بدأت بعنصرين.. كيف تكونت شبكة إرهاب "الإخوان" في الغرب؟
التنظيم الإرهابي بدأ نشاطه بشبكات بدائية وصغيرة اتخذت من المساجد والمنظمات الصغيرة مستقرا لها لكن ما لبثت أن توسعت.
كعادته وفي سرية، غرس تنظيم الإخوان الإرهابي أذرع شبكته الأخطبوطية في الدول الغربية، على مدار 60 عاماً، عبر تمويل ظاهره التبرعات وباطنه الأموال القطرية والتركية.
بدأ التنظيم الإرهابي نشاطه بشبكات بدائية وصغيرة، اتخذت من المساجد والمنظمات الصغيرة مستقراً لها، لكن ما لبثت أن توسعت وباتت أذرع رئيسية تتفرع عنها روابط وملتقيات ومنظمات أصغر.
بشبكة مشبوهة كبيرة تدير مصالح التنظيم الإرهابي، انتقل "الإخوان" من مجرد مجموعة منظمات متفرقة لا يتعدى أعضاؤها أصابع اليد الواحدة إلى شبكة إرهابية عابرة للقارات.
الظهور الأول للإخوان في الغرب
يعود أول ظهور لتنظيم الإخوان الإرهابي في الدول الغربية إلى أواخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، حين هربت مجموعة صغيرة ومتشددة من قيادات التنظيم، أبرزها يوسف ندا وسعيد رمضان، من الشرق الأوسط، للاستقرار في مدن أوروبا وأمريكا الشمالية.
وكشفت دراسة "الإخوان المسلمون في النمسا"، التي أعدها لورينزو فيدينو مدير مركز التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية بمشاركة جامعة فيينا النمساوية وهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في النمسا، تفاصيل تلك المجموعة.
وكان معظم هذه العناصر الهاربة من الطلاب الذين استقروا في مدن أوروبا للدراسة بجامعاتها، فضلا عن بعض القيادات والمتطرفين المدربين ذوي الخبرة.
ومن النمسا، وتحديداً في ستينيات القرن الماضي، دشن الإخوان وجودهم في أوروبا، عندما وصل يوسف ندا، والقيادي الآخر في الجماعة أحمد القاضي، إلى البلد الأوروبي، قبل أن ينتقل الأخير للولايات المتحدة ويؤسس شبكة الجماعة هناك.
وبالتزامن مع ذلك، بسط سعيد رمضان بدعم من المخابرات المركزية الأمريكية نفوذ الإخوان على لجنة بناء مسجد مدينة ميونخ جنوبي ألمانيا، على حساب الطلاب والعسكريين المنحدرين من دول إسلامية تابعة للاتحاد السوفيتي.
وروى كتاب "مسجد في ميونخ.. النازيون ووكالة المخابرات المركزية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب"، للكاتب إيان جونسون، الحائز جائزة بويلتزر، تفاصيل قصة هذا المسجد.
وفي هذه المرحلة التي يمكن تسميتها مرحلة التأسيس، استغل تنظيم الإخوان عدم وجود مساجد أو منظمات للمسلمين في المدن الأوروبية، وبدأ في غرس وجوده المشبوه عن طريق إنشاء أماكن صغيرة للصلاة والاجتماعات، وفق دراسة "الإخوان في النمسا".
لورينزو قال في تصريحات لـ "العين الإخبارية" عبر الهاتف من واشنطن: "في بدايات وجودها بأوروبا، استغلت قيادات الإخوان، حرية الصحافة والتعبير بدول القارة، لنشر فكرتهم المعادية للديمقراطية، عن طريق المجلات وتنظيم الندوات، وغيرها من الأنشطة".
وتابع مدير مركز التطرف في جامعة جورج واشنطن: "مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، انتهت المرحلة الأولى، وبدأت مرحلة تأسيس ذراع طولي للجماعة تتمثل في منظمة كبيرة، في كل دولة".
وعلى مدار 20 عاماً، أسس تنظيم الإخوان الإرهابي أذرع رئيسية لها في غالبية الدول الأوروبية؛ أبرزها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (تأسس ١٩٨٣)، ومنظمة المجتمع الإسلامي في ألمانيا (١٩٨٢)، والرابطة الإسلامية في بريطانيا (1997)، ورابطة الثقافات الإسلامية في بلجيكا (1997)، والرابطة الإسلامية في السويد "1980"، فضلا عن الشبكة الأكبر في أوروبا المتمثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا المؤسسة عام 1989.
وفي هذه المرحلة، حاول الإخوان تقديم أنفسهم كحلقة وسط بين الحكومات والمجتمعات الإسلامية في الدول الأوروبية، وبسط النفوذ على المسلمين فيها، وفق فيدينو.
