كواليس تأسيس الخلايا الإرهابية لإخوان مصر.. اعترافات في «بودكاست»

تاريخ طويل من المراوغة، تحاول فيه جماعة الإخوان الإرهابية أن تنفض عن نفسها غبار ماضيها، لكن الاعترافات من قلب التنظيم لا تمنحها فرصة النسيان.
فما إن تحاول قيادات الجماعة يائسة رسم صورة مغايرة، تتبرأ فيها من العنف والإرهاب، حتى تخرج شهادات من داخلها، تدحض تلك الروايات وتكشف خفايا ما جرى ويجري من عسكرة التنظيم وشرعنة الدماء تحت غطاء ديني وتنظيمي محكم.
فخلال الفترة الأخيرة، عادت إلى الواجهة حركة "سواعد مصر"، المعروفة بـ"حسم"، إحدى الحركات الإخوانية المسلحة المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول، وتزامن مع ظهورها نشر قادة بالإخوان لشهاداتهم بشأن إعادة تدشين الذراع المسلحة للجماعة التي سُميت تاريخيا "التنظيم الخاص" أو الجهاز السري للإخوان.
ولا تعد الشهادات الأخيرة التي أدلى بها قادة جماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب، استثنائية بل سبقتها شهادات من قادة كبار بالجماعة تكشف عن كواليس شرعنة الجماعة لمسار العنف والدماء، ومن بين أبرز هذه الشهادات ما ذكره محمد رفيق مناع الشهير بمحمد منتصر، المتحدث باسم الإخوان سابقًا، في بودكاست له مع يحيى موسى، المدان في مصر بقيادة حركة "حسم" والإشراف على عدد من العمليات الإرهابية الكبرى، التي أقر فيها بأن تبني الإخوان للعمل المسلح صدر بتوافق من قيادتها العليا، وهو ما يدحض الروايات التي يحاول قادة الإخوان في جبهة إسطنبول (محمود حسين) تسويقها في الفترة الأخيرة والتي تزعم أن الإخوان تعمل عمل سياسي ولم تمارس الإرهاب المسلح.
وتضاف هذه الشهادة التي أطلقها محمد منتصر وهو في كامل حريته إلى شهادة أخرى مماثلة ذكرها مجدي شلش مسؤول اللجنة الشرعية للإخوان وأحد من شرعنوا العمليات الإرهابية، منذ 2013، في لقاء سابق له بقناة "مكملين" التابعة لجماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب، وأكد فيها أن قرار عسكرة الجماعة وتحولها بشكل راديكالي إلى العمل المسلح جاء بتوافق كامل من قيادة الإخوان وتحت إشراف القائم بأعمال مرشد الإخوان، وقتها، محمود عزت والذي أُلقي القبض عليه في أغسطس/آب 2020.
سرايا وتشكيلات مسلحة.. العودة من حيث بدأت الجماعة
وما ذكره منتصر وشلش يضاف إلى شهادات أخرى ومعلومات تكشف عن المسار الذي سلكته الجماعة للعنف وكيفية شرعنته وتبريره لأعضاء الجماعة من أجل استباحة دماء مخالفيها ممن رفضوا استمرار حكم الإخوان لمصر بعدما فشلت تجربتهم فشلا ذريعا بعد عام واحد في السلطة.
وأشار المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان محمد منتصر إلى أن الجماعة بدأت قبل الإطاحة بها من السلطة في يونيو/ حزيران 2013 في تأسيس سرايا وخلايا للعمل المسلح تحت مسمى مجموعات حماية المقرات الإخوانية، مضيفًا أن الجماعة لم تُرد أن تتولى قوات الشرطة المصرية هذه المهمة لأنها ترفض وجود الشرطة حول مقراتها.
ووفقًا لشهادة قيادي سابق مقرب من الإخوان أطلع على تفاصيل تأسيس هذه المجموعات، رفض نشر اسمه لاعتبارات خاصة، فإن جماعة الإخوان حاولت إنشاء تشكيلات شبيهة بالحرس الثوري الإيراني في 2013 لتكون بمثابة جهاز أمني وذراع عسكرية موازية لقوات إنفاذ القانون المصرية، وفي هذا الإطار أنشأت معسكرات تدريبية كان من بينها معسكر في منطقة "كينج ماريوت" بالإسكندرية.
وذكر القيادي السابق أنه اتصل، حينها، بالقيادي الإخواني أحمد مطر وأخبره أن ما يفعلونه خطأ فادح وأن تحركاتهم مرصودة من قبل أجهزة الأمن المصرية كما أن محاولة إنشاء تشكيلات مسلحة خارج سلطة الدولة خطر فضلا عن أن تجارب التنظيمات المسلحة الأخرى بما فيها جماعة الجهاد المصري والجماعة الإسلامية باءت بالفشل وكانت محصلتها خسائر كبيرة على كل المستويات، وطلب منه وقف هذه الأنشطة لكن الإخوان قررت أن تمضي في مسارها الخاص وقتها وأنشأت هذه التشكيلات التي تسلحت بأسلحة نارية وتشكلت هذه المجموعات من شباب وكوادر الإخوان في المحافظات وأوكلت لهم المهمات بناء على نطاقهم الجغرافي.
وعقب الإطاحة بالجماعة من الحكم في صيف العام 2013، اتخذت الجماعة قرار الصدام مع الدولة والشعب المصري ورفضت وساطات حل الأزمة بما في ذلك تلك التي توسط فيها قادة من الإخوان أبرزهم أحمد فهمي، القيادي بالإخوان ورئيس مجلس الشورى المصري المنحل في 2013 وصهر الرئيس الإخواني محمد مرسي (توفي في السجن عام 2019)، وأبلغت القيادة العليا للإخوان أصحاب هذه الوساطات ومنهم أحمد فهمي بأن قرار التصعيد والصدام اتخذه مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان بالكامل.
وفي هذه الأثناء، بدأ كوادر الإخوان يمارسون أعمال العنف كعمليات استهداف رجال الأمن، واستهداف المرافق الحكومية واستهداف المدنيين الرافضين لحكم الإخوان، دون أن تعلن الجماعة رسميا في هذه الفترة عن تبني هذه العمليات، وظهرت وقتها حركات مسلحة مثل حركة "مولوتوف"، وحركة "ولع"، وحركة "مجهولين" وكلها تشكيلات خرجت من رحم الإخوان.
ثم حدث أن تلقت الجماعة صدمة استراتيجية حين فضت أجهزة الأمن المصرية اعتصام رابعة وخسرت الجماعة التنسيق المركزي وقبض على أكثر من نصف أعضاء مكتب إرشاد الإخوان، وظلت الجماعة تعمل بما في ذلك خلايا العمل المسلح بشكل لا مركزي في المحافظات المختلفة إلى أن نجح 3 من أعضاء مكتب إرشاد الإخوان أبرزهم محمد كمال في إعادة تجميع شمل الجماعة وتجميع خطوط الاتصال بقيادتها المركزية مرة أخرى.
بين خطتين.. تأصيل العنف الإخواني
وبفعل جهود محمد كمال ورفاقه محمد سعد عليوة وعبد العظيم الشرقاوي، نجحت عملية إعادة الاتصال بين قطاعات الجماعة على مستوى الجمهورية، وعقد اجتماع سري لمجلس شورى الإخوان في فبراير/شباط 2014، جرى فيه مناقشة خطة عمل الجماعة في مواجهة الدولة المصرية، وكيفية عودة الإخوان للسلطة مرة أخرى، واختيار قيادة مركزية بديلة للإخوان بعد تعطيل مكتب الإرشاد بفعل الحملة التي شنتها أجهزة الأمن المصرية ضد الجماعة.
وقرر مجلس الشورى العام اختيار قيادة بديلة على رأسها محمد كمال، وتكليف محمد سعد عليوة بوضع خطة عمل من أجل عودة الجماعة إلى الحكم مرة أخرى، ورفع مجلس الشورى العام قراراته للقائم بأعمال المرشد محمود عزت من أجل بحثها باعتباره أكبر قيادة موجودة في الجماعة، ووافق محمود عزت على قرارات المجلس مشترطا ألا تتسمى القيادة البديلة باسم مكتب الإرشاد المؤقت أو البديل، ولذا جرى اختيار اسم "اللجنة الإدارية العليا".
