"القاهرة للكتاب".. الكتاب الجيد يطل برأسه من جديد
مع اقتراب اختتام الدورة الـ49 لمعرض القاهرة للكتاب، تطفو على السطح مشاهد وعناوين تثبت أن الكتاب الجيد عاد ليفرض نفسه من جديد
مع اقتراب اختتام الدورة الـ49 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تطفو على السطح مشاهد وعناوين تُلخص الكثير من تحديات الناشرين وأحوال سوق القراءة من خلال هذا المعرض العربي البارز، الذي بدأ فعالياته في 27 يناير/كانون الثاني ويستمر حتى 10 فبراير/شباط الجاري.
بحسب الهيئة العامة المصرية للكتاب؛ كسر المعرض حاجز الـ3 ملايين زائر هذا العام، فيما أعرب ناشرون عن عدم انعكاس هذا الرقم على حجم المبيعات، مرجعين ذلك لارتفاع أسعار الكتب نتيجة لارتفاع أسعار الطباعة بالنسبة للكتب المحلية، فيما ضاعف أسعار الكتب المستوردة.
وعلى الرغم من ذلك؛ فقد اعتبرت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم، في تصريح أخير لها، أن معرض الكتاب في دورته الحالية حقق مبيعات مرتفعة.
حلول ذكية
مسألة الأسعار كانت من العوامل الرئيسية التي تطلبت حلولا ذكية من جهات النشر والمكتبات لجذب الجمهور، لا سيما مع عدم القدرة على السيطرة على الكتب المقرصنة والمزورة المتاحة.
كان أحد تلك الحلول اللجوء لطبعات مصرية مشتركة مع دور النشر العربية لتلافي خطوة الاستيراد المرهونة بارتفاع سعر الدولار، وغالبا تكون لعناوين مُحرضة على الاقتناء، كما تقوم مكتبة "تنمية" المصرية منذ فترة، والتي طُرحت خلال جناحها في المعرض بالشراكة مع دور نشر عربية، لتكون في النهاية بأسعار مخفضة نسبيا عن النسخ المستوردة، ولاقت ارتفاعا ملحوظا في مبيعاتها مثل "ما وراء الشتاء" لإيزابيل إيلندي، و"كالماء للشوكولاتة" للاورا إسكيبيل، و"حمام الدار" للكويتي سعود السنعوسي، و" بنات حواء الثلاث" لإليف شافاق، و"كل الأشياء" لبثينة العيسى.
علاوة على توفير نسخ مستوردة من كتب قيمة، لاقت رواجا كبيرا رغم ارتفاع أسعارها النسبي، مثل الرواية البوليسية " نيلوفر أسود" لميشيل بوسي، و"أعجوبة" للكاتبة آر ز جيه.بلاسيو.
طفرة الترجمة
العناوين المترجمة كانت متسيدة هذا العام، ليس فقط بحثا عن "علامات" الأدب كدان براون وإيزابيل إيلندي وستيفين كينج، أصحاب أعلى المبيعات في العالم، وإنما طال العديد من الأسماء المعروفة لدى النخبة بشكل أكبر، ما ظهر في إقبال واضح على الترجمات في أجنحة الهيئة العامة للكتب المركز القومي للترجمة وعدد من دور النشر المهتمة بالترجمات مثل "آفاق" و"المحروسة" و"التنوير" وغيرها.
وبحسب الروائي والكاتب المصري وجدي الكومي؛ كان الإقبال على الكتب الجادة والمترجمة كبيرا هذا العام، وقال لـ"بوابة العين" إنه لمس ذلك بشكل خاص فى أجنحة هيئة الكتاب، حيث كان هناك "سباق محموم من الشباب على شراء كتب سلسلة الجوائز، وسباق محموم أشد على شراء كتب مكتبة الأسرة".
كان المركز القومي للترجمة قد أعلن في بيان لمديره الدكتور أنور مغيث أن جناح المركز شهد إقبالا كبيرا جعل مبيعاته تتخطى العام الماضي.
وضمن قائمة أعلى المبيعات بالمركز تصدر عدد من العناوين البارزة، معظمه يجنح للتاريخ والسياسة والتراث؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: "مثنوي" لمولانا جلال الدين الرومي بترجمة إبراهيم الدسوقي شتا"، و"إمبراطوريات متخيلة.. تاريخ الثورة في صعيد مصر" لزينب أبو المجد ومن ترجمة أحمد زكي عثمان، و"الترجمة والصراع" لمنى بيكر بترجمة طارق النعمان، و"كفى للطغمة ولتحيا الديمقراطية" لهيرفى كيمف بترجمة أنور مغيث.
كما ضمت القائمة "الإلياذة"، و"فلسطين تاريخ شخصي"، و"قصر القمر"، و"القاهرة تواريخ مدينة"، و"انتصار حرب أكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية" وغيرها.
وحسب الناشر والكاتب المصري محمد هشام عبية؛ فإن ثمة وضوحا لمشهد الطفرة في الترجمة والطفرة في الإقبال عليها، ولفت في حديثه لـ"بوابة العين" إلى أن دور النشر المصرية بدأت تدخل مجال الترجمة بقوة، مثل دار"آفاق" التي تطرح ترجمات مميزة، وكذلك دار "المحروسة"، ودار "التنوير" التي طرحت أخيرا نسخة مصرية مُخفضة لكتاب "نار وغضب" الذائع عالميا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
مبيعات
في جناح الهيئة العامة للكتاب، الذي عرّج الروائي وجدي الحكيم على أهميته، فقد بلغت مبيعات إصداراته هذا العام ما يفوق المليون وربع المليون جنيه، فيما تخطت مبيعات إصدارات الهيئة العامة للكتاب 130 ألف نسخة.
