اتفاق البرهان والحلو.. مبادئ ترسم السلام الشامل بالسودان
بعد طول انتظار، تمكن السودان من توقيع اتفاق إعلان مبادئ مع الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو في اختراق وصف بـ"التاريخي".
الاتفاق الذي أتى عقب جمود دام طويلاً، يرسم وفق خبراء، طريقاً جديداً لعملية السلام الشامل في السودان، لكونه يعالج مشكلات تأريخية ظلت محل جدل لعقود، فضلاً عن أنه يمهد لطي صفحة الحرب إلى الأبد في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويرى خبراء، أن اتفاق إعلان المبادئ تضمن تنازلات من الطرفين ولم يشمل ما يعكر صفو المشهد السياسي في السودان خاصة فيما يتعلق بعلمانية الدولة وحق تقرير المصير للمنطقتين التي كانت تطلبها الحركة الشعبية، حيث تجاهلت الوثيقة الموقعة النص على هذه القضايا لفظياً.
كما تضمن الإعلان مطالب رئيسية للحركة الشعبية، التي تقاتل منذ سنوات تحت شعارات استرداد حقوق منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ذات الأغلبية غير المسلمة، بعد ما أقر حرية المعتقد وعدم قيام الدولة بفرض دين محدد على السكان، وأن تكون قوانين الأحوال الشخصية لأي مكون سوداني حسب دينه ومعتقده.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي السوداني عمار عوض شريف، إنه "يعتقد وجود كثير من التفاهمات غير المكتوبة تمت بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية وضمانات قدمت للأخيرة بشأن تطبيق الحقوق التي يتيحها فصل الدين عن الدولة".
وأضاف عوض في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "أفضل ما حواه اتفاق إعلان المبادئ بأن تصبح نصوصه جزءاً من الدستور الدائم في نهاية الفترة الانتقالية وهو ما يضمن عدم التفاف المشرعين في ذلك الحين على هذه الحقوق".
وإعتبر أن الاتفاق يمهد الطريق لاستقرار دائم وطي صفحة الحرب في السودان إلى الأبد، فهو نص على وقف مستدام لإطلاق النار والأعمال العدائية والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين بالحرب في المنطقتين.
ويشير عمار عوض أيضا، إلى أن الاتفاق عالج مسائل مهمة تتعلق بالترتيبات الأمنية، بعد أن أقر جيش قومي سوداني موحد، على أن يتم دمج قوات الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو بشكل متدرج يكتمل بنهاية الفترة الانتقالية.
اختراق تاريخي
ومن جانبه وصف مدير مركز دراسات السلام بالخرطوم، الدكتور عباس التجاني، اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ورئيس الحركة الشعبية عبدالعزيز الحلو، بأنه اختراق تاريخي في مسار العملية السلمية في السودان، نظرا لحجم الخلاف الذي كان سائداً.
ويقول التجاني لـ"العين الإخبارية" إن الاتفاق تم صياغته بطريقة تراعي حساسية المشهد السوداني وتعقيداته، فكان لزاماً تحاشي كتابة لفظ "العلمانية" في حين أن مضمومنها موجودا في الوثيقة المبرمة، حيث تجلت في نصوص حرية المعتقد وعدم فرض الدولة دين معين على السكان، فضلاً عن استثناءات تشريعات الأحوال الشخصية.
ويضيف أن "السودان على موعد مع استقرار دائم بعد أن تتوقف ثاني أكثر حروبه عنفاً بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، التي تعيش وطأة الصراع منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي"، مشدداً أن هذه الخطوة "تمثل استكمالاً لما تم التوصل اليه في جوبا مع الجبهة الثورية في أكتوبر الماضي"
ويشير المحلل السياسي أحمد حمدان، إلى أن اتفاق إعلان المبادئ المبرم في جوبا يفتح آفاق جديدة للسلام الشامل في السودان، وهي خطوة تعكس حقيقة التحول والتغيير في البلاد.
وأضاف:" لقد فشل النظام الإخواني المعزول في إحداث أي تقدم في عشرات الجولات التفاوضية مع الحركة الشعبية ما أدى لتدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقتين".
وتوقع حمدان، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن تمضي المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية قيادة عبدالعزيز الحلو سريعاً ويتم التوصل إلى اتفاق سلام نهائي قريباً نظراً لأن إعلان المبادئ حسم كافة القضايا الخلافية بين الطرفين.
وحسبما أعلنت الوساطة الجنوبية، تنطلق جولة المباحثات المباشرة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال/عبد العزيز الحلو في 20 أبريل/نيسان المقبل بجوبا.
وجرت مراسم توقيع الاتفاق في العاصمة جوبا بين البرهان والحلو، اليوم الأحد بحضور رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ومدير برنامج الغذاء العالمي ديفد بيزلي، وعدد من المراقبين الغربيين.
ونصت وثيقة اتفاق المبادئ على العمل من أجل "تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان تضمن حرية الدين وحرية الممارسات الدينية والعبادات لكل الشعب السوداني وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة".
كما شمل :" ألا تفرض الدولة دينا على أي شخص ولا تتبنى دينا رسميا وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشؤون الدينية وشؤون المعتقد كما تكفل وتحمي حرية الدين وممارساته، على أن تضمن هذه المبادئ في الدستور".
واتفقت الحكومة الانتقالية في السودان والحركة الشعبية شمال، في وثيقة إعلان المبادئ أيضا على ألا تستند قوانين الأحوال الشخصية إلى الدين والعرف والمعتقدات، بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية.
كما نصت على أن يكون للسودان جيش قومي مهني واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة جديدة، ويلتزم بحماية الأمن الوطني وفقا للدستور، على أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني، وأن يكون ولاؤها للوطن وليس لحزب أو جماعة.
وأشارت الوثيقة أيضا إلى أن "تكون عملية دمج وتوحيد القوات متدرجة، ويجب أن تكتمل بنهاية الفترة الانتقالية وبعد حل مسالة العلاقة بين الدين والدولة".
وفبراير/شباط الماضي، التقى البرهان مع الحلو في جوبا، في لقاء بحث عملية السلام، والعودة للتفاوض مع الشعبية مجدداً.
ومنذ أغسطس/آب الماضي، تعيش المفاوضات بين الخرطوم والحركة الشعبية بقيادة الحلو في حالة جمود تمام، بعد ما وصلت مشاورات غير رسمية بين الطرفين إلى طريق مسدود.
ويتركز خلاف الحكومة بالخرطوم وحركة الحلو في السابق، في طرح الأخيرة أن يكون السودان دولة علمانية أو إعطاء حق تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، كموقف تفاوضي لا يقبل التنازل.
في حين ترى أطراف بالسلطة الانتقالية أن هذه القضية ينبغي أن يتخذ القرار حولها في مؤتمر دستوري عام.ولاحقا عقدت ورش عمل غير رسمية لتقريب وجهات النظر والوصول إلى فهم مشترك لعلمانية الدولة السودانية لكن لم يحدث أي تقدم.
aXA6IDE4LjIxNy4xMC4yMDAg
جزيرة ام اند امز