفصال والإعلان عنه بدون خطة واضحة معلنة، ولا شروط اتفاقية هو السبب الأساسي؟، أو التعنت السياسي من أجل تحقيق الأهداف الشخصية والحزبية هو وراء هذه الأزمة الغامضة.
كان إعلان حكومة المملكة المتحدة عن إطلاق استفتاء شعبي ليختار البريطانيون البقاء أو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بمثابة الصدمة لبقية دول الاتحاد الأوروبي الـ٢٧، وكذلك للشعب البريطاني الذي انقسم بين مؤيد ورافض لهذا القرار.
وتم الاستفتاء واتجه في طريق الانفصال بفارق صغير في التصويت.
ولم يعد الخلاف الآن يخص الخيار الشعبي بقدر ما انتقل إلى الساحة السياسية الأوروبية، بين الأحزاب التي بينها خلافات، وفي داخل حزب المحافظين الداعم للبريكست.
ويعد المتابعون والخبراء أن كل التطورات المتعلقة بملف الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، والتي كان آخرها استقالة الوزير المكلف بالمفاوضات دايفيد ديفيس، ووزير الخارجية السابق بوريس جونسن إنما هي بوادر فشل بريطاني، وخسارة ثقيلة لرئيسة الوزراء.
وفي الوقت الذي تطالب فيه الدول الأوروبية بريطانيا، بتقديم أوراق واضحة والخروج من مساحاتها الرمادية ولغتها المبهمة، وتحديد مطالبها لتسهيل الانفصال، تقدمت رئيسة الوزراء البريطانية بورقة بيضاء ضمت بنودا فيها من الليونة ما أقام عليها أعداءها وأصدقاءها داخليا وخارجيا. حيث اعتبر البريطانيون ومنهم وزير الخارجية المستقيل أن الخروج المرن من البيت الأوروبي يضع بلاده في موقف ضعف وتبعية.
وتقاسم رأي جونسن مجموعة كبيرة من السياسيين داخل حزب ماي وفي البرلمان البريطاني.
وفيما وجدت ماي نفسها مضطرة للتقدم بهذه الورقة إلى دول الاتحاد الأوروبي؛ يميل الكثيرون إلى خيار الخروج الخشن، والذي يريدون به استقلالا تاما عن بقية الدول الأوروبية وبتعويضات.
المأزق الحقيقي هنا أنه وإلى حد الآن لا أحد يعلم هل سيتم الانفصال فعليا أم لا؟، حيث تضمن اتفاقية برشلونة في بندها الـ٥٠ حق طلب الانفصال، كما تضمن حق التراجع عنه، والسؤال هنا : هل يمكن لبريطانيا أن تتراجع وما هو الثمن السياسي والاقتصادي الذي ستدفعه مقابل هذا؟
والسؤال الثاني هو هل الاتجاه في طريق الانفصال الناعم ممكن أن يتحقق في مدة زمنية لا تتعدى التسعة أشهر، حيث موعد الانفصال آخر يوم من شهر مارس آذار ٢٠١٩؟.
والفشل في تحقيق هذه المطالب سيعتبر انهيارا لماي وسياستها.
أما الخروج الخشن فقد يسبب خسائر اقتصادية فادحة لبريطانيا، وتوقف أغلب مجالات التعاون الاقتصادي والأمني بينها وبين مختلف الدول.
التحديات الأخرى والأكبر هي التحديات الخارجية للعلاقات البريطانية مع بقية الدول، والتي تعودت على التعامل ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي التي تقدم العديد من التسهيلات. والتعامل مع الاتحاد الأوروبي نفسه.
والأهم التعاون مع الحليف الأكبر وهو الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم يكن موقفها مطمئنا بعد التصريحات التي جاءت على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ترامب الذي قال خلال زيارته لبريطانيا الأسبوع الماضي وفي الوقت الذي تمر فيه تيريزا ماي بأزمة حقيقية، أن انتهاجها الأسلوب المرن سيضعف آفاق التعاون بين البلدين، التصريح الذي صدم ماي التي سبق وأن قالت له في كلمتها الترحيبية في نفس اليوم إنها تطمح لفتح وتعزيز التعاون التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وبشكل ضمني كانت تريد إيصال رسالة أن علاقتهما يمكن أن تكون البديل عن الاتحاد الأوروبي.
كل هذه المواقف الداخلية والخارجية تجعل الكل متشكك في مصير بريطانيا بعد أقل من تسعة أشهر من الآن.
والعبرة الأكبر أن دخول تكتلات تجمع دول التزام قاس، وثمن الخروج منه مكلف وقد يؤدي إلى انتكاسات خطيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة