الاحتجاجات في لبنان اتخذت ثوبها الجديد، تجاوزت كل الاعتبارات وتقف في تيار معاكس مع نظام يقدم أداء ليس محبطاً بل هو كارثي
هناك احتجاجات لها بُعد سياسي خالص، وأخرى لديها بُعد مذهبي أو طائفي، وثالثة ليس لها علاقة تذكر بالسياسة والطائفية وإنما بسوء الأحوال المعيشية والفقر، وموجة رابعة مركبة سياسية اجتماعية طائفية، وأخرى بدأت اجتماعية وتحولت إلى مشهد سياسي ومن ثم حرب أهلية كاليمن وسوريا، ورأينا أيضا قضايا اجتماعية توظف من أجل قضايا سياسية بل تعد جسراً للوصول لسدة الحكم، كما هو المشهد في مصر بعد ثورة 25 يناير.
في لبنان، الاحتجاجات في ثوبها الجديد تجاوزت كل الاعتبارات وتقف في تيار معاكس مع نظام يقدم أداء ليس محبطاً بل هو كارثي، نظام مُتهم بعدم الكفاءة وافتقاره للمساءلة وقائم على المُحاصصة التي عطّلت من تطور الدولة وأهدرت المال العام. ثلث إجمالي عدد السكان اللبنانيين خرجوا إلى الشوارع في أكثر من 60 موقعا مختلفا، بما في ذلك القرى الصغيرة، متجاوزين الانقسامات الطائفية والخطوط الحمراء سنة وشيعة ومسيحيين، ولأول مرة أصبح حسن نصر الله محل جدل وفي زاوية اتهام شعبي، بل إن الجميع يتحدث عن نفوذ وهيمنة حزب الله على القرار السياسي اللبناني والتسلل في مفاصل الدولة، بالإضافة إلى التدخل الإيراني في الشأن الداخلي.
في لبنان، الاحتجاجات في ثوبها الجديد تجاوزت كل الاعتبارات وتقف في تيار معاكس مع نظام يقدم أداء ليس محبطاً بل هو كارثي، نظام مُتهم بعدم الكفاءة وافتقاره للمساءلة وقائم على المُحاصصة التي عطّلت من تطور الدولة وأهدرت المال العام
يوجد في لبنان واحدة من أعلى نسب الديون في العالم، بأكثر من 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ومستويات عالية من البطالة، والبنية التحتية متهالكة، وتدهور الأحوال المعيشية، وأدت الحرب السورية المجاورة إلى تعقيد التحديات الاقتصادية، حيث إن هناك أكثر من مليون سوري في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة. وعلى المدى القريب سيعيش لبنان حالة اقتصادية صعبة جدا ومرحلة من عدم الاستقرار، سيكون هناك ارتفاع بالدولار وانخفاض بقيمة الليرة وبالتالي ارتفاع الأسعار أكثر فأكثر، وستصبح السندات الحكومية في حالة غير مرغوبة.
ومع وضع كارثي كهذا من الصعب أن يجد عون بديلا لسعد الحريري، لذلك طُلب منه قيادة حكومة انتقالية لبعض الوقت، إلا أن حزب الله والأحزاب السياسية الأخرى بما فيها الحركة الوطنية التي يتزعمها الرئيس عون ليست لها مصلحة في السماح لنظام جديد، بعيداً عن المحاصصة، يُقوض سلطتها ونفوذها، كما أنها ترفض أي انتخابات نيابية مبكرة أو الذهاب بالدولة إلى الفراغ السياسي، والحريري بدوره يرفض قيادة حكومة جديدة تعتبر نسخة مشابهة للحكومة الحالية، كما أن رئيس التيار الوطني جبران باسيل مصرٌّ على عدم مغادرة الحكومة الجديدة والذي يعد أحد أبرز الأرقام السياسية في المعادلة اللبنانية، والسؤال هنا: هل يستمر الجمود والتعنت بين الأطراف أو يخضع الرئيس عون للضغط الشعبي ويقدم تنازلات شيئا فشيئا؟
وتؤمن أطراف الاحتجاجات بأنها تستطيع معاقبة الأحزاب القديمة من خلال انتخابات نيابية مبكرة وتكرار سيناريو تونس بتصعيد نسخة من الرئيس قيس سعيد وخلق حكومة تكنوقراطية عابرة للأحزاب، بالإضافة إلى المطالبة بقوانين لاستعادة أموال الدولة ومكافحة الفساد بشتى أشكاله ورحيل الطبقة السياسية، ومطالبات كهذه تثير الذعر في طبقة حزبية طائفية؛ خشية خلق محاكمات شبيهة بتلك في الجزائر والسودان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة