سر الغابة المقلوبة.. لماذا يتجاهل العالم الكنز المدفون في «سيرادو»؟
بينما يرحب العالم بتراجع عمليات إزالة الغابات في الأمازون، تتعرض منطقة سيرادو، الأقل شهرة، لخطر غير مسبوق، رغم أهميتها للبيئة والمناخ
كشفت البيانات الصادرة عن المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء عن نتائج إيجابية فيما يتعلق بحماية الأمازون خلال العام الماضي؛ حيث انخفضت التنبيهات بنسبة 50% في جميع ولايات الأمازون البرازيلية مقارنة بعام 2022.
في المقابل، ارتفعت التنبيهات بشأن إزالة الغابات لأغراض التوسع الزراعي في منطقة سيرادو، بنسبة 43%، لتصل إلى مستوى قياسي، مما يعني أنها تتعرض لأضرار غير مسبوقة.
يشير خبراء إلى أن الاهتمام العالمي بمنطقة الأمازون وحدها في جميع المفاوضات الدولية بشأن المناخ والتنوع البيولوجي، انعكس بوضوح على الجهود التي تبذلها البرازيل لوقف إزالة الغابات المطيرة بالمنطقة، لكنه تسبب في تجاهل مناطق أخرى لا تقل أهمية، أبرزها منطقة سيرادو.
- دراسة: مستويات المياه الجوفية تنخفض بسرعة جنونية في العالم
- الخطر يحاصر رئة الأرض.. الاحتباس الحراري يعمق جفاف الأمازون
ما هي سيرادو؟
تعد منطقة سيرادو ثاني أكبر منطقة حيوية في أمريكا الجنوبية بعد الأمازون، وهي مساحة بيئية واسعة من السافانا الاستوائية تقع غالبيتها العظمى داخل البرازيل، وتمتد بشكل هامشي إلى باراغواي وبوليفيا المجاورتين،
تغطي سيرادو مساحة تزيد عن 7800 كيلومتر مربع، أي حوالي 23% من أراضي البرازيل، وهي مساحة أكبر من المكسيك وتعادل أربعة أضعاف مساحة فرنسا، وتعتبر مصدرًا رئيسًا للمياه في معظم أنحاء أمريكا الجنوبية.
تعرف سيرادو بأنها السافانا الأكثر تنوعًا بيولوجيًا في العالم، حيث يكتشف بها العلماء أنواعًا جديدة كل عام، بجانب أنها موطن لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الحيوانات البرية والأنواع المهددة بالانقراض مثل الذئب ذو العرف وآكل النمل العملاق.
على الرغم من أن سيرادو توصف بأنها منطقة سافانا استوائية في العموم، إلا أنها تضم أيضًا مساحات واسعة من الغابات، وكلاهما حيوي ومهم لإبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري، عن طريق امتصاص الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه في باطن الأرض.
فقدت منطقة سيرادو حوالي 52% من مساحتها الأصلية، وفقًا لأحدث التقديرات الصادرة عن MapBiomas، وهو تعاون بين شركات التكنولوجيا والجامعات والمنظمات غير الربحية بالبرازيل.
تسببت عمليات التوسع الزراعي والرعي في معظم المساحة المفقودة، وبالمقارنة، فقدت منطقة الأمازون نحو 18.5% من مساحتها الأصلية، لنفس الأسباب تقريبًا.
بشكل عام، تتنوع أسباب إزالة الغابات في جميع أنحاء العالم، لكن أبرزها على الإطلاق، هو التوسع الزراعي لإنتاج الغذاء، وذلك عبر تغيير استخدام الأراضي وتحويلها إلى مزارع لفول الصويا أو مراعي للماشية من أجل إنتاج اللحوم.
بالوعات كربون ضخمة
يُطلق على منطقة سيرادو أحيانًا اسم "الغابة المقلوبة"، حيث يصل عمق أنظمة جذور تخزين الكربون الموجودة بها إلى 15 مترًا تحت الأرض.
وفقًا لبيانات معهد IPAM البيئي لتقدير انبعاثات الكربون الناتجة عن إزالة الغابات، يخزن كل هكتار في منطقة سيرادو من 25 إلى80 طناً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، اعتمادًا على نوع الغطاء النباتي. بالمقارنة، لدى الأمازون أشجار ذات جذور ضحلة نسبيًا، لكن يمكنها تخزين ما متوسطه 165 طنًا لكل هكتار.
