لقاحات كورونا تمهد الطريق لعلاج السرطان.. السر في تقنية "mRNA"
أعادت لقاحات كورونا الأمل للملايين من مرضى السرطان والقلب والأمراض المستعصية بعد إنجاز العلاج في وقت قياسي وبنسبة فاعلية غير مسبوقة.
وخلال مكافحة جائحة "كوفيد-19"، استحدث العلماء أدوات جديدة لاكتشاف وتطوير لقاحات سريعة وفاعلة وذات درجة أمان مرتفعة يرجح أنها ستحول دون الإصابة بالفيروس التاجي.
يحل اليوم العالمي للسرطان 4 فبراير/ شباط من كل عام، ويحمل شعار هذا العالم "هذا أنا وهذا ما سأفعل"، في إشارة إلى قدرة أي إنسان على الحد من تأثير السرطان عليه، وأيضا على الأشخاص من حوله والعالم بأسره.
ويشهد هذا اليوم الدولي المهم اجتماع المختصين حول العالم لتوعية عامة الناس بالسرطان، بهدف إنقاذ الملايين من الوفاة سنويا، فضلا عن تصحيح المفاهيم الخاطئة والخرافات المنتشرة حول المرض.
السرطان مصطلح طبّي يتضمن أكثر من 100 مرض مختلف، ويتميز بنمو الخلايا بشكل غير طبيعي والقدرة على الانقسام والتكاثر واختراق الأنسجة وتدمير السليمة، والانتقال من منظقة إلى أخرى من الجسم.
ابتكار علمي
العالم يدين بالفضل لجائحة كورونا في تسريع استخدام تقنية mRNA، وإظهار ماهية لقاحات الحمض النووي الريبي وما يمكن أن تفعله.
وتعد تقنية "الرنا المرسال" mRNA واحدة من الاكتشافات الناجعة التي توصل إليها العلماء خلال رحلة بحثهم المكوكية عن لقاح فاعل ضد الفيروس التاجي.
هذه التقنية المبهرة، التي تعرف أيضا بـ"الحمض النووي الريبي"، اعتمد عليها اثنان من أهم لقاحات كورونا يتبعان شركتي فايزر/بيونتيك وموديرنا، حيث تستخدم طريقة جديدة لتدريب جهاز المناعة في الجسم على الاستجابة للعدوى.
وهذا تغيير كبير في مسار عمل اللقاحات.. سابقا كانت معظم الأمصال تحتوي على قطعة حقيقية من الفيروس، أو نسخة ميتة أو ضعيفة من الفيروس نفسه.
ورغم أن الباحثين يعملون على تطوير لقاحات mRNA لأمراض السرطان والمناعة الذاتية المختلفة منذ سنوات، فإن لقاحات "كوفيد-19" أول من تستخدم هذه التقنية على نطاق واسع.
قبل سنوات، سعى الباحثون لاختبار هذه التقنية لتجنيد جهاز المناعة لمهاجمة الأورام، خاصة في حالات التصلب المتعدد أو أمراض المناعة الذاتية الأخرى، لكنهم لم يعتمدوها لأي لقاح.
الباحث بجامعة تورنتو آلان كوكري قال إن تقنية mRNA توفر طريقة لتوليد لقاحات محتملة بشكل أسرع عن الطرق التقليدية.
وأوضح أنه باستخدام هذه التقنية يمكن للباحثين تعديل الحمض النووي الريبي المرسال بسرعة لاستهداف مستضدات محددة واختبار أهداف متعددة في نفس الوقت، ما يسهل عملية إنتاج اللقاح.
وأضاف الباحث، الذي يدرس لقاحات فيروس نقص المناعة البشرية، أنه على عكس "كوفيد-19" الذي تحور بوتيرة بطيئة نسبيًا، فإن فيروس نقص المناعة البشرية يتحور بسرعة، ما يعني أن أي لقاح محتمل يجب أن يستهدف طفرات متعددة حتى يكون فعالًا.
وتابع: "فيما يتعلق بلقاح الرنا المرسال لفيروس نقص المناعة البشرية، أستطيع أن أرى أنه يمكنك اختبار مستضدات متعددة في نفس الوقت حتى تتمكن من محاولة التقاط تنوع التسلسلات".
ماهية تقنية mRNA
يعرف الحمض النووي الريبي بأنه "سلسلة من الجزيئات يمكن تجميعها بواسطة أداة معملية"، وهذا أحد أسباب إنتاج لقاحات فيروس كورونا الرنا المرسال بهذه السرعة.
ويشبه الحمض النووي الريبي الحمض النووي (المادة الكيميائية التي تخزن جيناتنا)، حيث يخزن مخططاتنا الجينية بينما يحمل الرنا المرسال نسخة منها إلى المصانع الجزيئية حيث تُبنى أجزاء الخلية.
في لقاحات فيروس كورونا، يحمل الرنا المرسال تعليمات لبناء قطعة من الفيروس، حيث يبني جسم المريض تلك القطعة الفيروسية التي تهيئ جهاز المناعة للاستجابة عندما يهاجمه الفيروس الحقيقي.
سابقا، كان إنتاج اللقاحات التقليدية يعني زراعة كميات كبيرة من الفيروس أو أجزائه في أنظمة معيشية صعبة مثل بيض الدجاج أو أوعية الخلايا، ثم تنقيته لإنتاج منتج آمن.
قبل استخدامها في اللقاحات، كان الباحثون ينظرون إلى mRNA كطريقة لعلاج الحالات المعقدة، لكن لم تجر عليها ما يكفي من أبحاث لأسباب عديدة.
ودفع إلحاح جائحة الفيروس التاجي إلى تسريع تطوير هذه التقنية، حيث تدفقت الكثير من الأموال على الأبحاث في mRNA ما سمح للباحثين بتحقيق قفزات إلى الأمام في البحث والتطوير.
الرنا المرسال للأورام
يتوقع العلماء نتائج واعدة في لقاحات الرنا المرسال للسرطان. في حين أن الأدوية الموجودة لا تستهدف سوى عدد قليل من الطفرات المحددة الشائعة في الخلايا السرطانية، يمكن تخصيص لقاحات mRNA لورم المريض الفردي.
نُشرت أول تجربة سريرية مبكرة للقاح mRNA في عام 2017 في مجلة Nature، حيث أخذ باحثون من BioNTech وزملاؤهم أورامًا تمت إزالتها من 13 مريضًا مصابًا بسرطان الجلد.
قرأوا الجينوم الكامل للخلايا السرطانية وحددوا 10 طفرات في كل ورم، وأعطى الباحثون لكل مريض لقاحًا فريدًا من الرنا المرسال يعتمد على الطفرات في أورامهم.
كان 8 من هؤلاء المرضى لا يزالون خالين من الأورام عندما فحصهم العلماء مرة أخرى بعد عام أو عامين، وهو معدل مرتفع بشكل غير متوقع، لكن هناك حاجة إلى دراسة أكبر قبل طرح العلاج في السوق.
وتتابع شركات أخرى لقاحات سرطان mRNA أيضًا، بما في ذلك شركة Moderna، المصنعة للقاح mRNA COVID-19 الأخرى.
كما ينظر الباحثون إلى تقنية mRNA كعلاج للأمراض والالتهابات التي كافح العلم منذ فترة طويلة لإنتاج لقاحات لها، حتى إن بعض الأبحاث تبحث في علاج إدمان الكحول باستخدام هذه التكنولوجيا.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDIuNDgg جزيرة ام اند امز