بريطانيا تفقد السيطرة.. جمعيات الإعانة على رادار الإفلاس
في خضم أسوأ أزمة غلاء معيشة تشهدها بريطانيا، يتدفق الآلاف من السكان على مراكز الإعانات وتوزيع المساعدات الغذائية "الإنقاذية".
لكن مع تصاعد الضغوط التضخمية على الاقتصاد البريطاني، هل ستصمد جمعيات ومراكز الإعانات؟
برادفور الأكثر معاناة
يحصل المواطنون البريطانيون على إعانات مالية حكومية عدة قد تصل إلى 900 جنيه إسترليني شهريًا، لكنها قد لا يتبقى منها شيء بعد سداد الالتزامات الأساسية؛ لشراء المواد الغذائية. لذلك؛ يتدفق كثر من سكان برادفور في شمال إنجلترا على مركز لتوزيع المساعدات الغذائية لاستلام حصص توصف بأنها "إنقاذية".
وتضاعف عدد المستفيدين من المساعدات التي يقدّمها مركز توزيع الإعانات الغذائية في برادفور مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، بعدما أدى الارتفاع المتسارع في أسعار الطاقة والغذاء وغيرها من السلع الأساسية إلى تزايد أعداد البريطانيين الذين يواجهون صعوبات معيشية.
وبحسب آخر مؤشر حكومي للفقر نشر في العام 2019 تحتل دائرة برادفور الكبرى وهي سادس أكبر منطقة حضرية في إنجلترا، المرتبة الخامسة في قائمة المناطق الأكثر حرمانا على صعيد المداخيل والسادسة في قائمة المناطق الأكثر حرمانا على صعيد التوظيف على مستوى البلاد. ويجعلها هذا الأمر متضرّرة بشدة من جراء الأوضاع الحالية.
إلى أي مدى ستصمد جمعيات ومراكز الإعانات؟
ويعد الإقبال المتزايد على مراكز توزيع الإعانات الغذائية أحد أبرز مؤشرات الأزمة الراهنة في بريطانيا.
وقالت جمعية "تراسل تراست" الخيرية إن المراكز التابعة لها والتي يتخطى عددها 1400 مركز وزّعت 2.1 مليون حصّة العام الماضي بينها 830 ألفا للأطفال، بزيادة نسبتها 14 %، مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
ويعمل مركز الجمعية في برادفور ثلاثة أيام في الأسبوع وتشغّله منظمة كنسية محلية، وهو قادر على إمداد الأشخاص بثلاثة حصص فقط خلال ستة أشهر نظرا لحجم الطلب.
وتتضمن هذه الحصص منتجات على غرار الحبوب والحساء المعلّب واللحم والسمك والمعكرونة والصلصات والخضار والبسكويت والسكر والشاي والقهوة.
وفُتح المركز في العام 2011، وهو واحد من بين نحو ثلاثين مركزا لتوزيع الإعانات الغذائية المجانية ينشطون حاليا في المدينة التي يتخطى عدد سكانها نصف مليون نسمة، وهو يوفر حاليًا إعانات غذائية لنحو ألف شخص شهريًا؛ وفق مديرته جوزي بارلو.
مساعدات حكومية كبرى
وفي مايو الماضي، أعلنت الحكومة عن حزمة مساعدات كبرى إضافية تبلغ 15 مليار جنيه استرليني (19 مليار دولار) للأكثر تضررا، مع توقع ارتفاع فواتير الطاقة في تشرين الأول/أكتوبر بنسبة 42%.
وستحوّل 75%، من هذه الأموال إلى متلقي الإعانات الحكومية بواقع 650 جنيها لتغطية "غلاء المعيشة" للغالبية مع 300 جنيه للمتقاعدين و150 جنيها للمستفيدين من إعانات الإعاقة.
وحسب بيانات حديثة لدراسة نشرها البرلمان البريطاني على موقعه في يونيو 2022، فإن الحكومة البريطانية قدمت دعماً للأسر البريطانية بمبلغ 37 مليار جنيه إسترليني خلال شهور مارس وأبريل ومايو.
من بين هذا الدعم، دفعت 400 جنيه لكل أسرة لدعم كلف الطاقة و650 جنيها للمواطنين الذين يحصلون على إعانات حكومية و300 جنيه إسترليني لأصحاب المعاشات و150 جنيها لكل أسرة تسكن في المساكن الحكومية التابعة للمجالس والمخصصة للفقراء.
وحسب مكتب الإحصاء البريطاني فإن 88% من سكان بريطانيا فوق سن 18 عاماً شكوا من كلف ارتفاع المعيشة. وتعمل الحكومة على رفع الإعانات للفقراء عبر دعم كلف الطاقة بنسبة 82% ثم ترفعها إلى 90%.
تسارع وتيرة التضخم
لكن هذه المساعدات لا يمكنها تهدئة مخاوف الناس من أنهم مقبلون على ما هو أسوأ. وقد بلغ معدل التضخم 9.1% في مايو 2022؛ ما من شأنه أن يطغى على أي مساعدات إضافية.
ويعد معدل التضخم هو الأعلى منذ 40 عامًا، وهو ما يعني من الناحية العملية، أن الأجور من حيث قيمتها الحقيقية انكمشت بنسبة 4.8%، وذلك بحساب خصم معدل التضخم من الزيادة الفعلية في الأجور.
الضغط الأكبر ربما لن يقف عند حد موسم الشتاء المقبل فقط، بل سيتفاقم خلال فترة عيد الميلاد مع الصعوبات التي تواجهها العائلات خصوصا في تقديم الهدايا وتحضير الطعام.
ويواجه المواطن البريطاني منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتداعيات العقوبات الاقتصادية على موسكو ارتفاعًا في أسعار الغذاء والوقود، حيث ارتفعت فاتورة الغاز والكهرباء بنسبة 57%، على الرغم من وعود الشركة الحكومية المنظمة لأسعار الطاقة.
وحسب البيانات التي وردت في دراسة البرلمان البريطاني، فإن كلفة المعيشة في بريطانيا ارتفعت بنسبة 5.9% في المتوسط خلال العام الجاري إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عاماً، ولكن بالتأكيد فإن كلفة المعيشة في لندن أعلى كثيراً من باقي بريطانيا.
وحسب الدراسة فإن كلفة المعيشة مقارنة بالأجور باتت أعلى من أي وقت مضى منذ العام 1982. وتشير الدراسة إلى أن فاتورة الطاقة بالنسبة للأسرة في بريطانيا ارتفعت بنسبة 95% بين أبريل/ نيسان 2021 وأبريل/ نيسان 2022. حيث ارتفعت فاتورة الكهرباء بنسبة 54%.
وحسب شركة "أوفجن" المنظمة لإجراءات الطاقة في بريطانيا فإن كلفة فاتورة الطاقة السنوية ارتفعت للأسر البريطانية من 1.277 جنيه إسترليني إلى 1971 جنيها إسترلينيا. وتوقعت "أوفجن" أن ترتفع الفاتورة 2800 جنيه إسترليني في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وإضافة إلى كلف التدفئة والإنارة، فإن المواطن يواجه خلال الصيف الجاري ارتفاعاً في أقساط القروض العقارية بسبب ارتفاع معدل الفائدة. ورفع البنك المركزي البريطاني" بنك إنكلترا"، سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.75% في يونيو الماضي.
ويضاعف تراجع سعر صرف الإسترليني مقابل الدولار من كلف أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة كما يرفع من فاتورة الإجازات للمواطن البريطاني الذي يخطط لقضاء عطلة الصيف خارج بريطانيا.
هل تسقط بريطانيا بحقبة الركود؟
كان النمو الاقتصادي منخفضاً في الأشهر الأخيرة، وأزمة تكلفة المعيشة بدت حقيقية جداً بالنسبة للكثيرين. ويكاد يكون من المؤكد أنَّ التضخم يتجه لتسجيل أرقام من خانتين بحلول الخريف، لكن يجدر به الاستقرار في وقت لاحق من هذا العام قبل التراجع سريعاً بعد ذلك، ما لم توقف روسيا إمدادات الطاقة إلى أوروبا.
لكنْ هناك صندوق حرب، إنْ صح القول، حيث تعد الموارد المالية للأسر البريطانية جيدة، بل إنَّها في الواقع الأفضل نسبيًا بين جميع الاقتصادات الكبرى مع تراكم مدخرات بنحو 200 مليار جنيه إسترليني خلال فترة تفشي الوباء. من الواضح أنَّ عدم استغلال هذه المدخرات بعد يشكّل دليلاً على خوف المستهلكين، خاصة أنَّ أسعار المنازل كانت آخذة في الارتفاع.
وبحسب وكالة "بلومبيرج"، عادة في مثل هذا السيناريو الحميد، سيُضاف الإنفاق على التجزئة بقوة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي. كذلك، تتغذّى هذه السلبية في الإنفاق على ذاتها، لكن في مرحلة ما ستنعكس وتعطي دفعة صحية أعلى لأي حالة انتعاش اقتصادي.
aXA6IDMuMTQ5LjI0My44NiA= جزيرة ام اند امز