كارنيجي: طريق مفتوح أمام قوات مسلحة إماراتية أكثر احترافية
بعد عقدين من الاستثمار والخبرة العملياتية أضحت القوات المسلحة الإماراتية -التي أطلق عليها "إسبرطة صغيرة"- أحد الجيوش الرائدة بالمنطقة.
جاء ذلك في دراسة نشرها مركز "مالكوم كير-كارنيجي" للشرق الأوسط، سلط خلالها الضوء على التطور الكبير الذي تعيشه القوات المسلحة الإماراتية.
وجاء في الدراسة، التي كتبها حجاب شاه وميليسا دالتون، أن الإمارات اكتسبت اهتمامًا عالميًا بالمنطقة وكونها أقرب الشركاء العسكريين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ويقدر الباحث الأمريكي كينيث بولاك أن القوات المسلحة الإماراتية هي الأكثر قدرة بين الدول العربية، فلدى الإمارات فرصة للاستفادة من هذه التطورات لتصبح مؤسسة عسكرية محترفة من خلال بناء التخطيط الاستراتيجي وقدرات تطوير القوة، وتمكينها من تحديد أولوياتها الإقليمية وهيكل قوتها، والالتزام بالمبادئ الدولية للسلوك العسكري المحترف.
وأوضحت الدراسة أن الاحتراف العسكري يشمل فهم القيادة والاستراتيجية والتاريخ والتكتيكات ومجالات القتال والتنظيم والتكنولوجيا والقدرات، كما يتضمن أيضا التزاما بالسلوك الأخلاقي وإدماج الدروس المستفادة لتطبيقها والمضي قدما، حيث تصبح جزءا من المؤسسة، وجميعها عناصر تتوافر بالقوات المسلحة الإماراتية.
وأشارت إلى أنه إذا تم تطوير قدرات التخطيط الاستراتيجي لدولة الإمارات، ستتمكّن من مطابقة أولويات الدفاع بشكل أفضل مع الموارد.
ويمكن ربط الاستثمارات -حسب الدراسة- في قدرات التخطيط الاستراتيجي لدولة الإمارات بنهج متكامل لتطوير الصناعة الدفاعية والتكنولوجية، ليس لبناء القاعدة الصناعية لدولة الإمارات وحسب، بل أيضًا لإطلاق المزيد من الفرص للإنتاج المشترك والتطوير مع الولايات المتحدة والشركاء الأجانب الآخرين.
ومن أجل رفع احترافية مؤسستها العسكرية والحفاظ على شراكات التعاون الأمني الرئيسة، مثل الولايات المتحدة، وفقا للدراسة، يجب على دولة الإمارات أولا: اتخاذ خطوات عدة، أولها الاستثمار في قدرات التخطيط الاستراتيجي لديها لمطابقة الأولويات بشكل أفضل مع الموارد.
وثانيا، يتعين على الإمارات الاستثمار في فرص البحث والتطوير الدفاعية المشتركة مع الولايات المتحدة وبناء إطار تنظيمي لأمن التكنولوجيا والرقابة على الصادرات، وأخيرا، يجب أن تعزز احترافية مؤسستها العسكرية لإضفاء مزيد من الشرعية مع الشركاء الرئيسيين من خلال بناء تدابير الرقابة والمساءلة والشفافية.
الأولويات والأداء
بحسب الدراسة، تسلط أولويات وأداء المؤسسة العسكرية الإماراتية الضوء على أهداف حكومتها لحماية دور الدولة ونفوذها وتطوير نفسها كقوة، ولقد اتبعت الإمارات، بالشراكة مع الحلفاء الإقليميين والدوليين الرئيسيين، استراتيجية أمنية تتضمن تسخير مواردها البشرية والطبيعية، وبناء أجهزتها العسكرية والأمنية الوطنية، وتأسيس عمق استراتيجي من خلال المنشآت العسكرية الأجنبية والانتشار وتطوير شراكاتها مع السعودية والولايات المتحدة وشركاء رئيسيين آخرين.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك ثلاثة مجالات رئيسة ذات أولوية تعلو على البقية بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإماراتية، أولها، مواجهة التهديدات الإيرانية؛ وثانيا، الحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن، ولا سيما ضد تهديد الجماعات السياسية والإرهابية المتطرفة؛ وثالثا، أن تصبح قوة عسكرية تعتمد بشكل متزايد على نفسها.
التهديدات الإيرانية
تمثل إيران، حسب الدراسة، تحديا أمنيا للإمارات، إذ يدور بين البلدين نزاع إقليمي طويل الأمد على ثلاث جزر إماراتية تحتلها إيران (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، وهي الجزر المتاخمة لممرات الشحن الاستراتيجية الهامة لكلا البلدين.
علاوةً على ذلك، تساور الإمارات مخاوف جدية بشأن أنشطة وكلاء إيران في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن، بالإضافة لتطوير إيران لقدراتها الصاروخية الباليستية بشكل يمثل تهديدا لجيرانها.
كذلك، تواصل الإمارات مراقبة تطور إيران النووي عن كثب، وأصبحت الإمارات مؤخرا أول دولة عربية تفتتح محطة للطاقة النووية، وتشكّل المنافسة الإيرانية تهديدا كبيرا لنفوذ دول الخليج العربي على الشرق الأوسط.
كذلك يمثل احتواء الإرهاب أولوية قصوى لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى وجه الخصوص، تم تحديد جماعات سياسية مثل الإخوان والقاعدة وداعش باعتبارهم يشكلون تهديدًا للسلم والأمن في المنطقة.
الاعتماد على الذات
رغم علاقة الإمارات الوثيقة مع دول مثل الولايات المتحدة، فهي تعمل على الحد من اعتمادها على الشركاء الأجانب، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تركز دولة الإمارات جهودها على رفع مستوى مجالين رئيسيين، الصناعة الدفاعية، وقدرات الأفراد العسكريين.
وتتميز فعالية المؤسسة العسكرية الإماراتية باتباع الفئات الشاملة التالية، السياسات والعقيدة، والمعدات والتدريب والتعليم والتمارين، والعمليات، والمؤسسات.
ورغم أن الإمارات غالبًا ما يشيد بها بشكل خاص مسؤولو الدفاع الأمريكيين باعتبارها تمتلك القوة العسكرية الأكثر قدرة وفعالية من بين دول مجلس التعاون الخليجي، لكي تصبح قوة محترفة تمامًا، يجب عليها الاستثمار في قدرات التخطيط الاستراتيجي وتقييم ودمج الدروس المستفادة من حرب اليمن.
ويمثل الأمن أولوية قصوى بالنسبة إلى دولة الإمارات، التي يقدر إنفاقها الدفاعي بما يتراوح بين 11.9 و14% من إجمالي ميزانيتها، وفقا للدراسة.
وبالإضافة إلى شراء المعدات، تتطلّع الإمارات إلى تطوير قدراتها الخاصة في نفس المجال، إلى حد كبير من خلال جهود الصناعة الدفاعية، وتسعى كذلك إلى العمل مع دول أخرى لتطوير المعدات.
كما استثمرت المؤسسة العسكرية الإماراتية بشكل كبير في تدريب وتعليم ضباطه العسكريين، داخل الدولة وخارجها، وتوفر المؤسسات التعليمية العسكرية والدفاعية المحترفة داخل دولة الإمارات مجموعة من التدريبات.
وتُعتبر الإمارات والولايات المتحدة من الدول الموقّعة على اتفاقية التعاون الدفاعي الثنائية لعام 2019، وهي وسيلة لتعزيز التنسيق وقابلية التشغيل البيني والعمليات المشتركة، وتشمل مهمة التدريب الأمريكية داخل الإمارات والولايات المتحدة تدريب الطيران والدفاع الصاروخي وتدريب العمليات الخاصة وتمارين المدفعية والاستطلاع والمناورة.
ووفقا للدراسة، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة تقدمًا ملحوظًا في بناء إحدى أقوى القوات المسلحة في المنطقة على مدى العشرين عامًا الماضية، ومع ذلك، يجب أن تُجري تطويرا مهما يتعلق بخطة مستدامة لتأمين أهدافها في المنطقة كمؤسسة عسكرية محترفة بالكامل ولضمان شراكات دائمة مع دول مثل أستراليا وفرنسا والولايات المتحدة.
ولتحقيق هذه الخطة فإنه أمام الإمارات، حسب الدراسة عدة أولويات:
أولًا، سوف تحتاج الإمارات إلى الاستثمار في قدرات التخطيط الاستراتيجي لتحديد أولوياتها بشكل أفضل بما يتوافق مع مواردها، ويجب أن يشمل ذلك أيضا الاستثمارات في المؤسسات للدروس الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية المستفادة وحلقات التغذية الراجعة للاستفادة منها في التخطيط المستقبلي للقوات.
ثانيًا، يجب على الإمارات أن تسعى إلى تحقيق مكاسب كبيرة في البراعة العملياتية والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة والشركاء الرئيسيين الآخرين على مدى العقد الماضي، كوسيلة للوصول للحفاظ على مؤسستها العسكرية محترفة.
وأخيرًا، يجب على الإمارات العربية المتحدة العمل مع شركاء مثل الولايات المتحدة لمتابعة فرص التطوير المشترك للتقنيات العسكرية الجديدة.
ومن خلال تسخير الصناعة الإماراتية، يمكن لفرص البحث المشتركة أن تعود بالفائدة على المؤسستين العسكريتين الإماراتية والأمريكية، وسيتطلب تعزيز هذا الشكل من الشراكة بروتوكولات أمنية تقنية معززة وبنية تحتية لمراقبة الصادرات لتنظيم التطوير في دولة الإمارات وجعلها تتماشى مع مستوى الشركاء الدوليين المتقدمين الآخرين والمؤسسات الدفاعية والعسكرية المحترفة.
وتشترك الولايات المتحدة ودولة الإمارات في مصلحة طويلة الأمد من أجل بناء الشفافية الدفاعية والمؤسسات القوية التي يمكن أن تمتد إلى مستقبل ما بعد النفط في المنطقة.
aXA6IDMuMjEuMjEuMjA5IA== جزيرة ام اند امز