وبدوره، عمل عضو مكتب الإرشاد محمد سعد عليوة مع لجنة الخطة بالإخوان على وضع خطة من أجل العودة للسلطة، وسميت الخطة بـ"خطة فبراير" وتضمنت تكثيف المظاهرات الإخوانية ومحاولة اقتحام ميدان التحرير والاعتصام به، لكن هذه الخطة لم تنل رضى اللجنة الإدارية العليا ولا مجلس شورى الإخوان، ولذا كلف محمد كمال لجنة الخطة بوضع خطة أخرى، وهي المعروفة بـ"خطة أغسطس" المسماة أيضا بـ"خطة الإنهاك والإرباك والحسم" والتي نصت صراحة على العمل المسلح وتكثيف الهجمات الإرهابية من أجل إسقاط الدولة وعودة الإخوان للحكم مرة أخرى.
وبالتزامن مع هذه الخطة، عكفت اللجنة الشرعية لإخوان وعلى رأسها مجدي شلش على إعداد دراسة تأصيلية للعنف من أجل شرعنته بتكليف من اللجنة الإدارية العليا الأولى، وظل أعضاء اللجنة الشرعية 6 أشهر متواصلة يعملون عليها وفي النهاية صدرت في صورة بحث معنون بـ"فقه المقاومة الشعبية للانقلاب" اعتبرت فيه أن كل معارضي الإخوان مستحقون للقتل لأنهم خرجوا على الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفي وقت لاحق صدر البيان المعنون بـ"نداء الكنانة" وهو بيان وقعه مجموعة من قادة الإخوان المصريين وغير المصريين حرضوا فيه على العنف، وهو نفس البيان الذي ألمح له محمد منتصر المتحدث السابق باسم الإخوان في البودكاست المذكور مع يحيى موسى.
وفي هذه الفترة تحديدا، اختارت اللجنة الإدارية العليا الأولى وعلى رأسها محمد كمال محمد رفيق مناع متحدثا باسم الإخوان، ولقبوه بمحمد منتصر في إشارة مقصودة إلى اعتقادهم أن الإخوان ستنتصر، بحسب مصدر إخواني مطلع.
ومن أجل اعتماد خطة العمل المسلح (الإنهاك والإرباك والحسم)، قامت اللجنة الإدارية العليا بعقد اجتماع سمي اجتماع مجلس المشورة- وفق ما ذكره محمد منتصر- حضره مسؤولو المكاتب الإخوانية في المحافظات، وحضر هذه الجلسة 81 وافق منهم 67 عضوا على قرار العمل المسلح، وبهذا أقرت الخطة فعليا وبدأت تظهر حركات إخوانية مسلحة أكثر تطورا مثل حركة العقاب الثوري وحركة المقاومة الشعبية ونفذت تلك الحركات عشرات الهجمات الإرهابية شملت عمليات تفجيرات واغتيالات لمدنيين وأفراد وضباط أمن.
وكان تصور الجماعة المنصوص عليه في خطة الإنهاك والإرباك والحسم أن كل مرحلة ستستمر لمدة 6 أشهر يتم خلالها تصعيد أعمال العنف تدريجيا من أجل إسقاط الدولة المصرية، وصولا لمرحلة الحسم التي ستستعين فيها الجماعة بمليشيات إخوانية من ليبيا أيضا وتطلق موجة هجمات في كل المحافظات من أجل العودة للحكم بالقوة، لكن أجهزة الأمن المصرية استطاعت تحييد التهديدات والقبض على كثير من كوادر العمل المسلح وقتل آخرين خلال اشتباكات معهم.
