مع تبعات نزاعٍ غير مسبوق.. هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود؟
مع توقف التجارة في إسرائيل، وغياب العاملين في مجال السياحة والتكنولوجيا مع استدعاء الآلاف للجيش، فإن التعافي الاقتصادي بات أكثر صعوبة.
تنطلق صفارة الإنذار في قاعة الإنتاج الواسعة، ما يعطي العمال لحظات قليلة لبلوغ الملجأ، في حدث بات روتينيا في هذا المصنع الواقع في جنوب إسرائيل ضمن مدى الصواريخ التي تطلقها فصائل فلسطينية من قطاع غزة.
مثل مجمل القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية، تحاول مجموعة "راف – بريح" (Rav-Bariach) التكيّف مع واقع فرضته حرب لا تحمل أيّ قواسم مشتركة مع سابقاتها بين إسرائيل والفلسطينيين.
في إحدى الغرف الآمنة، يقول رافيد بروش المسؤول عن التطوير الدولي في المجموعة "في الأسابيع الأولى من الحرب، كانت الإنذارات أكثر عدداً".
- حرب غزة تعمّق عجز ميزانية إسرائيل.. 6 مليارات دولار في شهر
- الشيكل أسوأ عملات العالم.. إسرائيل تنزف المليارات لإنقاذ عملتها
تمّ تجهيز الملجأ بمعدّات مصمّمة في المصنع، إذ إنّ "راف-بريح" تعدّ شركة إسرائيلية رائدة في مجال الأبواب المصفّحة والمقاوِمة للحريق وغيرها من التجهيزات التي توفّرها للمساكن الخاصّة والوزارات والسفارات في كافّة أنحاء البلاد.
غير أنّ وجود مقرّها الرئيسي ومصنعها في مدينة عسقلان الساحلية التي يبلغ عدد سكانها حوالى 150 ألف نسمة، يجعلها على بعد أقل من عشرة كيلومترات عن قطاع غزة.
ومنذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تطلق حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى صواريخ بانتظام باتجاه جنوب إسرائيل. وحتى بحال اعتراضها من قبل نظام "القبة الحديدية"، قد يتسبّب حطامها بأضرار وفي بعض الأحيان تسفر عنه إصابات.
- "نقص اليد العاملة"
سقط أحد هذه الصواريخ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول على ممرّ مطل على ورش الإنتاج، بعدما اخترق السقف. ويقول المدير التنفيذي للشركة إيدان زو-اريتز إن ذلك "بعض من واقعنا".
ولكن على المستوى اليومي، يؤثر نقص اليد العاملة قبل أي شيء آخر على نشاط الشركة منذ بداية الحرب التي أعقبت هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل.
ويقدّر إيدان زو-اريتز بأنّ المصنع يشغّل حاليا ما يتراوح بين 60 إلى 65 في المئة من قوته العاملة التي يصل عديدها في الأيام العادية إلى 600 موظف. ويقول "نحن نفتقر إلى الأيدي العاملة. تمّ تجنيد بعض الموظّفين في الجيش، بينما نُقل آخرون إلى مناطق أخرى لأسباب أمنية".
وبالإضافة إلى أكثر من 360 ألف جندي احتياط تمّت تعبئتهم، غادر ما لا يقل عن 125 ألف إسرائيلي منازلهم في جنوب إسرائيل أو في مناطق الشمال الحدودية مع لبنان، والتي تشهد بشكل يومي تبادلاً لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة حيفا بنيامين بنتال إنّه على الرغم من أنّ المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي معتادان على الأزمات، إلّا أنّ "كلّ النزاعات الإسرائيلية الفلسطينية في السنوات الأخيرة كانت محدودة نسبياً مقارنة بالنزاع الحالي".
- قلق محيط بالأجواء
غير أنّه يؤكد أنّ بعض القطاعات تعاني أكثر من غيرها، مشيراً إلى أنّ "قطاع البناء متوقّف". ويوضح أنّ الكثير من العمّال الفلسطينيين كانوا يعملون فيه أُلغيت تصاريح عملهم بسبب الحرب، كما أنّ المواطنين العرب "لم يعد مرحّباً بهم في ورش البناء في إسرائيل".
كذلك، يتأثّر قطاع الفنادق والمطاعم بانخفاض ثقة المستهلكين. وفي مؤشّر على القلق المحيط بالأجواء، انخفض حجم التعاملات عبر بطاقات الائتمان بنسبة 10 في المئة في البلاد بعيد وقوع هجوم حماس واندلاع الحرب، وبـ20 في المئة بعد بدء العمليات العسكرية البرية في غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يبقى أداء قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي القوي الذي يمثّل 18 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، أمراً حاسماً. وفي استطلاع أُجري في نهاية أكتوبر/تشرين الأول بين 500 شركة في القطاع، أفاد 70 في المئة منها بأنّه تمّ إلغاء أو تأجيل طلبيات ومشاريع مهمّة منذ بداية الحرب.
وبينما خفّض العديد من المعاهد الاقتصادية توقّعات النمو للعامين 2023 و2024، يُظهر بنك إسرائيل تفاؤلاً نسبياً، متوقعا نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.8% العام المقبل.
غير أن بنتال يشير إلى أنّ "السيناريوهات مرتبطة بشروط عدة، إذ إنّ تمدّد الصراع في الشمال من شأنه أن يغيّر الوضع تماماً".
وبينما ستؤدّي الحرب إلى إنفاق مليارات الدولارات الإضافية من ميزانية الدولة، فقد وجّه 300 خبير اقتصادي إسرائيلي رسالة مفتوحة الى إلى حكومة الرئيس بنيامين نتانياهو في نهاية أكتوبر/تشرين الأول. وطالبوه باتخاذ تدابير عاجلة، متّهمين إياه بأنّه "لا يفهم حجم الأزمة الاقتصادية التي قد يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي".
عبء مالي هائل
وبحسب بلومبرغ، فإن الحرب تكلف إسرائيل حوالي 260 مليون دولار (238 مليون يورو) يوميًا. ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده، ارتفع العجز في الميزانية الإسرائيلية إلى سبعة أضعاف.
وبحلول نهاية ذلك الشهر، انخفضت العملة الوطنية، الشيكل، إلى أدنى مستوى لها منذ 11 عامًا مقابل الدولار، على الرغم من استقرارها منذ ذلك الحين بعد تدخلات البنك المركزي الإسرائيلي. ومع ذلك، أعلنت وزارة المالية في القدس أنها ستزيد الاقتراض الحكومي بنسبة 75 بالمائة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني.
في مقالة يوم الجمعة التي انتقدت سياسات القدس المقترحة لمعالجة الضغوط الاقتصادية للحرب، لخص كاتب العمود في بلومبرغ، مارك شامبيون، الوضع الاقتصادي الصعب على النحو التالي: “إسرائيل دولة في حالة حرب، مع تضخم نفقاتها، وانخفاض الإيرادات، وتدهور الوضع الاقتصادي، تكاليف الاقتراض في ارتفاع".
aXA6IDMuMTM3LjE2OS41NiA= جزيرة ام اند امز