أكبر أخطاء الإيرانى أنه لعب لعبة التصعيد من منظور خدمة تياره الداخلى بصرف النظر عن العواقب الإقليمية أو الدولية الممكنة.
فى الصراع الحالى، أخطأ كل من الأمريكى والإيرانى خطأً فادحاً.
أخطأ الأمريكى أنه تجاوز «سياسة الضغط» على إيران إلى «حالة الخنق».
وأخطأ الإيرانى أنه حوّل سياسة رد الفعل من سياسة ضربة بضربة إلى توسيع نطاق تسخين المنطقة كلها دون حساب.
أخطأ الأمريكى بعدم معرفة حدود القوة، وأخطأ الإيرانى بعدم معرفة حدود رد الفعل.
وأكبر أخطاء الإيرانى أنه لعب لعبة التصعيد من منظور خدمة تياره الداخلى بصرف النظر عن العواقب الإقليمية أو الدولية الممكنة.
أكبر أخطاء الأمريكى أنه قام بـ«الفعل الكبير» وترك للإيرانى أن يحدد قرار الحرب أو التفاوض، التصعيد أو التهدئة، وأن يختار متى وكيف وأين تكون المواجهة أو التسوية.
كلاهما إيران والولايات المتحدة، ترامب والمرشد الأعلى، مأزوم داخلياً ويرى أن النجاح فى إدارة الأزمة هو طوق نجاة داخلى له قبل أن يكون أمراً له علاقة بالشئون الخارجية.
كذلك ضعف الثقافة السياسية لدى دونالد ترامب كشخص، وانفراده الكامل بقرارات الحرب والسلام فى دولة تعيش -تقليدياً- على تعاون كل المؤسسات فى تشكيل وصناعة ومتابعة القرار السياسى.
خطأ ترامب أنه لا يعرف كيف تعمل إيران من الداخل، ولا يعرف حجم تأثير الحوزة الدينية فى صناعة القرار، ولا يعرف أهمية دور المرشد الأعلى، وسلطاته، ولا يعرف مدى تنامى نفوذ الحرس الثورى، ليس كمؤسسة ميليشية فحسب، ولكن دورها فى أمن الداخل والخارج.
الحرس الثورى الإيرانى الذى يوجد فى التركيبة السياسية للبلاد بنص دستورى منذ أبريل 1979، والذى يتبع المرشد الأعلى مباشرة هو عدة مؤسسات فى واحدة:
- هو مؤسسة سياسية لها تأثير فى صناعة قرارات الأمن الداخلى والخارجى.
- مؤسسة اقتصادية تدير أكثر من ثلثَى مشروعات الدولة فى البناء والمقاولات والتجارة والصناعات الاستراتيجية وأخيراً أصبح لها دور فى أخطر الصناعات وهى صناعة «البتروكيماويات» بدلاً من الشركة الحكومية وهى شركة «خترو إيران» التى كانت تدير هذا القطاع بكفاءة، لذلك كله حدث نمو مذهل لشركة الحرس الثورى المسماة بـ«شركة خاتم الأنبياء».
البيزنس، وموازنة الدولة، وما يحصل عليه الحرس مباشرة من موازنة المرشد الأعلى هى أهم مصادر التمويل لهذا الكيان المؤثر جداً فى صناعة القرار الإيرانى فى الداخل والخارج، ويكفى أن الحرس حقق عام 2017 صافى أرباح من عمليات نفطية وبيع غاز.
الآن يشعر الحرس الثورى بسعادة غامرة بسبب تعقيد الموقف فى الاتفاق النووى مع الأمريكيين لأنه كان يعارض هذا الاتفاق من اليوم الأول لبدء المفاوضات.
إيران هى صراع بين تيارين، تيار يرى المواجهة والامتداد الخارجى وتعبئة الناس بشكل دائم والسعى الدائم لتصدير الثورة مسألة المسائل فى حاضر ومستقبل إيران، أما التيار الثانى فيرى أن اندماج إيران مع محيطها والتعاون مع كل قوى العالم بهدف التحديث والإصلاح هو حاضر ومستقبل البلاد والعباد.
كلاهما يشترك فى 3 أمور:
1- استمرار الثورة.
2- استمرار المرجعية الدينية.
3- الحفاظ على المؤسسات بشكلها الحالى.
لا يخطئ أحد من خارج إيران، ويراهن -بحسن نية- على أن هناك تياراً يصارع من أجل تغيير قواعد النظام، بمعنى يسعى إلى أن تصبح إيران دولة عصرية إصلاحية على النسق الغربى، ملتزمة داخل حدودها تؤمن بحسن الجوار وليس لها أى أطماع فى المنطقة أو تسعى إلى تصدير الثورة.
الصراع فى إيران هو صراع بين تيارين كلاهما يؤمن بتصدير الثورة، ولا يؤمن أى منهما بتحويل إيران من ثورة إلى دولة.
من هنا يؤمن جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى ومهندس عملية «الضغط المستمر» على إيران، بأن «الخنق الاقتصادى» لإيران من الداخل سيؤدى إلى انهيار هذه التركيبة.
