الشواهد تصب هذه المرة في خانة احتمالية نشوب الحرب لأن النظام الإيراني يريدها وليس لأن هناك صقورا داخل الإدارة الأمريكية يريدون ذلك.
سؤال الحرب بات هو سؤال الساعة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا أحد يمكنه القطع بإمكانية نشوب الحرب، وانقسم الخبراء والمحللون بل وانقسم رأي الناس جميعها حول إمكانية تحقق سيناريو الحرب، ولكل طرف يمتلك من الأسانيد والأدلة ما يدعم موقفه ويؤيد وجهة نظره، وكلاهما على صواب، وهذه إحدى أهم سمات الأزمة التي تسبب فيها النظام الإيراني بتهوره وطيشه السياسي والعسكري في منطقة يشبهها الكثيرون ببرميل البارود الذي يمكن لعود ثقاب بسيط أن يشعل لهيب النار فيه!
في ضوء ما سبق، فإن الحقيقة تقول إن الكرة في ملعب النظام الإيراني، الذي بإمكانه تفادي سيناريو الحرب في حال احتكم إلى العقل والمنطق وقام بإعلاء مصالح الشعب الإيراني، وأدار الأزمة بمنطق السياسة وقواعد التفاوض المتعارف عليها، وتخلى عن مخططاته لنشر الفوضى والاضطرابات في ربوع المنطقة.
من يقول إن سيناريو الحرب مستبعد ينطلق من تجارب وخبرات تاريخية لحالات توتر سابقة بل ومستمرة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، حيث شهدت العقود الأربعة الماضية فترات توتر اقترب فيها سيناريو الحرب وتحركت البوارج الأمريكية وحاملات الطائرات والقاذفات، ثم ما لبث أن فرضت التهدئة نفسها على الطرفين، ووجود أكبر الحشود العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج العربي سواء في حرب تحرير الكويت، أو في حرب عام 2003، لم يكن سبباً في نشوب أي توترات مع إيران، بل إن الوثائق كشفت بعد ذلك عن أن القوات الأمريكية قد حصلت على دعم ومساعدات إيرانية كبيرة لتسهيل مهمتها في العراق وقبل ذلك في أفغانستان.
ومن يقول إن سيناريو الحرب محتمل هذه المرة بدرجة كبيرة يعتمد على سلوكيات النظام الإيراني ومعطيات الجولة الراهنة من الأزمة المزمنة في العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، ويرى أصحاب هذا الرأي أن الاستفزازات الإيرانية المتواصلة هي التي فتحت الباب أمام تفاقم التوتر، ولا سيما بعد رصد تحركات مليشيا الحرس الثوري لاستهداف المصالح الأمريكية في العراق وسوريا، فضلاً عن الاعتداء الذي تبنته جماعة الحوثي الموالية لإيران على محطتي ضخ النفط بالمملكة العربية السعودية، وهو اعتداء مدروس وواضح في أهدافه ودوافعه ولا علاقة له بما يدور في اليمن. بل إن علاقته الوثيقة تكمن في تنفيذ الحوثيين لأوامر النظام الإيراني، الذي أراد أن يبعث برسالة للولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين بشأن أمن الطاقة، ناهيك عن الاعتداء الذي استهدف أربع سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات ولا تزال التحقيقات بشأنه جارية، وإن كانت الشكوك وأصابع الاتهام موجهة بشكل كبير إلى إيران رغم محاولاتها صرف الأنظار وإرباك التحقيقات باتهام طرف آخر بتعمد إشعال حرب في المنطقة.
الشواهد جميعها تصب هذه المرة في خانة احتمالية نشوب الحرب لأن النظام الإيراني يريدها وليس لأن هناك صقورا داخل الإدارة الأمريكية يريدون ذلك، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت تضم من الصقور مَن يريد الإيقاع بهذه أو تلك من الدول والأنظمة، ولكن قرار الحرب بيد الرئيس الذي تدرك إيران جيداً أنه لا يميل للحرب، لذا فهي تبدي أكبر قدر من الغطرسة والتعنت في مواجهة التصعيد الأمريكي.
هنا يمكن أن يولد سوء الإدراك الذي طالما تسبب في نشوب صراعات عالمية كبرى عبر التاريخ، بمعنى أن عدم تقدير النظام الإيراني لحقيقة الموقف الأمريكي وقدرة الرئيس ترامب على اتخاذ قرار الحرب، وكذلك سوء تقدير العواقب والاستخفاف بتوابع الاستفزازات والتحرشات العسكرية المحتملة يمكن أن يقود في مرحلة ما إلى كارثة ويعجل بنشوب الحرب التي لا يتمناها العقلاء ولا تريدها دول مجلس التعاون، ولكن النظام الإيراني يحاول فرضها على الجميع لأنه يجد فيها الملاذ وطوق النجاة الوحيد للتهرب من هدر ثروات الشعب الإيراني ومقدراته وعسكرة الاقتصاد الإيراني وتحويل موارد الدولة لمصلحة تمويل مخطط التوسع الطائفي والمذهبي واستعراض القوة في دول المنطقة.
التجارب تقول إن النظام الإيراني يجيد سياسة حافة الهاوية، التي ينفذها البيت الأبيض، ولكن التجارب ذاتها تقول أيضاً إن هذه السياسة يجب أن تبلغ أقصى مديات الجدية والحزم في الردع وإثبات القدرة على خوض الحرب وتوافر الإرادة والخطط اللازمة لذلك وهذا ما يفعله "البنتاجون" بشكل كبير، ولكن يحد منه بعض تصريحات التهدئة التي يسيء فهمها النظام الإيراني، لأن محاولة المواءمة في هذه المرحلة تأتي بنتائج عكسية ويفهمها النظام الإيراني باعتبارها نوعا من التردد أو القلق الأمريكي من عواقب الحرب في حال نشوبها، وهو ما يفسّر تصريحات قادة النظام الإيراني التي تتمادى في تضخيم الذات، الذي ينجم عن أحد احتمالين؛ أولهما الجهل بالأثر العملياتي للفوارق الهائلة في مكونات القوة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة وهذه -أي الجهل- مصيبة كبرى، وثانيهما إدراك هذه الفوارق ولكن هناك رغبة في إشعال حريق إقليمي يجعل سلوك النظام الإيراني انتحارياً بامتياز، وهذه مصيبة أعظم!
في ضوء ما سبق، فإن الحقيقة تقول إن الكرة في ملعب النظام الإيراني، الذي بإمكانه تفادي سيناريو الحرب في حال احتكم إلى العقل والمنطق وقام بإعلاء مصالح الشعب الإيراني، وأدار الأزمة بمنطق السياسة وقواعد التفاوض المتعارف عليها، وتخلى عن مخططاته لنشر الفوضى والاضطرابات في ربوع المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة