المركزي المصري يسحب السيولة من البنوك.. ضبط السوق واحتواء التضخم

في خطوة استباقية لتعزيز الاستقرار النقدي، أعلن البنك المركزي المصري اليوم عن سحب سيولة بقيمة 154.7 مليار جنيه (ما يعادل حوالي 3.17 مليار دولار) من 19 بنكًا عاملاً في السوق المحلية.
ويأتي هذا الإجراء ضمن عطاءات السوق المفتوحة، وهو الثالث من نوعه منذ قرار لجنة السياسة النقدية الأخير بتثبيت أسعار الفائدة.
ويهدف هذا الإجراء، الذي يعد أحد الأدوات الرئيسية للبنك المركزي، إلى امتصاص فائض السيولة لدى القطاع المصرفي، وبالتالي تقليل المعروض النقدي والحد من الضغوط التضخمية، في إطار استراتيجيته الشاملة لتحقيق استقرار الأسعار.
استقرار أسعار الفائدة وتوقعات مستقبلية
يأتي هذا التحرك بعد أن قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في اجتماعها بتاريخ 10 يوليو/تموز 2025، الإبقاء على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير، حيث تم تثبيت سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 24.00% و25.00% على التوالي، وسعر العملية الرئيسية عند 24.50%.
وأشار البنك المركزي في بيانه إلى أن التطورات الإيجابية في معدلات التضخم العام والأساسي قد حسّنت من التوقعات المستقبلية. ومن المتوقع أن تظل معدلات التضخم عند مستوياتها الحالية حتى نهاية عام 2025، لتبدأ مسارًا هبوطيًا تدريجيًا خلال عام 2026.
وقد شهد معدل التضخم السنوي في مصر تراجعًا ملحوظًا خلال شهر يونيو/حزيران 2025، حيث سجل 14.9% مقارنة بـ 16.8% في مايو/أيار من نفس العام، مما يمثل أول تباطؤ بعد ثلاثة أشهر من الارتفاعات المتتالية.
خطوة لضبط السوق
أجمع خبراء مصرفيون على أهمية هذه الخطوة، حيث أوضح الخبير المصرفي الدكتور أحمد شوقي أن البنوك التي لديها فائض في السيولة عادة ما توجهها نحو الإقراض أو الاستثمار في أدوات الدين الحكومية. وأضاف: "ترك سيولة فائضة لدى البنوك يؤدي إلى زيادة منح القروض، مما يرفع من وتيرة الاستهلاك وبالتالي يؤجج التضخم. سحب هذه السيولة هو آلية فعّالة لتحجيم الإقراض والسيطرة على الأسعار".
من جانبه، علّق الخبير المصرفي محمد عبد العال بأن هذه الخطوة تحقق أهدافًا متعددة. وقال في تصريحاته: "البنك المركزي يهدف إلى تجفيف السيولة لتقليل الطلب على السلع والخدمات، وهو ما يصب مباشرة في صالح خفض معدلات التضخم".
وأضاف عبد العال أن المركزي "ضرب عدة عصافير بحجر واحد"، فهو لم يقلل حجم السيولة فحسب، بل اتبع أفضل الممارسات الدولية في إدارة الفائض النقدي، وساهم في توجيه أسعار الفائدة في السوق المفتوحة لتتناسب مع أسعار "الكوريدور" الرسمية، مما يمكّن البنوك من تقديم منتجات ادخارية بأسعار فائدة جاذبة للمواطنين.
مؤشرات اقتصادية مبشرة
تتزامن هذه الإجراءات مع مؤشرات إيجابية أخرى للاقتصاد المصري، حيث أشار الخبراء إلى بدء تعافي تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي تعد ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية، مع توقعات بعودتها لتجاوز حاجز 30 مليار دولار سنويًا. كما أن التحول نحو تحقيق فائض في ميزان المدفوعات يعكس نجاح سياسة مرونة سعر الصرف، ويبشر بمستقبل أكثر استقرارًا للاقتصاد المصري.