خطأ بولتون هو أنه استخدم معايير غربية منطقية وتقليدية تقوم على مبدأ أن «الضغط يؤدى إلى الإضعاف والضغط المستمر يؤدى إلى الانهيار».
يصح هذا الكلام مع أى نظام، إلا الأنظمة العقائدية الأيديولوجية المتشددة مثل النظام الإيرانى الذى يستخدم الصراع الخارجى كوسيلة تعبئة وشحن وكذريعة ومبرر لتأجيل إيجاد أى حلول حقيقية للمشاكل الداخلية مثل البطالة والتضخم والفساد وكبت الحريات والضغط الاجتماعى.
الضغط والحصار والخنق على إيران لا يُضعف التيار المتشدد بل يقويه، حتى إن هذا التيار أصبح يبحث عنه بل يستجديه لإنقاذه من الاضطرار إلى دفع فاتورة إصلاحات داخلية لا يقدر عليها.
داخل تيار الحرس الثورى تياران، تيار محافظ تقليدى يقوده جنرال الداخل محمد على جعفرى الذى يمثل التيار الراديكالى فى تيار المحافظين فى الحرس والنظام، وهذا لا يرى أن هناك أى جدوى أو فائدة من التفاوض.
التيار الثانى داخل الحرس الثورى الذى يقوده الجنرال قاسم سليمانى، وهو مهندس عمليات وأنشطة الحرس الثورى فى المنطقة من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى لبنان ومن أفريقيا السوداء إلى غزة وليبيا وصولاً إلى فنزويلا.
يصعب على البعض أن يصدق أن الجنرال سليمانى كان مؤيداً بقوة لفريق لاريجانى- جواد ظريف وخبراء الخارجية فى الاتفاق النووى من منظور أن الاتفاق يحقق مظلة سياسية للانتشار الإيرانى فى المنطقة.
والمتابع لمنحنى نشاط الحرس الثورى فى الفترة الأخيرة سيجد ارتفاع منسوب التحرك والانتشار والتمركز فى المنطقة فى فترة حماية الاتفاق النووى للدور الإيرانى فى المنطقة.
كان سليمانى يؤيد الاتفاق النووى شريطة ألا ينص هذا الاتفاق، بأى شكل من الأشكال مباشرة أو تلميحاً، على التزام إيران بحسن الجوار مع حدودها، أو يلزمها بعدم دعم حلفائها أو أنصارها فى المنطقة، على أساس أن هذا القيد فى حال حدوثه يقيد ويمنع الحرس من أهم أدواره وهو تصدير الثورة الإسلامية.
الأزمة الآن أن دونالد ترامب ومستشاره بولتون وهيئة الأركان الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية يجلسون جميعهم فى واشنطن بانتظار القرار الإيرانى باستخدام رقم الهاتف الشخصى للرئيس ترامب الذى أعطاه للرئيس السويسرى الذى يتوسط بين طهران وواشنطن بوصف سويسرا هى «راعية المصالح» بين البلدين بسبب انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما.
قد ينتظر ترامب طويلاً كى يرن هاتفه الساخن فى البيت الأبيض.
هل هذا يعنى أنهم فى إيران بكافة قياداتهم لا يريدون التفاوض مع الولايات المتحدة؟
«ناجر الجزار» السياسى الإيرانى المعروف باعتماده سياسة الصبر الاستراتيجى يقدر على تحمل سياسات الخنق الاقتصادى الكاملة من 6 أشهر إلى عام.
تقصر المدة إذا تم النجاح فى تصفير المبيعات، وتطول إذا تمكنت إيران من البيع المباشر خارج الأسواق الرسمية ما بين 300 و500 ألف برميل يومياً، وهو ما يكفى لتعويم الاقتصاد إلى مستوى الحد الأدنى.
الصبر الإيرانى أيضاً له سبب أساسى، وهو الشك فى مستقبل ترامب السياسى خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة تحت منطق يقول: لماذا نسعى للتفاوض مع رئيس تحاصره الفضائح والتحقيقات لا يمكن أن يضمن لنا أى تعهدات سياسية إذا كان لن يستمر.
من هنا تؤمن مصادر عليا فى طهران بأنه من الأفضل انتظار اتضاح مؤشرات الانتخابات الرئاسية فى المدة الثانية لترامب، وبعدها يمكن اتخاذ قرار التفاوض من عدمه.
فشل ترامب فى إحراز نتائج نهائية فى اتفاق التجارة فى الصين وكوريا الشمالية يجعله يحلم بأن يكون النجاح مع إيران بالمواجهة أو التطويع بالضغط أو التفاوض المباشر هو حل الإنقاذ.
كلاهما إيران والولايات المتحدة، ترامب والمرشد الأعلى، مأزوم داخلياً ويرى أن النجاح فى إدارة الأزمة هو طوق نجاة داخلى له قبل أن يكون أمراً له علاقة بالشئون الخارجية.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة