اعتبر الأمريكيون الإخوان أداة متقدمة ورأس حربة في الدول العربية وبعض من الآسيوية التي ينتشر فيها الإسلام لمجابهة الشيوعية.
مثير جداً شأن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين جماعات الإسلام السياسي لا سيما جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية كما هي بحكم القانون في مصر وعدد من الدول العربية والخليجية لا سيما الإمارات العربية المتحدة، ولا يزال السؤال المطروح على مائدة البحث هل هي علاقة اتفاق سادت وجاء وقت الافتراق، أم أن لها دوراً وربما أدواراً بعينها لم تنجزها لصالح العم سام وجماعته؟
لا جواب من دون حفر في الأعماق، وإن كان المسطح المتاح للكتابة يضيق عن السرد، غير أنها باختصار غير مخل، علاقة وظفتها واشنطن منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي عبر ما عرف بـ"لاهوت الاحتواء"، والذي وقف وراءه كل من جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور ، وأخيه مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية" آلان دالاس".
رويدا رويدا يتبين للأمريكيين أن خطر الإخوان يتنامى بعد أن أصبح تنظيمهم ينتشر كالمرض الخبيث في الجسم الإنساني بصورة رهيبة، فلم تعد المسألة مجرد تنظيمات عنقودية كما كان الحال في زمن القاعدة، أحد إفرازات الإخوان، بل بات التجنيد يتم عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
كانت رؤية لاهوت الاحتواء تهدف إلى محاصرة الاتحاد السوفيتي بشكل كامل ووقف المد الشيوعي حول العالم، ولهذا عمدوا إلى التفاعل مع عدد من المؤسسات ذات الصبغة الإسلامية لتكون الضد من الإلحاد.
جرى في مارس/أذار من عام 1954 أن التقى إيزنهاور مع كبار قادة الحركات الإسلامية حول العالم، وهذا ما يبينه الكاتب الأمريكي "روبرت دريفوس" في كتابه الشهر "لعبة الشيطان".
كان من بين الذين التقاهم الجد ايزنهاور شاب مصري في العشرينيات من عمره، "سعيد رمضان" صهر حسن البنا وزوج ابنته الصغرى، ووالد طارق البنا الداعية الإخواني الذي تم القبض عليه مؤخراً في فرنسا وسويسرا ووجهت له تهم الاغتصاب الجنسي.
اعتبر الأمريكيون الإخوان أداة متقدمة ورأس حربة في الدول العربية وبعض من الآسيوية التي ينتشر فيها الإسلام لمجابهة الشيوعية، بالضبط كما فعل هتلر مع مسلمي بعض الجمهوريات الآسيوية حين حاول تسخيرهم لمواجهة روسيا، ولاحقاً قدر لنا أن نعرف أن هتلر قد التقى "حسن البنا" مؤسس الإخوان، ونبه إلى أنه الرجل الأكثر خطورة من جراء الأيديولوجية الشرية التي تعتمل في رأسه، فيما كان على اتصال بأمين الحسيني في فلسطين، وجميعهم ربطتهم دائرة واحدة من التشدد والتطرف القاتل، والمزيد من المعلومات يجدها الباحث المهتم بشان الإخوان ومساراتهم لدى الكاتب الكندي "إين جونسون" في مؤلفه الشهير "مسجد في ميونيخ".
منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، اعتبرت العلاقات الأمريكية الإخوانية علاقات تحتية تتخذ تدابير السرية، غير أنه مع عام 1978 طفت على السطح من خلال دعم المجاهدين الأفغان، وقد أضحت أفغانستان منذ ذلك الوقت بوتقة انصهار لجميع الجماعات الأصولية المتشددة.
كانت ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين هي الحاضنة التي خرجت من تحت عباءتها جميع الثعابين التي لدغت العالم بالعمليات الإرهابية حتى اليوم، فمن رحم القاعدة التي ولدت في تورا بورا، نشأت داعش لاحقاً في العراق وسوريا، ومن هناك توجهت الخلايا السرية والنائمة إلى أوروبا والولايات المتحدة لإرهاب الآمنين وترويعهم، وان كانت هذه قصة أخرى.
لم يستوعب الأمريكيون الدرس المر الذي عاشوه في الحادي عشر من سبتمبر، وقد كانت الدولة الأمريكية العميقة تخطط للسيطرة على مقدرات العالم لتحقيق حلم المحافظين الجدد الخاص بجعل القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً بامتياز، وعليه فقد وجهوا أنظارهم مرة جديدة لجهة جماعات الإسلام السياسي والإخوان في المقدمة منهم لاستخدامهم في تغيير خارطة الشرق الأوسط تحت غطاء نشر الديمقراطية والخلاص من الأنظمة الديكتاتورية، وهي مبررات وذرائع واهية أثبتت التجارب زيفها أينما جرت بها رياح الشر.
