"الإخوان" تتجرع مرارة "إقصاء" سقته للسودانيين 30 عاما
مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعقب صعود الحركة الإسلامية السياسية إلى السلطة، سن التنظيم الإرهابي قانونا أسماه بـ"الصالح العام".
بات فلول تنظيم الإخوان المعزول في السودان، على وشك تجرع مرارات الإقصاء التي أذاقوها للسودانيين خلال سنوات حكمهم البالغة 30 عاماً.
- رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.. أولوية حمدوك بالأمم المتحدة
- حمدوك يأمر بتشكيل لجنة للتحقيق في فض اعتصام الخرطوم
وذلك بعد دعوات واسعة بضرورة أن تنتهج السلطة الجديدة مبدأ التعامل بالمثل مع كوادر "الحركة الإسلامية السياسية"، لضمان تعافي القطاعات الحيوية في البلاد وعدم تعطيل مسيرة فترة الحكم الانتقالي.
تسعينيات القرن الماضي
في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد عام من صعود الحركة الإسلامية السياسية إلى السلطة بانقلاب عسكري، سن التنظيم الإرهابي قانوناً أسماه بـ"الصالح العام"، الذي أقصى بموجبه آلاف الكوادر السودانية من دواوين البلاد، وتعيين عناصر موالية تنظيمياً وأيدولوجياً، وهو ما يعرف في أدبيات تنظيم الإخوان بسياسة "التمكين".
وصاحبت عمليات الفصل التعسفي بقانون "الصالح العام" توجيهات صارمة من قيادة التنظيم الإخواني ومرشده في ذلك الوقت حسن الترابي، بعدم استيعاب غير الموالين في الخدمة المدنية والعسكرية مهما كان تأهيلهم.
بخلاف احتكار التوظيف والمناصب الرفيعة لمنسوبي الحركة الإسلامية السياسية، وذلك وفق وثائق تسربت لاحقاً.
حيث تمكنت الحركة من إحكام السيطرة على البلاد، وفق ما خُطط له، وأقامت الدولة العميقة لصالحها في السودان، وبحسب مراقبين، فإن النتيجة الحتمية لذلك كانت فصل آلاف الكفاءات السودانية غير الموالية سياسياً وأيدولوجياً لحزب الحركة الإسلامية ذراع التنظيم الدولي للإخوان، عن الخدمة العامة، وإحلال منسوبيهم محلهم.
وكانت قطاعات النقل والمواصلات والنقابات المهنية الأكثر تضرراً من سياسات التمكين، بل تعرض مجملها إلى تدمير كامل، وهي القطاعات التي كانت تقود الإضرابات السياسية ضد الأنظمة الديكتاتورية، مما جعلها هدفاً لتنظيم الحركة الإسلامية بإجراءات الفصل التعسفي المسماه "الصالح العام".
ووفق اللجنة السودانية القومية التي كوّنها نقابيون عام 1992م، فإن عدد الموظفين الذين فصلتهم سلطة الإخوان الإرهابية من قطاعات النقل النهري والمواصلات والسكة الحديد والطيران المدني، بلغ 350 ألف موظف، وواجهوا بعدها معاناة بالغة في المعيشة؛ حيث لم يحصل غالبيتهم على مخصصات ما بعد الخدمة المعروفة قانوناً.
ولا توجد إحصاءات دقيقة بعدد الذين جرى فصلهم تعسفياً في القطاعات المهنية والعمالية الأخرى، لكنهم يقدرون بالآلاف الأشخاص.
وكان رئيس الوزراء السوداني الحالي الدكتور عبدالله حمدوك أحد ضحايا قانون الصالح العام؛ حيث جرى فصله عندما كان موظفاً بوزارة المالية بتهمة انتمائه للحزب الشيوعي.
أما وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله تم فصلها وهي بدرجة وزير مفوض في وزارة الخارجية لذات التهمة التي أبعد بها عبدالله حمدوك.
وبعد أن خرج السودانيون في انتفاضة ملهمة أزاحت الإخوان عن سدة الحكم في أبريل/نيسان الماضي، يقودون حالياً حراكاً مماثلاً لمحاكمة رموز النظام البائد، واجتثاث ما تبقى منهم في مفاصل الحكومة السودانية، أسوة بما فعلوه ضد المكونات الأخرى خلال سنوات حكمهم.
إقصاء ضروري
المحلل السياسي الجميل الفاضل يرى أن تنقية المؤسسات السودانية من بقايا تنظيم الإخوان ضرورة قصوى، وذلك من أجل فك حصارهم الذي يفرضونه على الدولة السودانية منذ ثلاثة عقود.
وقال الفاضل خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" "إذا لم يتم اجتثاث تنظيم الإخوان عن مؤسسات الدولة السودانية لن تكتمل عملية التحول الديمقراطي".
مطالباً الحكومة بضرورة تفعيل الشرعية الدستورية وإبعاد عناصر الحركة الإسلامية نزولاً لأهداف الثورة وحماية المرحلة الانتقالية.
وأوضح الفاضل أن الانتفاضة الشعبية بطبيعتها تمثل حالة إقصائية تقوم من أجل إزاحة مجموعة متحكمة في السلطة والمال والوظائف، بينما لجأت الحركة الإسلامية السياسية لإقصاء الجميع من أجل تحقيق مصالح خاصة للتنظيم.
وتوقع المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين صلاح شعيب أن يعتمد الإخوان على استراتيجية لعب دور الضحية ووعظ الرأي العام بأن الثورة تتعمد إقصاءهم.
وقال شعيب لـ"العين الإخبارية" "الضرورة تقتضي إعادة هيكلة مؤسسات الدولة السودانية برمتها لتحقيق الإصلاح في كل مجالاته، مما يتطلب إبعاد الإسلاميين عن المواقع الحساسة والدفع بقيادات جديدة تؤمن بأهداف الثورة".
وتابع قائلًا: "الإخوان استولوا على مكمن الوظائف القيادية وهيمنوا على القطاعين الحكومي والخاص، فهناك حاجة لإعادة الخدمة المدنية لسالف عهدها بمشاركة السودانيين كافة".
وتبدو عملية اجتثاث الإخوان من المؤسسات الرسمية "الحكومية" بالنسبة لمحللين بالأمر اليسير، عن طريق الإقالة المباشرة وإحلال كوادر وطنية داعمة للتوجه الديمقراطي وأهداف الثورة، ولكن إقصاءهم من المرافق الحيوية بالقطاع الخاص ليس سهلاً.
وفي هذا السياق أكد المحلل السياسي السوداني راشد التجاني أن القضاء على عناصر "الإخوان" البائد في القطاع الخاص يتطلب وقتاً طويلاً؛ حيث يحتاج ذلك إلى تأسيس شركات مملوكة لرجال أعمال وطنيين ومساندين للتوجه الديمقراطي، مؤكداً أن وجود أتباع النظام المخلوع على قمة القطاع الخاص سيشكل عقبة حقيقية أمام أي إصلاح اقتصادي تقوده الحكومة الانتقالية.
وقال التجاني خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" إن سياسة "التمكين" التي قادتها سلطة الإخوان أضعفت الخدمة المدنية، لأنها تقوم على تعيين الموظفين على أساس الولاء السياسي عوضاً عن الكفاءة، فيما غادرت معظم الكفاءات المهنية السودان بعد أن طالتها عمليات الفصل التعسفي الواسعة.
ودعا الحكومة إلى أن تعطي عملية إصلاح الخدمة المدنية أولوية قصوى؛ بحيث تعمل على إقالة أي موظف غير مؤهل وتم تعيينه بالولاء السياسي واستبداله بآخر من ذوي الكفاءات الوطنية، واعتبر أن إصلاح الخدمة المدنية يشكل مدخلاً لتعافي السودان سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
كما أكد أحمد محمد علي، رئيس اللجنة السودانية للمفصولين، أن اجتثاث الإخوان من مفاصل الدولة السودانية يجب أن يبدأ بإعادة جميع العاملين الذين تم فصلهم تعسفياً خلال فترة حكم الجنرال عمر البشير، ومن ثم إجراء مراجعات شاملة لهياكل وبنية الخدمة المدنية.
ويؤكد محمد علي خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أن السودان لن يشهد أي تقدم إذا لم يتشارك الجميع مهمة القضاء على عناصر نظام الحركة الإسلامية المتغلغلين في هياكل المؤسسات، لأنهم مصدر التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني في البلاد.
aXA6IDE4LjIyMy40My4xMDYg جزيرة ام اند امز