وحين أدرك محمود عزت أن الخطة التي رفعتها له اللجنة الإدارية العليا فشلت قرر بشكل مفاجئ، في مايو/أيار 2015، حل اللجنة وتشكيل لجنة ثانية برئاسة عضو مكتب الإرشاد محمد عبد الرحمن المرسي مع بقاء محمد كمال عضوا في اللجنة الجديدة، وهو ما مثل إقرارا ثانيا بأن أعلى رأس للجماعة خارج السجن لا يرفض العمل الإرهابي وإنما يرى أن وقته غير مناسب لأنه لم يحقق النتائج، وذلك تجسيدا لمبدأ العنف المؤجل الذي تقتنع به القيادات التاريخية للإخوان.
وبعد فترة وجيزة من تشكيل اللجنة الإدارية العليا الثانية، حدثت خلافات تنظيمية أدت إلى الانشقاق الكبير لمحمد كمال ومجموعته من داخل الإخوان وهو الانقسام الذي أدى لخروج ما عرفت بجبهة المكتب العام (الكماليون) المسماة حاليا بجماعة الإخوان- تيار التغيير والتي تمثلها الأمانة العامة لجماعة الإخوان وهي الجهة التنفيذية لهذه الجبهة، لكن هذا الخلاف التنظيمي لم يوقف العمل المسلح الذي استمر وخرجت في إطاره الحركات الإخوانية الأكثر تطورا من الناحية التنظيمية مثل حركة لواء الثورة، وحركة سواعد مصر "حسم"، التي عادت للواجهة مؤخرا ناشرة فيديو لتدريبات عسكرية لمقاتليها وتعهدت بشن هجمات إرهابية في مصر، وكذلك اشتبك 2 من كوادرها مع قوات تابعة لجهاز الأمن الوطني المصري لدى محاولة القبض عليهم في محافظة الجيزة قبل أيام.
خبير: الإخوان تعتنق الإرهاب عقيدة وتعتمده طريقا
من جانبه، قال صبرة القاسمي، المحامي الحقوقي والخبير في الحركات الإسلامية، إن "جماعة الإخوان تؤمن بالعنف والإرهاب طريقا وتعتبر أن الإرهاب فريضة والاغتيالات سنة كما تقول أدبيات الجماعة التي يتربى عليها عناصرها منذ بداية التحاقهم بها".
وأضاف "صبرة" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الجماعة بالفعل حاولت إنشاء حرس ثوري في 2013 ورصدت أجهزة الأمن المصرية هذه المحاولة واعترضت بشدة لدى الرئيس المعزول محمد مرسي، وهذه المجموعات مارست أعمال العنف والإرهاب سواء قبل الإطاحة بالإخوان من الحكم أو بعدها.
الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أوضح أن الفترة الحالية تشهد نشاطا لمجموعات إخوانية منها مجموعات الجوكر ومجموعات مرتبطة بحركة حسم الإرهابية فضلا عن مجموعات أخرى وهذه المجموعات تعمل بتوجيهات من دول إقليمية وتخطط لموجة إرهاب جديدة، مضيفا أن هناك جهودا أمنية مكثفة تقوم بها أجهزة الأمن المصرية لتحييد هذه المجموعات وإحباط مخططاتها وهذه الجهود لا يعلن عنها إلا بعد انتهاء العمليات على الأرض كما جرت العادة.
وعن اعتراف قادة الإخوان بتبني العمل المسلح، أشار صبرة القاسمي إلى أن الجماعة تفاخر طوال تاريخها بالعنف حتى إن أحد مرشديها السابقين وهو مأمون الهضيبي اعتبر أن أعمال التفجيرات والاغتيالات عبادة تتقرب بها الجماعة وهذا نتاج الأيديولوجيا المتشددة التي تؤمن بها جماعة الإخوان ولذا فليس مستغربا أن يعترف بذلك محمد منتصر أو يحيى موسى أو غيرهم لأنهم من قادة هذا الحراك المسلح الذي تراه الجماعة طريقا للوصول للحكم بعدما فشلت في العودة له بفعل ضغوط خارجية بعد عزل مرسي في 2013، مؤكدا أن هذه الجهود ستفشل لأن مصر ليست كغيرها كما أن لديها خبرة في تفكيك تنظيمات إرهابية أكثر تعقيدا من حسم وكل المجموعات الإخوانية المسلحة التي يعاد تنشيطها خلال الفترة الأخيرة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzkg
جزيرة ام اند امز