"الدعاية السوداء".. عقود من التزييف البريطاني ضد مصر ودول أخرى
كشفت وثائق حكومية بريطانية رفعت عنها السرية مؤخرًا عن حملة "دعاية سوداء" سرية على مدى عقود ضد خصومها.
واستهدفت هذه الحملة التى استمرت منذ منتصف الخمسينيات وحتى أواخر السبعينيات إفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا بمنشورات وتقارير من مصادر مزيفة تهدف إلى زعزعة استقرار "أعداء الحرب الباردة".
وشملت الحملة تشجيع التوترات العرقية، ونشر الفوضى، والتحريض على العنف، وتعزيز الأفكار المعادية للشيوعية وحتى المعادية لاسرائيل من أجل كسب مصداقية تلك الشعوب.
وقال تقرير عن الوثائق نشرته صحيفة "الجارديان" إن الجهود ركزت التي قادها قسم داخل وزارة الخارجية فى لندن، على أعداء الحرب الباردة مثل الاتحاد السوفيتي والصين، وجماعات التحرير اليسارية والقادة الذين رأتهم المملكة المتحدة يمثلون تهديدا لمصالحها.
وسعت الحملة أيضا إلى حشد المسلمين ضد موسكو، وتشجيع المزيد من المحافظة الدينية والأفكار المتطرفة.
من جهته، قال المؤرخ روري كورماك إن "هذه االوثائق هي من بين أهم ما رفعت عنه السرية خلال العقدين الماضيين. ومن الواضح جدًا الآن أن المملكة المتحدة شاركت في دعاية سوداء أكثر مما يفترض المؤرخون وكانت هذه الجهود أكثر منهجية وطموحًا وشراسة.
وكان كورماك وهو خبير في تاريخ التخريب والذكاء، وفقا لصحيفة "الجارديان" هو من وجد المادة عند إعداد كتابه الجديد، "كيفية القيام بانقلاب: وعشرة دروس أخرى من عالم الكفاءة السياسية السري" الذي سينشر الشهر المقبل.
قسم خاص بالدعاية السوداء
وتم إنشاء قسم أبحاث المعلومات من قبل حكومة حزب العمال بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة هجمات الدعاية السوفيتية على بريطانيا.
والعام الماضي، كشفت صحيفة "الأوبزرفر" عن الحملة الكبرى التي شنها قسم أبحاث المعلومات - في إندونيسيا عام 1965 والتي ساعدت في تشجيع المذابح المناهضة للشيوعية والتي خلفت مئات الآلاف من القتلى.
وفى تلك المرحلة، أعد القسم البريطاني كتيبات يزعم أنه كتبها الوطنيون الإندونيسيون، ولكن في الواقع تم صياغتها من قبل بريطانيين، داعين الإندونيسيين إلى القضاء على "بي كي أي"، الذي كان آنذاك أكبر حزب شيوعي في العالم من خارج المنطقة الشيوعية.
ووظف قسم أبحاث المعلومات 360 شخصًا في أوج عمله في منتصف الستينيات. ومع ذلك ، كانت وحدة التحرير الخاصة شديدة السرية، والمسؤولة عن جهود الدعاية السوداء، أصغر بكثير من مكتب تخصص بالكامل فى تصميم مجموعة متنوعة من التكتيكات للتلاعب بالرأي العام.
وتضمنت التقارير حقائق وتحليلات منتقاة بعناية غالبًا ما تم الحصول عليها من المعلومات الاستخباراتية المقدمة من أجهزة الأمن البريطانية، ولكن يبدو أنها جاءت من محللين ومؤسسات مستقلة ظاهريًا تم إنشاؤها وإدارتها في الواقع من قبل إدارة أبحاث المعلومات.
واحدة من أولى هذه المنظمات، التي تأسست عام 1964، كانت اللجنة الدولية للتحقيق في منظمات الجبهة الشيوعية.
مصر والسوفيت
وكان التكتيك الآخر هو تزوير تصريحات المؤسسات والوكالات السوفيتية الرسمية بين عامي 1965 و1972، حيث قام قسم الأبحاث بتزوير 11 بيانًا على الأقل من وكالة "نوفوستى" السوفيتية للأنباء التي تديرها الدولة. أحدهما جاء عقب هزيمة مصر في حرب 1967 التي استمرت ستة أيام ضد "إسرائيل"، والذي أكد الغضب السوفييتي من "إهدار" مصر الكثير من الأسلحة والعتاد التي زودتها موسكو البلاد.
كما أنشأ قسم الأبحاث أيضًا منظمة إسلامية راديكالية متخيلة تمامًا تسمى "رابطة المؤمنين"، والتي هاجمت الروس باعتبارهم غير مؤمنين وألقت باللوم على الهزائم العربية على الافتقار إلى العقيدة الدينية.
وقال كورماك إنه كما هو الحال مع الكثير من مخرجات الشبكة، كانت المزاعم دقيقة من الناحية الواقعية، لكن النغمة والمصدر المزيف صُمما للتضليل، مشيراً إلى أنّ المنشورات التي صدرت حول اليمن كانت تهدف إلى الضغط على القيادة المصرية لقبول وقف إطلاق النار.
استهداف الأفارقة
وتضمنت محاولات عزل القوميين الأفارقة أحيانًا التحريض على التوتر العنصري. ففي أوائل عام 1963، صاغت الشبكة بيانًا من الاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي، وهو منظمة جبهة سوفيتية، ندد فيه بالأفارقة باعتبارهم غير متحضرين و "بدائيين" وضعفاء أخلاقياً. وحظي التزوير بتغطية صحفية في جميع أنحاء القارة، وكان رد فعل العديد من الصحف مفرطًا.
وأبرز تزوير مماثل في عام 1966 "التخلف" و "عدم النضج السياسي" لأفريقيا. وألقى بيان آخر، يُزعم أنه صادر عن نوفوستي الروسية، باللوم على النتائج الأكاديمية الضعيفة في جامعة دولية في موسكو على جودة الطلاب الأفارقة السود المسجلين هناك. وأرسلت الشبكة أكثر من 1000 نسخة إلى العناوين في جميع أنحاء العالم النامي.
وعلى الرغم من إغلاق الشبكة في عام 1977، إلا أن الباحثين يجدون الآن دليلًا على أن جهودًا مماثلة استمرت لعقد آخر تقريبًا.