ليست المرة الأولى التي أحضر فيها انطلاق أعمال مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة في الرياض، فلقد شهدتها من قبل، ولكنها المرة الأولى التي أحضر متحدثًا مع آخرين
ليست المرة الأولى التي أحضر فيها انطلاق أعمال مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة في الرياض، فلقد شهدتها من قبل، ولكنها المرة الأولى التي أحضر متحدثًا مع آخرين، عن العلاقات المصرية السعودية، في محور من محاور المهرجان دامت جلساته يومين!
وقد كان حرص خادم الحرمين الشريفين على أن يطلق أعمال دورة هذا العام، بنفسه، يحمل إشارة إلى أن الملك سلمان بن عبد العزيز يريد أن يقول بحضوره إن وراء المهرجان رسالة ثقافية مهمة، وأنها لا بد أن تصل، ولو عاد أحد إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين خلال لقائه مع ضيوف المهرجان من المثقفين، والمفكرين، والإعلاميين، في خامس أيام الجنادرية، فسوف يجد تلك الرسالة مُسجلة، ومحفوظة... وكان اختيار مصر، لتكون ضيف شرف المهرجان هذا العام، علامة على أن ما بين القاهرة والرياض لا ينقطع، مهما كانت العقبات على الطريق أمامهما، ولم يكن الأستاذ حسن خليل، مشرف ندوات المهرجان، يذيع سرًا وهو يقف في إحدى الجلسات ليقول إن الاختيار منذ البداية كان من خادم الحرمين الشريفين دون سواه.
وفي جلسات اليومين، عما بين العاصمتين من أواصر وروابط، كان هناك ما يشبه الإجماع على أنه من الطبيعي أن تكون بين البلدين مساحة، بل مساحات من الاختلاف في وجهات النظر، وفي التوجهات حول بعض قضايا المنطقة... هذا طبيعي في أي علاقات سوية بين أي بلدين، فضلاً عن أن يكون هذان البلدان هما مصر والسعودية... غير أن اللاطبيعي في ملف العلاقات أن يكون الاختلاف في وجهات النظر، وفي التوجهات، سبيلاً إلى الخلاف، فما بينهما تاريخيًا يجعل العلاقة نادرة، بقدر ما هي قادرة على استيعاب أي اختلاف، ثم تطويعه ليظل مضافًا في رصيد العلاقات، وليس خصمًا منها في كل الأحوال.
هي كفيلة باستيعاب أي اختلاف، لأن تاريخها على جانب منها يدعم هذا المعنى ويؤكده، ولأن حاضرها على جانبها الآخر يُراكم في الاتجاه ذاته.
ففي تاريخها أن الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، زار القاهرة عام 1946، وكانت تلك هي زيارته الخارجية العربية الوحيدة، وكان قبل أن ينتقل إلى رحاب ربه، قد أوصى أبناءه الأمراء من بعده، بمصر، فكان وهو يزور، ثم وهو يوصي، يعني ما يفعل وما يقول، ويتحرك في خُطاه، وفي وصيته، عن إدراك مبكر لحقيقة مجردة تقول إن قوة القاهرة هي في الأصل إضافة للرياض، وأن العكس صحيح على طول الخط وعرضه... وفي تاريخ العلاقة أن الملك خالد رفض عرضًا من عدة عواصم عربية بإنهاء عقود العمالة المصرية... كانت العواصم صاحبة العرض تختلف مع السادات، وتريد أن تعاقبه، ولكن الملك خالد كان يذكر وصية الملك المؤسس جيدًا، وكان يضعها أمام عينيه، وكان يأبى أن يأخذ عمالة مصرية لا ذنب لها في شيء، بذنب غيرها... وفي تاريخ العلاقة أيضًا، أن الملك عبد الله قد جاء عليه وقت أعلن فيه أن المساس بمصر هو مساس بالمملكة على نحو مباشر، وكان في بيانه يتحدى العالم بالمعنى الحقيقي للتحدي!
وليس الملك سلمان نشازًا في هذه المسيرة أبدًا، لأنه ينتمي إلى أسرة تحكم وفق أصول وتقاليد وقيم، ولا بد أن الوفاء قيمة من هذه القيم.
وفي حاضر العلاقة، أن مجلس الدفاع الوطني في القاهرة قد انعقد آخر يناير (كانون الثاني) الماضي، وقرر تمديد مشاركة قوات مصرية في مهام قتالية في الخليج، وفي باب المندب، وفي البحر الأحمر، وبعدها صدر قرار جمهوري من الرئيس السيسي بالموافقة على برنامج خادم الحرمين الشريفين لتنمية سيناء، بما قيمته مليار ونصف المليار دولار، وفقًا لما جرى الاتفاق عليه في مؤتمر الاستثمار المنعقد في شرم الشيخ في مارس (آذار) قبل الماضي، ومن بعد القرار الجمهوري وافقت الحكومة المصرية في اجتماع لها على تخصيص 70 فدانًا بالمجان في جنوب سيناء لإنشاء جامعة الملك سلمان.
فهل معنى هذا أنه لا مشكلة في العلاقة؟!... نعم هناك، وإلا ما كانت الجنادرية قد أفردت لها محورًا بكامله من بين محاورها، وبامتداد يومين كاملين!
ومرجع المشكلة في تقديري، أن علاقة البلدين وقعت خلال أشهر قليلة مضت، أسيرة أشياء ثلاثة، لا يجوز أن تقع في أسرها، ولا بديل عن أن تتحرر منها بأسرع ما هو ممكن:
الشيء الأول أنها وقعت في قبضة وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل خاص، وبعض الإعلام المنفلت، بشكل عام، وما كان لتلك الوسائل أن تكون لها، ولا لذلك الإعلام، أن يكون له سطوة على علاقة بهذا الامتداد، وبهذا العمق، فضلاً عن أن يكون لهما عليها تأثير!... والثاني أنها وقعت أسيرة الرغبة في تطابق المواقف، والرؤى، دون أن يلتفت طرفاها إلى أن التطابق في العلاقات بينهما ليس ممكنًا، ولا هو أصلاً مطلوبًا، وإنما المطلوب هو التوافق، والتقارب. لا أكثر!... والثالث أنها وقعت أسيرة حالة من اللاحوار بين الطرفين على المستوى السياسي، مرة، وعلى مستوى العقلاء في العاصمتين، مرات!
تحريرها من الثلاثة، هو خطوة أولى على طريق نهايته طرح مشروع عربي، يدفع عن المنطقة مشروعات تتنازعها أخطرها إيراني، وآخر إسرائيلي!
* نقلاً عن " الشرق الأوسط "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة