انتخابات بريطانيا والشرق الأوسط هل تتبعثر الأوراق؟
اقتراع تاريخي على جميع الأصعدة يأتي في سياق استثنائي مشحون بأزمة "البريكست"، ويطرح استفهامات حول تداعياته المحتملة على الشرق الأوسط
تشهد بريطانيا، غدا الخميس، انتخابات عامة مبكرة، قد تكون المنعطف الأكثر أهمية بالنسبة إلى سياسة لندن الخارجية في الشرق الأوسط منذ عقود.
- الانتخابات البريطانية المقبلة.. محورية "بريكست" وتغييرات جوهرية
- انتخابات بريطانيا.. هل تحسم "بريكست" أم تعيده للواجهة؟
اقتراع تاريخي على جميع الأصعدة يأتي في سياق استثنائي مشحون بأزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويطرح استفهامات حول تداعياته المحتملة على الشرق الأوسط؛ فهل يقود حزب العمال تحولا جذريا في موقف بريطانيا التقليدي تجاه المنطقة؟ أم سيعزز المحافظون من السياسات القائمة حاليا؟
استفهامات تفسح المجال لتكهن جميع السيناريوهات المحتملة، ذلك أن فوز أي من الجانبين، العمال أو المحافظين، باعتبارهما الحزبين الأوفر حظا في الاقتراع وفق استطلاعات الرأي، ستكون له تبعات ملموسة على الشرق الأوسط.
أما المرشحان الحاليان فهما رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون عن حزب المحافظين، وزعيم المعارضة جيرمي كوربين عن حزب العمال، فيما تتنافس أحزاب أخرى مثل أحزاب الديمقراطيين الأحرار، والبريكست، والخُضر والحزب القومي الاسكتلندي، على المقاعد البرلمانية.
تقارير إعلامية أكدت أن نتائج الانتخابات التشريعية البريطانية ستكون لها تبعات وارتدادات على الشرق الأوسط، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، نظرا لما تحمله من احتمالات حصول إعادة اصطفاف في العلاقات الدبلوماسية والتجارية.
وإجمالا، تتعلق الاحتمالات بالحزب الفائز في اقتراع الغد، وذلك استنادا إلى ما جاء في البيانات الانتخابية لأبرز الأحزاب المتنافسة، وعلى رأسها العمال والمحافظين.
حزب العمال - كوربين
في بيانه الانتخابي، تعهّد حزب العمال المعارض بفرض حظر على صادرات السلاح إلى إسرائيل على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان بفلسطين، متعهدا بـ"إجراء إصلاح جذري لنظام تصدير الأسلحة البريطانية إلى دول أخرى حتى لا تستخدم أسلحة مصنوعة بالمملكة في استهداف المدنيين الأبرياء".
الحزب المعارض تعهد أيضا بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين، مؤكدا تأييده لحل الدولتين، دون أن يغفل التطرق إلى موقف وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أعلن فيه رغبته في خسارة كوربين.
لكن، وفي الوقت الذي أبدى فيه الحزب نوعا من التأييد للقضية الفلسطينية، إلا أن منتقديه لا يزالون يذكرون له وصف رئيسه كوربين حركة حركة حماس ومليشيا حزب الله بـ"الأصدقاء" قبل 10 سنوات، وذلك عندما دعا أعضاء تابعون لهما لحضور جلسة برلمانية حينها، لكن زعيم العمال أعرب لاحقا عن أسفه لاستخدام العبارة.
كوربين تعهد أيضا بأن يطرح حزبه قانونا لضمان عدم تجاوز أي رئيس وزراء البرلمان للقيام بفعل عسكري تقليدي، وتعهد بتنفيذ التوصيات التي جاءت في تحقيقات شيلكو المتمحورة حول غزو العراق.
وفي إطار حملته الانتخابية، ركز كوربين على موقفه من غزو العراق، الذي سبق أن حذر رئيس الوزراء السابق توني بلير من تداعياته، وشارك متابعيه بمقطع فيديو قديم يعود إلى 16 عاماً مضت، يحذّر فيه من تداعيات غزو العراق على الأجيال المقبلة.
نقاط قد لا تبدو مطمئنة رغم ما تنضح به من وعود، ما يفاقم المخاوف من أن وصول كوربين للسلطة قد يقود نحو تحول درامي في السياسة البريطانية إزاء الشرق الأوسط، في حقبة ما بعد البريكست.
فهذا الزعيم اليساري الذي يعتبر الأكثر راديكالية في تاريخ بريطانيا، لطالما كان داعماً قوياً لإيران، وحركة حماس ومليشيا حزب الله، الممولتين من طهران، ولم تفلح اعتذاراته في إقناع الرأي العام بشأن عبارة "أصدقاء" الشهيرة.
وفي حال نجح كوربين بالوصول للسلطة، فإن بريطانيا قد تتحرك بصورة حادة بعيداً عن إجماع الاتحاد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط، وتتخذ مواقف مؤيدة فعلياً لـ"حماس" وطهران.
المحافظون - جونسون
يعتبر المحافظون أن السياسة الخارجية لا تشكل أولوية للناخب البريطاني حين يختار الحزب الذي يصوت له في الانتخابات العامة، وهذا ما يفسر عدم تركيزهم في بيانهم الانتخابي على تفاصيل محددة فيما يتعلق بسياسة المنطقة الخارجية.
واكتفى البيان بالتعهد بحظر الكيانات العامة التي تؤيد مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على "بلدان أجنبية" لم يحددها، مشيرا إلى تأييده لحل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل.
في المقابل، ركز الحزب برنامجه على تشكيل تحالفات تجارية مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي، دون تحديد إن كانت بلدان الشرق الأوسط من بينها أم لا، والتفاوض على اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة واستمرار التحالفات العسكرية لبريطانيا.
أما بشأن إيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن المشهد بعد البريكست قد يغير الإجماع القائم حاليا بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
فخلال زيارة أجراها إلى لندن قبل أشهر، قال مستشار الأمن الوطني الأمريكي السابق جون بولتون إن واشنطن متحمسة لبريكست دون اتفاق، فيما قالت تقارير إعلامية بريطانية حينها إن المسؤول لم يفصح عن أمر آخر، وهو أن الإدارة الأمريكية قد تطلب من بريطانيا التوافق مع مواقفها بشأن النظام الإيراني، وهذا ما من شأنه أن يقلل من فرص حصول إيران على أسلحة نووية على المدى المتوسط.
وبخصوص إسرائيل، فإن جونسون أبدى دعمه لإسرائيل في مواقف متنوعة، وسبق أن ندد بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة معتبرا أنه يركز بشكل "غير متناسب" على إسرائيل.
لكنه لم يتردد -في الآن نفسه- في وصف الرد الإسرائيلي خلال حرب غزة بـ"القبيح والمأساوي".
ساعات قليله تفصل بريطانيا عن الانتخابات المقررة التي من المتوقع أن ترسم شكلا جديدا في السياسات الخارجية لبريطانيا.