إخوان مصر.. زلزال في لندن وهزات ارتدادية بإسطنبول
بوفاة إبراهيم منير، أحد قطبي الصراع في جماعة الإخوان، رصد مراقبون نشاطا زلزاليا في الجبهة الأوروبية، لكنه لم يضف في المقابل مكاسب لدى جماعة إسطنبول.
وقبل نحو عامين بدأت التصدعات تظهر على جسد جماعة الإخوان بعد سنوات من الهزات العميقة، مخلفة جبهتين متصارعتين واحدة في إسطنبول بقيادة الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين، والأخرى في لندن بقيادة إبراهيم منير القيادي التاريخي الراحل الذي شغل حينها منصب نائب المرشد القائم بأعماله.
وبوفاة منير، الذي كانت مجموعة حسين قد عزلته من منصبه في قرار أثار انقساما حادا داخل صفوف الإخوان ووضع علامات استفهام حول مستقبل الجماعة، قفز حسين ليحتل مكانه دون نيل اعتراف شرعي من إخوان لندن.
لكن إخوان منير وقبل تشييعه إلى مثواه الأخير حتى، ضربتهم موجة خلافات جديدة بشأن مَن يخلفه، ليتصدر اسم القيادي حلمي الجزار وهو أحد رموز التنظيم المصري والأكثر دراية بأوضاع إخوان الداخل.
وإلى جانب الجزار، ظهر اسمان آخران هما محمد البحيري القيادي في التنظيم الدولي ومسؤول أفريقيا، وهو من الجيل القطبي (نسبة إلى سيد قطب المفكر الإخواني الأبرز التي ألهمت أعماله غالبية التنظيمات الإرهابية اللاحقة) بثقله التاريخي في صفوف الجماعة، وأيضا صلاح عبدالحق القيادة التاريخية القطبية.
لكن البحيري مثله مثل منير يثير مخاوف إخوان مصر، بسبب عمله لسنوات في الخارج ضمن أطر التنظيم الدولي، وهو ما يعني أن الجماعة الأم في مصر ستتراجع لتصبح قطرا من أقطار الإخوان.
وتاريخيا كان مرشد الجماعة مصريا منخرطا في التنظيم المحلي، ويرأس بحكم منصبه التنظيم الدولي، فيما قيادات الإخوان في الدول الأخرى يطلق عليهم تنظيميا اسم "مراقب".
وبالنظر إلى التراجع الكبير في ثقل إخوان مصر وبروز قادة التنظيم الدولي على حسابهم، يحاول جيل السبعينيات في الجماعة التشبث بالترتيبات التاريخية فيما قطار الزمن يطيح بتشكيلات الجماعة في العالم العربي كله.
ورغم أن المخاوف من البحيري تصب في مصلحة عبدالحق إلا أن البعض رأى أنه يفتقر للمهارات الإدارية، ما يشكك في أهليته لتولي المهمة في ظرف دقيق من تاريخ الجماعة.
وعلى مدار العقود الأربعة الماضية كان عبدالحق منغمسا في شرح رسائل المؤسس حسن البنا وغير مدرك لطبيعة الخلافات بين مكونات الإخوان التنظيمية، ولن يكون قادرا على حسم الخلافات العميقة بين صفوف الجبهة الواحدة، والأخطر أنه ممن يسهل السيطرة عليه وتوجيهه بحسب المراقبين.
ومع استشعار مجموعة من شباب الإخوان للمخاطر المحدقة بالجماعة أرسلوا بخطاب مفتوح إلى عبدالحق ينصحونه بحسن اختيار معاونيه واستكمال القواعد التنظيمية للجماعة وإصدار لائحة جديدة، وهي خطوة تعكس قدر القلق لدى الكادر الإخواني.
انشقاق في انشقاق
وحول هذه الرسائل ودلالتها رأى عمرو عبدالمنعم، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أنها تشير إلى أمرين، الأول أن الجبهة اقتربت من تسمية عبدالحق مرشدا لها، أما الثاني فيشير إلى أن جبهة منير تقف على أعتاب انشقاق داخلي جديد.
ويقول عبدالمنعم، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن "المشكلة الحقيقية داخل جماعة الإخوان أنها تنظيم مغلق، والانشقاقات آفة التنظيمات السرية المغلقة، وما قام به هؤلاء الشباب يشير إلى أن التصدعات التي أصابت الجماعة بدأت تظهر على جسم التنظيم بشكل يهدد بنيانه".
ويوضح الباحث أنه بعد وفاة منير كان الاتجاه يسير نحو اختيار حلمي الجزار، وسط منافسة محدودة من قبل محمد البحيري، الرجل القوي في التنظيم الدولي، ولم يكن صلاح عبدالحق مطروحا على الإطلاق، وأن من أعاده للواجهة كان القيادي محي الدين الزايط نائب منير ومسير الأعمال المؤقت للجبهة، من أجل وقف النزاع داخل الجبهة باعتبار عبدالحق اختيارا توافقيا.
ويضيف "بالنظر لتركيبة مجموعة لندن تكتشف أن الشباب هم المكون الأكبر ولهم متطلبات حاول منير أن يستجيب لها لاستمالتهم في صراعه ضد حسين، وقد نجح بشكل إلى حد ما في ضم العديد منهم، لكن وجود هؤلاء الشباب أصبحوا عامل ضغط على القيادة التاريخية التي تريد مرشدا بمواصفات تقليدية".
انسداد قنوات الاتصال
من جانبه يرى منير أديب، الكاتب والباحث في الإرهاب الدولي، أن الخلاف داخل الجبهة الواحدة قديم، لكن ظهور تلك الرسائل تعني أن قنوات التواصل بين أعضاء الجبهة مسدودة، وأن ثمة انفجارا داخل الجبهة قد يحدث قريبا.
وأوضح، في حديثه مع "العين الإخبارية"، أن الخلاف داخل جبهة موجود حتى قبل وفاة منير بفترة طويلة، وهو حلقة من صراع الأجيال داخل الجماعة، وهذا الصراع مسؤولية القيادات التاريخية والتي سترى بنفسها حجم الإخفاقات التي سوف تصيب الجماعة جراء هذا الصراع".
ويرى أديب أن الخلاف الراهن يتعلق برغبة شباب الجماعة في تنحي القيادات التاريخية، وتولي القيادات الشابة مهمة ترميم الجماعة، وهذا المقصود جيل السبعينيات مقابل القيادات التاريخية القطبية، فحلمي الحزار تجاوز الستين وأسامة سليمان اقترب من الستين، بينما صلاح عبدالحق تجاوز الثمانين من العمر".
هذا الاختلاف في العمر ينعكس على رؤية الشباب للشكل التنظيمي للجماعة، ولعلاقة الجماعة بالأفرع التابعة لها، كما أنه مرشح للتفاقم أكثر فأكثر.
كما يشير إلى أن إرجاء إعلان عبدالحق مرشدا يعود لصعوبة الترتيبات الرسمية لإقامته بتركيا، كما يعود أيضا للتفاعلات الداخلية بالجبهة نفسها، وربما ينتظرون الإذن من أنقرة لحساسية إعلان اسم المرشد الجديد من على أراضيها، وفي كل الأحوال ستختار جبهة "لندن" وقتا مناسبا ليكون له صدى قوي ومؤثر على جبهة حسين.
وفي هذا الإطار يرى المراقبون أن الخلاف في جبهة لندن لا يصب في مصلحة مجموعة حسين، وإنما يفقد شباب الجماعة في الداخل الأمل في إصلاح قريب في مؤسسات الجماعة.
"وصية" منير
من جانبه، يرى هشام النجار، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة، أن جبهة لندن حسمت أمرها وستعلن صلاح عبدالحق مرشدا لها، كما ستشهد خلافات جديدة، لأن عبدالحق جاء عبر وصية وليس عبر الانتخاب.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" أوضح النجار "أن تسمية عبدالحق تمت عندما فتحت وصية إبراهيم منير بحضور قيادات جبهة لندن، وبهذه الخطوة أراد منير أن يعزز جبهته بعد وفاته ويمنع خلافات وصراعات كبيرة بين الزايط والبحيري والجزار، ومن المتوقع أن تمضي هذه الجبهة في اتجاه الإعلان عن قيادتها الجديدة لإظهار بعض التماسك".
لكن بحسب النجار ربما تؤدي خطوة منير هذه إلى التشكيك في أهليته وشرعيته، كونه لم يأت عبر صناديق الاقتراع، وهو ما قد يستغله بعض القيادات النافذة للتأثير عليه والضغط لانتزاع صلاحيات أكبر في إدارة الجماعة خاصة في الجانب المالي.
aXA6IDE4LjExNy4xMDUuMjMwIA==
جزيرة ام اند امز