تقارير استخباراتية تؤكد خطر الإخوان
ومع تزايد نفوذ التنظيم الإرهابي، بدأت وكالات المخابرات الأوروبية دراسة وتقييم جماعة "الإخوان" الإرهابية وأدوارها ونفوذها.
بدورها، أكدت دراسة "الإخوان في النمسا"، في معرض تقيمها لخطر التنظيم وأعضائه، أن "هناك إجماعاً بين وكالات المخابرات الأوروبية على التأثير السلبي لأنشطة الإخوان".
وتابعت الدراسة: "بعض هذه الوكالات تملك تفويضاً واسعاً يمكنها من رقابة ليس فقط التهديدات المباشرة للأمن القومي، ولكن أيضا التنظيمات المهددة للنظام الديمقراطي، وهذا مكنها من دراسة ملفات الإخوان بشكل مكثف، وتشكيل رأي بشأنها يشكك في نواياها ويعد تأثيرها سلبيا في المجتمعات".
ويتعمد تنظيم الإخوان الإرهابي إبقاء سجلات أعضائه سرياً حتى لا يتم تحديدهم من قبل السلطات؛ إذ يسعى التنظيم إلى تأسيس نظام سياسي شمولي لا يضمن سيادة الشعب ولا مبادئ الحرية والمساواة، وهذا لا يتماشى مع القواعد القانونية والاجتماعية في جمهورية النمسا، بحسب ما نقلته الدراسة عن تقرير للمخابرات النمساوية عن الإخوان.
ووفق وثيقة تقييم لفرع هيئة حماية الدستور في ولاية ساكسونيا السفلى الألمانية، الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فإن "الهدف الأساسي للإخوان هو السيطرة على المجتمع الإسلامي في ألمانيا، وفرض أيدلوجية التنظيم على المسلمين الذين يعيشون في البلاد".
ونبهت الاستخبارات الألمانية الداخلية بـ"ساكسونيا" إلى أن "عناصر الإخوان في ألمانيا نادرا ما يظهرون في المناسبات العامة ويعملون بسرية، فيما تعمل المنظمات التابعة لهم على التحريض السياسي".
وبكلمات واضحة، قالت الوثيقة إن الإخوان في سعيها للإطاحة بالحكومات واستبدالها بحكم ثيوقراطي، تتبع أساليب منها الاختراق الثقافي للمجتمعات، وإذا اقتضى الأمر العنف، مضيفة: "الإخوان الذين يعيشون في ألمانيا يعرضون المصالح الخارجية للبلاد للخطر".
وتزايد عناصر الإخوان في ألمانيا من عددٍ محدود من الأشخاص في ستينيات القرن الماضي إلى 1600 عضو حاليا ينشطون في عدة منظمات ومجموعات في ولايات البلاد الستة عشر.
الوثيقة ذاتها ذكرت أن حركة حماس ذراع الإخوان في غزة، تملك منظمة فرعية في ألمانيا تضم عدداً قليلا من الأفراد يوجد بعضهم في ساكسونيا السفلى، كما يوجد في الولاية نفسها رابطة تابعة لفرع الإخوان بتونس (حركة النهضة).
وخلصت الوثيقة إلى أن المنظمات التابعة للإخوان في ألمانيا ترتبط مع بعضها ومع المنظمات المماثلة في باقي الدول الغربية، بشبكة مترابطة دوليا، مؤكدة اعتماد التنظيم في تمويل أنشطته على مساهمات أعضائها بجزء من دخولهم، وتبرعات قادتها الأغنياء، فضلا عن تمويلات دولية.
خطورة أكبر من داعش والقاعدة
في تقييم ثانٍ لفرع هيئة حماية الدستور بولاية شمال الراين ويستفاليا، الواقعة غرب ألمانيا، واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، تبين أن منظمة المجتمع الإسلامي، إحدى أبرز منظمات الإخوان في هذا البلد الأوروبي.
وتتخذ تلك المنظمة من مدينة كولونيا، عاصمة الولاية، مقراً لها؛ إذ تعمل كمركز رئيسي لشبكة الإخوان في ألمانيا، ويعمل هذا التنظيم الإرهابي على تأسيس نظام سياسي واجتماعي ثيوقراطي في ألمانيا، كما ينتهك ويعادي النظام والقيم الديمقراطية.
وحل تنظيم الإخوان الإرهابي على قائمة "أعداء الديمقراطية" في ألمانيا، ليسبق بذلك تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين في هذا التصنيف، وفقاً لتقييم آخر لفرع هيئة حماية الدستور في ولاية براندنبورج، شرقي البلاد.
وخلال العقدين الأخيرين، بدأت المعلومات تتكشف عن طبيعة منظمات الإخوان وأهدافها وتمويلها، والخطر المرتبط بها على أمن وتماسك المجتمعات الأوروبية، حسب لورينزو فيدينو.
ونتيجة لذلك، ارتفع مستوى الوعي الشعبي والسياسي بخطر الجماعة، وتوارت النظرة العامة السطحية لها كمنظمات أهلية تعمل كحلقة وصل بين الأقليات الإسلامية والحكومات.
بدورها، قالت سوزان شروتر، مديرة مركز فرانكفورت العالمي لبحوث الإسلام (غير حكومي)، في تصريحات لـ"العين" الإخبارية، إن الإخوان ليست منظمة مركزية، لكنها شبكة دولية واسعة من الأفراد والمنظمات المستقلة الممولة بشكل جيد، حيث تنكر في العلن علاقتها بالجماعة، لكنها في الواقع جزء من الشبكة.
وتابعت: "في ألمانيا، تعمل منظمتا المجتمع الإسلامي والشباب الإسلامي وعدد كبير من المنظمات الصغيرة والمساجد تحت لواء هذه الشبكة، فضلا عن لجنة الفتوى التابعة أيضا للجماعة"، وهو الأمر الذي يتكرر في معظم الدول الأوروبية.
شبكة مشبوهة تخدم مصالح أردوغان
لكن الأمر لم يتوقف عن حد شبكة الإخوان، التي تنسق أنشطتها المشبوهة وتدير أعمالها وأموالها في الدول الأوروبية، وتدير أنشطتها المشبوهة في الدول العربية انطلاقا من مدن القارة الأوروبية، حيث توسعت الشبكة قبل 10 سنوات، بانضمام الجمعيات الإسلامية والثقافية التركية، مثل ايتيب في النمسا وديتيب في ألمانيا، ليعمل الجميع تحت أمرة نظام رجب طيب أردوغان، حسب لورينزو فيدينو.
استنتاج فيدينو كان جليا في الأيام الأولى من يناير/كانون الثاني الماضي، وبالتحديد في الفترة بين الثاني والرابع من هذا الشهر، حين التقى ممثلو حركة ديتيب الإسلامية الممولة من جانب نظام أردوغان مع عناصر نشطة للإخوان في المسجد الرئيسي للحركة بمدينة كولونيا غربي ألمانيا.
ووفق تقرير لشبكة "آر بي" الإعلامية الألمانية الخاصة، استند لمصادر أمنية رفيعة، فإن خالد حنفي، نائب رئيس لجنة الفتوى التابعة للجماعة في ألمانيا، والعنصر البارز بها أيضا حسين حلاوة، وأخيرا إبراهيم الزيات الذي يعد واحدا من أكبر قيادات التنظيم في ألمانيا وأوروبا، حضروا الاجتماع.
ونشرت ديتيب على موقعها، ورقة ختامية للاجتماع، ذكرت فيها أن 100 شخص يمثلون 17 دولة شاركوا في اللقاء الذي انتهى إلى تشكيل "مجلس تنسيقي" لضمان التواصل الفعال والسريع بين المسلمين في هذه الدول.
وعلقت سوزان شروتر على ذلك، قائلة إن العلاقة بين الإخوان وديتيب تقوم على "التحالف"، انطلاقا من أن أهداف ومصادر تمويل واحدة.
فيدينو بدوره قال: "بالتأكيد، هناك تحالف بين نظام رجب طيب أردوغان والإخوان والجماعات الإسلامية التركية لتحقيق مصالح أنقرة في القارة الأوروبية"، مضيفا: "الإخوان والجماعات التركية يعملان معا، وأهدافهم وأجندتهم واحدة، ومصادر تمويلهم أيضا واحدة".
وتابع: "هذا التحالف ليس جديدا، فهو موجود على الأرض منذ 10 أعوام، لكنه بات بارزا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة"، لافتا إلى أن الشبكة الحالية التي تضم الإخوان والجماعات التركية، تتلقى تمويلا تركيا وقطريا.
بل إن الباحث النمساوي والأستاذ في جامعة فيينا المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية، روديجر لولكر، ذهب أبعد من ذلك، وقال لـ"العين الإخبارية" إن الشبكة الحالية أوسع بكثير، وتضم التنظيمات الإرهابية التي تقاتل على الأرض في سوريا.
وأوضح أن "هناك شبكة علاقات واضحة تمتد من أنقرة، حيث جعلت الحكومة التركية من سوريا ملاذا للعديد من التنظيمات الإرهابية، وكذلك في فيينا وغيرها من المدن الأوروبية، حيث تتواجد دوائر نفوذ الإخوان وبعض الخلايا النائمة للتنظيمات الإرهابية".
وتابع: "بكلمات واضحة، هذه الشبكة تضم تركيا والإخوان والتنظيمات الإرهابية القريبة من الجماعة أيدلوجيا، وتهدف لخدمة مصالح أنقرة في أوروبا ودول الشرق الأوسط على حد سواء".
aXA6IDMuMTQ0LjI1Mi4yMTAg جزيرة ام اند امز