لا رافيولي ولا دجاج مشويا.. قواعد صارمة ومفاجئة لوجبات الكرادلة

مع انطلاق أعمال الكونكلاف في 7 مايو/أيار، لاختيار خلف للبابا فرنسيس الذي تُوفي في 21 أبريل/نيسان، تتجه الأنظار نحو كنيسة السيستين.
هناك، سيجتمع الكرادلة لإجراء التصويت، وفي كل يوم، سيتناولون وجباتهم معا في الكافتيريا، ولكن، خلف جدران الفاتيكان المغلقة، حتى الطعام يخضع لقواعد صارمة، بين نظام غذائي متقشف، ومراقبة مشددة، وتقاليد ضاربة في القدم... ما الذي يتناوله الكرادلة فعليًا عند اختيار البابا الجديد؟ بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
فبعد كونكلاف طويل استمر ثلاث سنوات وانتهى عام 1274، فرض البابا جريجوريوس العاشر قواعد جديدة، استهدفت معدة الكرادلة، وبهدف تسريع القرار، فرض نظام تقنين غذائي، وفق ما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كانت القواعد قاسية فبعد ثلاثة أيام دون توافق، يُسمح بوجبة واحدة يوميًا فقط، وبعد ثمانية أيام، يُقتصر الأمر على الخبز والماء.
أما اليوم فباتت القيود أقل حدة، لكن الفكرة الأساسية لا تزال قائمة: التقشف لتحفيز التبصر والحكمة. كما عنونت صحيفة كوريري ديلا سيرا الإيطالية عام 2013، فإن الأطباق المقدمة خلال الكونكلاف "تشبه طعام المستشفيات": شوربة، سباجيتي، أسياخ لحم غنم، وخضراوات مسلوقة. ويتم إعداد هذه الأطعمة من قبل راهبات بيت القديسة مارتا، حيث يقيم الكرادلة المحاطون بالسرية التامة طوال فترة الكونكلاف.
وجبة تحت أعين الحراسة
رغم أن الكنيسة لم تعد تُقدّم الخبز الجاف، فإن يقظتها لم تتراجع، فمنذ قرون، اعتُبرت الوجبات وسيلة محتملة للغش أو تمرير رسائل سرّية، رافيولي محشي قد يُخفي رسالة غير قانونية، أو منديل مطوي قد يُخبّئ اتصالًا سريًا، أما الدجاج المحشو أو المشوي، والفطائر المغلقة، فاعتُبرت تهديدًا محتملاً.
ومنذ عصر النهضة، طُوّر نظام مراقبة دقيق، إذ وصف الطباخ الشهير بارتولوميو سكابي، الذي خدم البابوين بيوس الرابع والخامس، في مؤلفه الصادر عام 1570 (فن الطهي) لوجستيات شديدة الدقة: كل طبق يُختبر، المشروبات تُقدَّم في كؤوس شفافة، المناديل تُفرد وتُفتش، والأطعمة تُسلَّم عبر دولاب مدمج في الجدار دون أي تواصل مباشر. وكان جيش من الحرس السويسري والإيطالي يشرف على كل مرحلة.
وليمة أخيرة قبل الصمت
وفي مواجهة هذه الحمية المتقشفة، لا يتردد الكرادلة في الاستمتاع بمأكولات روما الشهية قبيل بدء الكونكلاف (اختيار البابا) وغالبًا ما يُرصدون في الأيام التي تسبق الحدث، وهم يجلسون في أرقى مطاعم الفاتيكان.
"اطهوا لي معكرونة كاربونارا لذيذة، لأنه بعد اليوم الثالث من الكونكلاف، سيُقدَّم لنا فقط الخبز والماء!"، هكذا مازح الكاردينال الكندي توماس كريستوفر كولينز، في أحد مطاعم روما عام 2013، وفق مجلة "لوبوان" الفرنسية. أما الكاردينال الفرنسي جان-لويس توران، فكان معروفًا بحبه للبيتزا واللحوم المشوية.
مطبخ يتحدث.. حتى الصمت يصبح رسالة
في فيلم Conclave الذي صدر عام 2024، لا تدور أكثر المشاهد توترًا عند المذبح، بل في الكافتيريا، ما بين نظرات، همسات، وصمت ثقيل حول طبق من المعكرونة، كل ذلك يكشف ما لا يُقال، إذ الطعام يتحول إلى مسرح موازٍ، تتقاطع فيه التحالفات وتظهر التوترات.
ورغم أن هذه المشاهد خيالية، فإنها تعكس حقيقة واضحة: "ما نأكله، وكيف نأكله، ومع من نأكل، له دلالة بليغة"، كما جاء في الفيلم. ففي الكونكلاف، حتى الصمت حول طبق شوربة قد يتحول إلى لغة.
لكن اليوم، في عصر التكنولوجيا المتقدمة، لم يعد الفاتيكان يخشى الرسائل المخفية في طبق رافيولي بقدر ما يخشى المعلومات المخزنة في هاتف ذكي. لذا، في كونكلاف 2025، تطورت أدوات المراقبة: تفتيش إلكتروني صارم، وحظر تام لجميع الأجهزة المتصلة. أما الطعام، فرغم استمراره في الخضوع للرقابة، أصبح الآن رمزًا أكثر منه تهديدًا.
aXA6IDMuMTM2LjI2LjE3IA== جزيرة ام اند امز