«الإخوان» يتاجرون بحملات المقاطعة.. وخبراء يقيمون جدواها
مع تفاقم الأوضاع في غزة، بعد هجوم حماس الشهر الماضي، وما تلاه من قصف إسرائيلي لم تهدأ وتيرته طيلة الـ48 يومًا الماضية، حركت مشاهد الدمار، وقصص الضحايا «المؤلمة»، العاطفة لدى متابعي الأحداث.
تلك العاطفة ولدت غضبًا، تُرجم في حملات شعبوية اجتاحت مواقع التواصل، لمقاطعة منتجات بلدان، قال مغردون إنها لدول تدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة.
حملات تفاوتت وتيرة التفاعل معها من بلد لآخر، إلا أنها اشتركت جميعها في أنها لم تأخذ طابعًا رسميًا، ولم ترعها حكومات البلدان التي انفجرت فيها، مما جعل أطرافًا أخرى تحاول استغلال تلك الحملات لأهداف أخرى، غير تلك التي دشنت من أجلها.
فبينما دعت تلك الحملات «العفوية»، مختلفة المنشأ، إلى مقاطعة منتجات بلدان قالوا إنها داعمة لإسرائيل، كانت أطراف تقف في الجهة المقابلة على رأسها تنظيم الإخوان، محاولة تسييسها، واتخاذ العاطفة التي تحركها مدخلا لشارع لفظها سياسيًا ومعنويًا، ومسحها من تاريخه.
والمقاطعة وسيلة احتجاج عبر الامتناع الاختياري المتعمد عن استخدام أو شراء أو التعامل مع شخص أو منظمة أو بلد، لإلحاق بعض الخسائر الاقتصادية بالشخص أو المنظمة المستهدفة لإجبارهم على تغيير سلوك مرفوض.
فهل لتلك الحملات تأثير على حرب غزة حقًا؟
اقتصاديًا، يقول رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور رشاد عبده، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن الضرر الأكبر من حملات المقاطعة تلك ينصب على الجهات المحلية التي تمت مُقاطعتها، وليس الجهات الأجنبية، صاحبة العلامة التجارية.
وأوضح الدكتور رشاد عبده، أن دعوات المقاطعة الحالية «هي عشوائية غير معلومة المصدر، ولا تستهدف المنتجات الأجنبية، بل العلامات التجارية، حتى لو كانت تتعلق بشركات تنتج وتقدم خدماتها محليا».
وأكد ضرورة دراسة قرار المقاطعة مسبقا؛ «لأنها قد تُحدث تأثيرا عكسيا، من خلال إلحاق الضرر بالمستثمر الوطني الذي يحصل على العلامة التجارية (الفرانشايز) من الشركة الأم، وكذلك بالعمالة المحلية».
فكيف تكون دعوات المقاطعة مؤثرة؟
يستطرد الاقتصادي المصري، إنه يجب أن تنصب دعوات المقاطعة «على منتجات أجنبية مستوردة، حتى لا تتضرر الشركات التي تنتج محليا وتقدم منتجات محلية بعلامات تجارية أجنبية».
وأضاف في تصريح لـ«العين الإخبارية»، أنه لكي تكون المقاطعة فعالة، فإنه يجب مسح السوق من خلال مراكز متخصصة، وأن يصدر قرار المقاطعة تلك من جهة رسمية، لتحديد البدائل وعدم الإضرار بعجلة الاقتصاد.
وكانت عدة سلاسل تجارية في مصر ودول عربية، أصدرت بيانات نفت فيها صلتها بالفروع الرئيسية في الدول المتهمة شعبيًا بدعم إسرائيل، إلا أنه مع ذلك طالتها حملات المقاطعة.
روشتة نجاح المقاطعة
في السياق نفسه، أكد عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، الدكتور وليد جاب الله، أنه لإنجاح عملية المقاطعة يجب أن تكون محددة وواضحة، وتنظم من خلال إحدى جهات المجتمع المدني، لمراجعة البضائع والسلع التي ستكون على القائمة.
وأوضح جاب الله في تصريح لـ«العين الإخبارية»، أن الجهة الداعية للمقاطعة يجب أن تحدد توقيت العملية ونهايتها والمطالب المتعلقة بها، حتى لا تغلب عليها العشوائية.
من المستفيد من تلك الحملات؟
ومع ارتباط الفائدة الاقتصادية لتلك الحملات بشروط ينبغي توفرها لتكون مؤثرة بشكل فعال، والتي غابت عن الحملات الحالية، حاولت أطراف أخرى، اتخاذ من تلك الفعاليات، مدخلا لعودة نفوذها داخل الشارع العربي الذي لفظها في مصر وليبيا وتونس وبلدان أخرى.
أبرز تلك الأطراف كان تنظيم الإخوان الذي لم يترك مدخلا للعودة مجددًا للشارع إلا وسلكه؛ أملا في الهروب من «المقصلة المحتومة»، والتي قد تطيح به، بعد أن هرم ببلوغه المائة عام إلا قليلا.
وعن ذلك، يقول الباحث في الإسلام السياسي عمرو عبد المنعم، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن المقاطعة بصورتها الحالية التي يتم الترويج لها في مواقع التواصل الاجتماعي، «مضرة للغاية للاقتصاد المحلي، وليس لها قيمة تذكر في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنها لا تقدم للقضية الفلسطينية أي دعم».
فـ«الفلسطينيون في حاجة شديدة إلى مناصرتهم سياسيًا، عبر موقف عربي موحد يمنع تصفية القضية، وشعبيًا عبر تقديم المساعدات التي هم بحاجة إليها»، يقول الباحث في الإسلام السياسي، الذي أشار إلى أنه «حتى لو ظل المصريون والعرب والمسلمون يقاطعون شركات المياه الغازية، فلن يحرروا شبرا واحدا من فلسطين».
دور مشبوه للإخوان
و«بينما كان التعاطف الشعبي الجارف لفلسطين هو السبب في حملة المقاطعة، إلا أن الموقف الهستيري لهؤلاء الذين يتاجرون المقاطعة يؤكد أن ثمة أهداف مشبوهة وراءها»، بحسب الباحث في الإسلام السياسي، الذي قال إنه «حصل على معلومات تشير إلى أن قنوات وصفحات الإخوان وأتباعها والمقربين منها، هم من يحركون تلك الحملات، ما يعني أن الغرض منها مفاقمة أزمات الاقتصاد».
وطالب الباحث في الإسلام السياسي بضرورة أن يكون هناك وعي حول تأثير تلك الحملات، حتى «لا نكون كالدبة التي قتلت صاحبها؛ فعاطفة بدون وعي يمكن أن تسبب كارثة».
وتابع: «في القوائم التي تعرض على صفحات التواصل سنجد أن أبرز المنتجات التي دعت إليها مواقع التواصل الاجتماعي كانت المطاعم والمقاهي والسلع الغذائية والمشروبات الغازية وغيرها، ما يعني أن بعض تلك الشركات محلية، وأن إدراجها جاء إما لمعاقبتها لأغراض سياسية أو اقتصادية من منافسين».
فلماذا يحاول الإخوان إذن الترويج لتلك الحملات؟
يقول الباحث في الإسلام السياسي طارق البشبيشي، إن حملات المقاطعة «يقف وراءها عناصر الإخوان» المصنفة إرهابيًا في مصر، عازيًا السبب إلى محاولة تلك الجماعة «الانتقام من الدولة المصرية والشعب المصري الذين لفظوهم في ثورة شعبية اقتلعتها من جذورها في يونيو/حزيران 2013».
حصان طروادة
وأوضح أن حملات المقاطعة «كلمة حق يراد بها باطل، ففيما ترفع شعار نصرة فلسطين، إلا أن هدفها هدم الاقتصاد»، مشيرًا إلى أن جماعة الإخوان «تستخدم المقاطعة كحصان طروادة، لغزو صفحات التواصل والسيطرة على الرأي العام وتوجيهه».
وردا على سؤال حول كيفية استغلال الإخوان للمقاطعة، قال البشبيشي:«تحاول الجماعة من خلال تلك الحملات، توجيه الرأي العام لتبني قضية ستستخدمها فيما بعد لغسل أيديها من كل جرائمها».
وفي أبرز مثال على «استغلال» الإخوان سابقًا لحملات المقاطعة لتحقيق مصالحها الشخصية، وافق مكتب الإرشاد والأمانة العامة لجماعة الإخوان والتي كان يسيطر عليها خيرت الشاطر، على تنفيذ حملات مشابهة، في العام 2001، حاول من خلالها اللعب على عاطفة البسطاء لتنفيذ حملات مقاطعة واسعة، شملت -آنذاك- شركات وطنية.
وبحسب مراقبين، فإن هدف الإخوان من حملات المقاطعة -آنذاك- «معاقبة تلك الشركات الوطنية، بل وإسقاطها وهز مكانتها في سوق المال»، مشيرين إلى أن حملته آتت أكلها آنذاك، «فتمكن من شراء بعض تلك الشركات بثمن بخس، بعد أن أزاحها من أي منافسة».
هل معنى ذلك أن الشارع العربي أو المصري لم يعرف المقاطعة؟
وعرفت المنطقة المقاطعة على نطاق ضيق ضد التجارة اليهودية عام 1922 قبل إعلان دولة إسرائيل؛ وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 1945، أعلن مجلس جامعة الدول العربية مقاطعة رسمية للبضائع اليهودية، معتبرًا إياها غير مرغوب فيها داخل الدول العربية.
وطالب المجلس -آنذاك- كافة المؤسسات والمنظمات والتجار والأفراد العرب برفض التعامل مع البضائع اليهودية أو توزيعها أو استهلاكها، لدعم الفلسطينيين.
وفي عام 2000 وبالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، انطلقت دعوات شعبية لمقاطعة منتجات الشركات الكبرى الداعمة لإسرائيل.
وبعدها بخمسة أعوام، وتحديدًا في عام 2005، أطلق ممثلون عن المجتمع المدني الفلسطيني نداءً لشعوب العالم لمقاطعة إسرائيل والشركات الداعمة لها، بالإضافة إلى حملات لسحب الاستثمارات والضغط على المستثمرين والمتعاقدين مع الشركات الإسرائيلية والدولية المتعاملة معها؛ إلا أن هذه الدعوات كانت مؤقتة ولم تحقق النجاح المنشود.
aXA6IDMuMTYuNjkuMjQzIA== جزيرة ام اند امز