لكن أمراً لم يلتفت إليه الكثيرون وهو أن تصعيد الأصوليات الإسلامية لم يكن في واقع الحال هدفه العالم العربي والشرق الأوسط بنوع خاص، بل الهدف الأبعد كان الصين وروسيا، الأولى بوصفها القطب القادم لمنازعة أمريكا سيطرتها على العالم، وروسيا العنقاء القادمة من الرماد من جديد.
هذه المعادلة توضح لنا السبب الذي جعل فلاديمير بوتين يقدم بسرعة شديدة على ملاقاة الدواعش في سوريا، قبل أن يقدر لهم الاستيلاء عليها ومن ثم الصعود شرقاً وتفكيك وتفخيخ روسيا الاتحادية والصين عبر العناصر التابعة لتلك الجماعات الإرهابية.
إحدى الحلقات الغامضة في علاقة الإخوان المسلمين تتصل اتصالاً وثيقاً بما جرى خلال إدارتي باراك أوباما، ودور الرئيس شخصياً وعلاقاته المتعددة مع تلك الجماعة، وهي ملفات حكم ستفتح يوماً ما ليعرف القاصي والداني لماذا دعم أوباما الإخوان المسلمين، وإن كانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تحديداً هي صاحبة الدور الأكبر في الاختراق الذي جرى لتلك الإدارة، فقد كانت مساعدتها الأقرب "هوما عابدي" إخوانية حتى النخاع، وتنتمي إلى عائلة من الإخوان الخلّص إن جاز التعبير .
هل نحن على مشارف حقبة جديدة يمكن أن تعتبر فيها إدارة دونالد ترامب الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟
السؤال المتقدم دافعه ولا شك الجلسة التي تم تخصيصها من قبل لجنة الأمن القومي في الكونجرس الأيام القليلة الماضية، لمناقشة خطر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي.
الأصوات العديدة التي ارتفعت داخل الجلسة تشير إلى أن بوصلة الأمريكيين تقترب وإن حثيثاً من اعتراف ليس منه بد مفاده: "إن جماعة الإخوان بوابة خصبة للتطرف والفكر الجهادي، إذ أن أيديولجيتها ترتكز على كراهية الغرباء والأجانب، وتدعو للتعصب والشمولية، وبعض فروعها سعت لتحقيق أهدافها من خلال العنف والإرهاب".
رويداً رويداً يتبين للأمريكيين أن خطر الإخوان يتنامى بعد أن أصبح تنظيمهم ينتشر كالمرض الخبيث في الجسم الإنساني بصورة رهيبة، فلم تعد المسألة مجرد تنظيمات عنقودية كما كان الحال في زمن القاعدة، أحد إفرازات الإخوان، بل بات التجنيد يتم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والولاءات الأيديولوجية المتجاوزة للحدود والسدود، كما الحال مع العناصر التي تكتسبها داعش صباح مساء كل يوم في حاضرات أيامنا، والخطر الساحق الماحق الذي تتسبب فيه.
يذهب البعض إلى أن قراراً من الكونجرس باعتبار الإخوان منظمة إرهابية أمر لن يكون سهلاً بالمرة، فقد نجح الإخوان ومنذ خمسينيات القرن الماضي في خلق اتباع لهم في الداخل الأمريكي، وبعضهم أضحى من أصحاب رؤوس الأموال، وهذه تستخدم حكماً في التأثير على بعض من مرشحي الكونجرس بمجلسيه، لا سيما في دولة تباع فيها الديمقراطيات على الرصيف ولمن يدفع أكثر، وقد نجحوا في إنشاء جميعات ومنظمات مختلفة الأسماء والهويات لكن الهدف واحد.
غير أنه على صعيد آخر قد تكون أمريكا ترامب، وفي حضور مايك بومبيو الرجل المطارد للإخوان منذ أن كان عضواً في الكونجرس وتالياً مدير للاستخبارات المركزية الأمريكية نهاية فعلية للإخوان.
يحتاج الأمر في كل الأحوال للتحرك الفعال من العالم العربي حكومات وشعوباً للوصول للرأي العالم الأمريكي، وتبيان حقيقة هذا التنظيم الإرهابي، للإسراع باتخاذ القرار الذي طال انتظاره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة