"إخوان" تونس.. صراعات داخلية ومسار تفكك
تصدع النهضة يتزامن مع حراك داخلي تعيش على وقعه الحركة منذ أشهر، لكن وتيرته احتدمت مع انتخاب رئيسها راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان
تعيش حركة النهضة الإخوانية في تونس، حاليا، على جمر ينذر بتفكك وشيك ينهي سنوات من التناحر الداخلي والغليان بين شقي الصقور المتشدد وما يعرف بالمعسكر المعتدل بالحركة.
- فشل إخوان تونس.. الغنوشي يسقط في اختباراته البرلمانية
- "سيرك" برلماني يعري فشل "إخوان تونس" في الإدارة
تصدع يتزامن مع حراك داخلي تعيش على وقعه الحركة منذ أشهر، لكن وتيرته احتدمت مع انتخاب رئيسها راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، علاوة على تفاقم التجاذبات والصراعات الناجمة عن تسابق جزء من القيادات الإخوانية من أجل ضمان تموقع لها في الهيئة التسييرية، التي ستحل محل الغنوشي في تسيير الحزب بالفترة الفاصلة إلى حين حلول موعد المؤتمر الـ11 للحركة.
وتأتي الحرب الداخلية أيضا عقب إعلان قيادات إخوانية أن الغنوشي قدم لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي قائمة اسمية بالشخصيات المقترحة لعضوية الحكومة المقبلة، ما جعل الغليان يتحول إلى احتقان ومنه إلى انفجار خلّف سحبا كثيفة تضع مستقبل الحركة في مرحلة ما بعد الغنوشي على المحك.
المحلل السياسي التونسي فريد العليبي قال معقبا عن الوضع داخل النهضة، إن «الصراعات ليست جديدة، ولكنها الآن أكثر حدة وهي في السلطة».
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الغنوشي متورط بقوة في هذه الصراعات، وله مجموعة من القيادات التي يحاول توريثها صلاحياته".
وتابع أن «هذه المساعي فجرت غضب الأجنحة الأخرى بالحركة، التي لا ترى في الغنوشي شخصا محايدا».
وأكد الخبير أن مضمون الصراع في ظاهره سياسي أي يخص قضايا التكتيك، ولكنه في جوهره يحتدم حول المال والسلطة، وبالتالي فإن الأجنحة تتطلع للحصول على تموقعات في الحكم على حساب بعضها، ما يجعل إمكانية انشقاق بعضها واردة ولكن بحذر، فلقد جرب سابقا هذا المسار كل من عبدالفتاح مورو ومحمد الجبالي، وكانت النتيجة مخيبة للآمال انتخابيا.
وخلص العليبي إلى أنه بناء على ما تقدم، "يجري التركيز على التخلص من الغنوشي من داخل النهضة أولا بالحد من سلطته والقول إنه لا يحق له الجمع بين رئاسة الحركة والبرلمان".
ولفت إلى أن استقالة الأمين العام السابق للحركة مؤخرا شكلت أبرز مؤشرات التناقضات الكبرى العاصفة ببيتها الداخلي، حيث أخرجت الاستقالة إلى العيان صراع الأجنحة داخلها.
كما أشار إلى أن الغنوشي تقدم بالعمر ببلوغه 72 عاما، وهذا ما يحد من قدرته على تسيير البرلمان، في خلاصة تجلت بشكل واضح في الأزمة الأخيرة التي عاش على وقعها مجلس نواب الشعب، في إشارة إلى اعتصام نفذته مؤخرا كتلة الحزب الحر الدستوري داخله، بسبب خلافات ومناوشات بين رئيستها عبير موسى، ونائبة حركة النهضة جميلة الكسيكسي.
وبحسب العليبي، فإن هناك "تيارا بصدد التنامي داخل النهضة يرغب في استبعاد الغنوشي من قيادة الحركة، وإفساح المجال لأسماء جديدة".
وما يزيد من خطورة الوضع الذي تعيشه النهضة، وفق الخبير، هو "تورطها في الحكم، وهذا ما سيدفع نحو انقسامها وتفككها على غرار ما جرى لمعظم حركات الإسلام السياسي التي مارست الحكم عربيا وإقليميا".
المؤتمر 11.. لب الصراع
في 2016، عدلت الحركة الإخوانية نظامها الداخلي لتحدد الفترات الرئاسية باثنتين، ما يعني أن الغنوشي يستعد لمغادرة رئاستها بانعقاد المؤتمر المقبل للحركة.
تعديل شكل في حد ذاته تمظهرا لحالة من الغليان الداخلي الذي تشهده الأجنحة المتناحرة بالحركة، التي باتت منذ فترة تنادي بضرورة تسليم قيادتها لشخصية جديدة وشابة تضخ فيها دماء التجديد، قبل أن ينفجر الوضع بشكل صارخ حين استبعد الغنوشي قيادات الصف الأول من معارضيه من القائمات الانتخابية للحركة.
واقعة شكلت منعطفا حاسما في مسار الحركة الإخوانية، حيث أسقط الغنوشي جميع الأسماء المعارضة له وعوضها بأخرى من المقربين منه والداعمين له، ما جعل المخاوف تتأكد بسعيه لتحضير ورثة من المحسوبين عليه لاستكمال سياسته ونهجه في قيادة الحركة، وهذا ما أدخل الصراع مرحلة صدامية وأخرجه إلى الملأ، وسط توقعات بحسمه خلال المؤتمر المقبل.
فمنذ ذلك الحين، احتدمت الحرب بين الشقين، وبات أي قرار يتخذه الغنوشي يحسب على أنه استهداف للشق المناوئ له، في صراع بات أكثر احتداما مع الاقتراب من موعد المؤتمر، وفي نزاع غدا أشبه ما يكون في شكل حرب مباشرة ضد رئيس الحركة الإخوانية، وفي انقلاب لافت للمفاهيم داخل تنظيم كان يعتبر الأخير رمزا غير قابل للانتقاد.
استقالات
وضربت الحركة مؤخرا استقالات عديدة، أبرزها إعلان أمينها العام زياد العذاري، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استقالته من منصبه، معربا عن "عدم ارتياحه للمسار الذي اتخذته البلاد منذ مدة، خصوصا لعدد من القرارات الكبرى للحزب في الفترة الأخيرة".
وأضاف العذاري، في بيان استقالته آنذاك، أنه "لم ينجح في إقناع مؤسسات الحزب في قضايا يراها مصيرية، وفي لحظة مفصلية بتفادي خيارات لا يراها جيدة للبلاد".
ولم يكن العذاري وحده من استقال مؤخرا من الحركة، ففي سبتمبر/ أيلول الماضي، قدم زبير الشهودي مدير مكتب رئيس النهضة السابق استقالته في رسالة نشرها عبر صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، وأثارت جدلا محليا واسعا حول الوضع الكارثي للحركة، والصدامات التي باتت تشكل هيكل بيتها الداخلي.