ولفت رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي، إلى أن كتاب "الفتنة الكبرى" للكاتب الراحل طه حسين كان من بين الكتب الأكثر مبيعا من بين إصدارات الهيئة؛ حيث تم بيع 1200 نسخة في 9 أيام، كما استحوذت الكتب التي تتصدى للفكر المتطرف وللإرهاب على نسبة 70% من المبيعات؛ ما يعكس الاهتمام بهذا الملف.
طوابير في انتظار التوقيع
بالنظر إلى عناوين الكتب التي أعلنت دور النشر تصدرها لمبيعاتها في معرض القاهرة للكتاب؛ فإن نسبة كبيرة منها لأسماء لها باع في المحتوى الجيد، سواء كان أدبيا أو غير أدبي؛ ما يطرح سؤالا حول ما إذا كان سوق القراءة يجنح إلى المحتوى الجيد في مقابل الكتب ذات المحتوى الضعيف التي تقترن كثيرا بنسب شرائية مرتفعة.. وجدي الكومي يعتبر أن هذا الإقبال الكبير لا يعني أنه ليس هناك إقبال على الكتب التي نظن أن محتواها ضعيف.
وقال إن هناك كذلك "كتب المشاهير" التي تحظى بنسب إقبال مرتفعة جدا، وقال إن أحد المترجمين الألمان شغلته الطوابير الطويلة جدا لشراء كتاب "نادر فودة" للكاتب أحمد يونس، مذيع ومقدم برامج مصري شهير، وأنه سأله إذا كان قد قرأ كتابه الجديد "نادر فودة"، وأجابه الكومي أنه لا يستطيع الحكم على محتواه لأنه لم يقرأه.
وأضاف صاحب رواية "إيقاع" أن الإقبال والطوابير التي ترتبط بكاتب مشهور ظاهرة ليست سيئة، لكنها تحتاج إلى تفسير أكثر موضوعية، عن ماهية تلك الكتب التي يقدمونها وخطة دور النشر المصدرة لها في الترويج لتلك الكتب واستقطاب تلك الطوابير في انتظار توقيع مؤلفه.
الناشر محمد هشام عبيه، ناشر دار دلتا للنشر والتوزيع، يرصد إقبالا لافتا، إلى جانب الأدب، لكتب التجارب الحياتية" هذه الكتب أصبح لها جمهور متزايد كل يوم، هي ليست كتب تنمية بشرية ولا كتب علمية بالمعنى الأكاديمي، إنما كتب عن تجارب إنسانية واقعية".
وأشار إلى أن من أبرز الكتب التي نالت اهتمام الجمهور من هذا النوع كان كتاب "حتة مني" للكاتبة شيماء الجمال، عن تجارب إنسانية حياتية، و"أنا مريضة نفسيا" للكاتبة وفاء شلبي، كتاب يمزج بين الخبرة الشخصية والعلمية فيما يتعلق بالعلاج النفسي، الصادرين عن دار "دلتا"، وكذلك في دور نشر أخرى مثل كتاب "علاقات خطرة".
ويعتبر أن المحتوى الجاد لتلك الكتب التي تلقى استحسانا من القراء لا ينفي استمرار الكتب ذات المحتوى الضعيف جدا في تحقيق مبيعات مرتفعة لأسباب كثيرة، منها أن جمهورها الأكبر من شريحة المراهقين، لكن في المقابل فالكتب الجادة لا يزال جمهورها في تزايد، وبشكل أو بآخر وبمرور الوقت ستجتذب قطاعا من جمهور الكتب الخفيفة" على حد تعبيره.
محاولات
وتواصلت حفلات التوقيع في هذه الدورة من "القاهرة للكتاب" على مدار أيام المعرض، وحضرها أسماء أدبية لامعة من مصر والعالم العربي، من بين تلك الأسماء الأديب الجزائري واسيني الأعرج، والدبلوماسي المصري عمرو موسى، والدكتور محمد المخزنجي، والكاتب إبراهيم عبد المجيد، والكاتب علاء خالد، والنائبة أنيسة حسونة، وكان من بين التوقيعات اللافتة توقيع أديب البوكر الكاتب الكويتي سعود السنعوسي الذي كان يوقع الطبعات المصرية لروايته "حمام الدار" في جناح مكتبة تنمية.
تسويق الكتب مرتفعة الثمن، سواء بالخصومات التي قامت بها دور النشر لا سيما في الأسبوع الثاني من المعرض، أو من خلال الطبعات المصرية ظلت محاولات دؤوبة، لاسيما مع الزخم المرتبط بسور الأزبكية الذي يجتذب قطاعات ضخمة من زوار معرض الكتاب من خلال الكتب المستعملة والقديمة، وكذلك النسخ "المزورة" لعدد من الإصدارات الحديثة، فحسب ملاحظة الروائي وجدي الكومي "تظل النخبة هي فقط التي توجهت لشراء كتب الناشرين العرب، أو الكتب الغالية عموما، خاصة أن ظاهرة الكتب المزورة لن تنتهي، رغم أنه في المعرض كانت هناك محاولة لتحجيم تلك الظاهرة نتيجة تصدي الهيئة العامة للكتاب لمشاركة المزورين، ومصادرتها كتبا مزورة كثيرة".