إيران وإسرائيل.. مشاحنات ما وراء الحدود تهدد بانفجار في القوقاز
تختمر ملامح أزمة جديدة في منطقة القوقاز مع تصاعد المشاحنات بين إسرائيل وإيران ما وراء الحدود.
وشهدت الفترة الماضية قيام إيران بتعزيز تواجدها العسكري على حدودها مع أذربيجان، في نزاع بين الجارتين يتعلق بإسرائيل.
وأشار الكاتبان ذو الفقار أجاييف وجولنار موتيفالي في تحليل نشرته وكالة "بلومبرج" للأنباء إلى أن ما بدأ كاستعراض محلي للعضلات، يمكن أن يتطور إلى مواجهة أكثر خطورة قد تكون لها تداعيات أوسع على منطقة تتقاطع فيها خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز الطبيعي إلى الغرب، تماما كما تتقاطع فيها المصالح القوية لروسيا وتركيا.
وقد بدأت التوترات الأخيرة عندما زعمت إيران أن أذربيجان تسمح بتواجد للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية الأذربيجانية.
وأجرت إيران تدريبات عسكرية بالقرب من الحدود المشتركة في الأول من تشرين أول/أكتوبر الجاري، وربطت بينها وبين "تواجد إسرائيل".
وينفى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف استضافة قوات إسرائيلية، ورد بإجراء مناورات عسكرية مع الحليفة تركيا.
وبشكل عام، يثير تقارب باكو مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بتجارتها العسكرية، قلق طهران، التي تشتبه في أن إسرائيل تقف وراء هجمات سرية استهدفت برنامجها النووي.
ورغم أن إيران وأذربيجان دولتان مسلمتان بهما أغلبية شيعية وتربطهما علاقات عرقية ولغوية وتاريخية قوية، هناك توترات بينهما منذ الحرب التي دارت العام الماضي بين أذربيجان وأرمينيا المجاورة على صلة بمنطقة ناغورني قرة باغ.
وأسفرت تلك الحرب عن استعادة أذربيجان مناطق على امتداد 130 كيلومترا (81 ميلا) من حدودها مع إيران، والتي كانت أرمينيا تسيطر عليها منذ التسعينيات. كما استعادت جزءا من الطريق السريع الرئيسي الذي يربط إيران بأرمينيا عبر أذربيجان، وهو طريق تجاري مهم إلى البحر الأسود وروسيا.
وقامت أذربيجان بفرض ضريبة عالية على الشاحنات الإيرانية التي تنقل البضائع إلى أرمينيا، وهو ما أثار غضب إيران، حيث أنه أدى في الواقع إلى شل حركة التجارة بينهما وقوّض وصول إيران إلى الأسواق الأبعد.
واتهم علييف إيران بتجاهل مطالب وقف تسليم البضائع للأرمن قرة باغ. وتجري إيران وأرمينيا حاليا مشاورات بشأن طريق بديل يبعد تجارتهما البينية عن أذربيجان.
ولفت تحليل بلومبرج إلى أن نشوب صراع بين إيران وأذربيجان قد يؤدي إلى تعرض مشاريع طاقة في المنطقة للخطر. وقد استثمرت شركة "بي بي" البريطانية وشركاؤها أكثر من 70 مليار دولار في مشاريع تطوير الطاقة والنقل في أذربيجان منذ عام 1994.
ومن بين المشاريع خط أنابيب يبلغ طوله 1768 كيلومترا (1098 ميلا) يربط إنتاج بحر قزوين بميناء جيهان التركي على البحر المتوسط.
وساعدت أذربيجان في القيام بمد ّ3500 كيلومتر (2174 ميلا) من أنابيب نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا. وبدأت أذربيجان تصدير الغاز في 31 ديسمبر/ كانون أول إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومن بينها اليونان وإيطاليا، عبر "ممر الغاز الجنوبي" المدعوم من الولايات المتحدة.
وحول إمكانية تصاعد التوترات إلى صراع يقول الكاتبان إن الحقيقة هي أن القلق الإيراني من علاقة أذربيجان بإسرائيل ليس جديدا، إلا أن التدريبات العسكرية على الجانبين مؤشر قوي على ارتفاع حدة التوتر بشكل غير عادي. وحذر المرشد الإيراني علي خامنئي في خطاب ألقاه في الثالث من أكتوبر/ تشرين أول دول الجوار من إيواء جيوش أجنبية.
ورغم أنه لم يذكر اسم أذربيجان صراحة، فقد ترجم حسابه الرسمي على موقع تويتر تصريحه إلى اللغة الأذرية.
وما يزيد الأمور تعقيدا هو السكان الأذربيجانيون في إيران نفسها، حيث يشكلون ما يقرب من ثلث سكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وهناك تقارب قوي بين كثيرين منهم وبين أذربيجان، وسيحرص المسؤولون الإيرانيون على تجنب تأجيج أية اضطرابات انفصالية إذا ما تفاقمت حدة التوترات.
سرعان ما سيستتبع أي قتال تدخل تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع أذربيجان في يونيو/ حزيران، وتعهدت بموجبه بتقديم "المساعدة الضرورية" في حالة الهجوم.
ولطالما كانت تركيا الداعم العسكري الرئيسي لأذربيجان، ودعمتها علنا بالأسلحة والمستشارين خلال القتال مع أرمينيا. وتقوم حاليا، إلى جانب روسيا، بنشر قوات لمراقبة وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا.
وتمتلك روسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا، وهناك اتفاق دفاعي بين البلدين، بينما توترت علاقات موسكو مع أذربيجان بعد الحرب، وسط خلافات بشأن اتفاقية الهدنة.
تعتبر إيران علاقات باكو وإسرائيل تهديدا لأمنها القومي. ومنذ سنوات، يُشتَبه في أن إسرائيل تستغل العلاقات للتجسس على إيران من خلال معدات مثل طائرات المراقبة بدون طيار. وتعد "خدمة حدود الدولة" في أذربيجان هي المستقبل الرئيسي لمعدات الاستخبارات الإسرائيلية المتطورة والطائرات بدون طيار الهجومية.
وتتهم إيران إسرائيل بالوقوف وراء العديد من الهجمات التي استهدفت منشآتها النووية، فضلا عن اغتيال خمسة من علمائها، وكان من بينهم أكبر خبير نووي إيراني العام الماضي.
وتعتبر أذربيجان مورّد نفط رئيسي لإسرائيل، التي تبيع لها في المقابل طائرات بدون طيار عالية التقنية وأسلحة أخرى، كانت حاسمة في مساعدة علييف للانتصار في الحرب مع أرمينيا. ووفقا لـ"معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" كانت إسرائيل ثاني أكبر مورّد للأسلحة لأذربيجان في الفترة من 2011 إلى 2020، بعد روسيا.
ووفقا للمعهد أيضا، مثّلت صادرات الأسلحة إلى أذربيجان 17% من إجمالي صادرات إسرائيل من الأسلحة الكبيرة من 2016 إلى 2020.