بخلاف الكربون، تخزن أنظمة جذور سيرادو المياه أيضًا، وتلعب دورًا مهمًا لتجديد معظم أحواض مستجمعات المياه البرازيلية، بالإضافة إلى دورها الحيوي في تجديد الطبقات الجوفية الرئيسة بالمنطقة، حتى باتت تعرف بـ "خزان مياه البرازيل".
كما تغذي الأنهار التي تولد في أحواض سيرادو البرازيلية جميع المناطق الأحيائية الأخرى داخل البلاد، بما في ذلك أجزاء من الأمازون، وتصب أيضًا في أحواض بدول أخرى مثل بوليفيا وباراغواي وأوروغواي والأرجنتين.
يقول الخبراء إن هذه الأنظمة الطبيعية تستغرق قرونًا حتى تنضج وتتمكن من تخزين كميات ضخمة من الكربون والمياه على حد سواء، لذا لا يمكن استعادتها بسهولة في حال فقدت أو تحولت إلى مراعي أو أراض زراعية.
وجدت الأبحاث المنشورة في عام 2023 أن الأنهار داخل منطقة سيرادو فقدت 15.4% من مياهها السطحية منذ عام 1985 بسبب إزالة الغابات وتغير المناخ.
تشير التقديرات الأخرى إلى أن سيرادو ستفقد حوالي 34% من المياه السطحية الموجودة بها بحلول عام 2050 إذا استمرت إزالة الغابات بالمعدلات الحالية.
تهدد إزالة الغابات أيضًا التنوع البيولوجي للمنطقة الأحيائية، مما يعرض 137 نوعًا من الحيوانات للخطر، بما في ذلك اليغور والمدرع العملاق، وفقًا للقائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.
أسباب إزالة الغابات في سيرادو
تتعدد أسباب إزالة الغابات في سيرادو، من أبرزها أن المنطقة لا تتمتع بشهرة دولية مثل منطقة الأمازون، التي أصبحت جزءًا مهمًا من مفاوضات المناخ والطبيعة في السنوات الأخيرة، مما انعكس بوضوح على الإجراءات وتدابير الحماية المحلية في سيرادو، التي باتت أقل صرامة بكثير مقارنة بمنطقة الأمازون.
على جانب أخر، يقع حوالي 60% من النباتات المتبقية في سيرادو ضمن ممتلكات خاصة، بينما 8.21% فقط من أراضيها تنتمي إلى المناطق المحمية من الدولة، مما يجعلها المنطقة الأحيائية الأقل حماية في البلاد، وفقًا لبيانات صادرة عن IPAM.
في حين أن 80% من المساحة داخل كل ملكية خاصة في منطقة الأمازون يجب أن تكون مغطاة بالنباتات الطبيعية بموجب التشريعات الحالية، فإن 20% إلى 35% فقط من كل ملكية خاصة في سيرادو يخضع لهذا الشرط.
وفي الوقت الذي تجرم فيه القوانين الموجودة حاليًا الكثير من عمليات إزالة الغابات في سيرادو، إلا أن بعض القواعد المعمول بها حاليًا تسمح بتطهير ما لا يقل عن 30 مليون هكتار (74 مليون فدان) من المنطقة الأحيائية بشكل قانوني، وهي مساحة أكبر من المملكة المتحدة.
تحولت حوالي نصف المساحة المفقودة في منطقة سيرادو بين عامي 1985 و2022 إلى مراعي للماشية، بينما تستخدم البقية لزراعة الحبوب وفول الصويا، وفقًا لبحث أجرته MapBiomas.
يقول البحث أيضًا إن فول الصويا، الذي تُعد البرازيل أكبر مصّدر له في العالم، يحتل ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية في سيرادو.
حماية سيرادو
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعادت حكومة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إطلاق خطة لحماية سيرادو، وأحيت المقترحات التي تخلى عنها سلفه اليميني المتطرف، غايير بولسونارو.
من بين أهداف الخطة، تأميم المزيد من الأراضي المملوكة لأشخاص أو شركات، وتحويلها إلى محميات تابعة للقطاع العام، بجانب الحفاظ على المناطق المحمية بالفعل، وتحسين تتبع الحرائق وإزالة الغابات، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلقت الحكومة أيضاً برنامجاً لتقديم الدعم للمزارعين لإعادة إحياء المراعي المتدهورة أو تحويلها للزراعة، مما يمنحهم وسيلة لتعزيز الإنتاج دون الانتقال إلى مناطق جديدة.
في المقابل، يلزم البرنامج المزارعين بالتوقف عن تطهير المزيد من المناطق الطبيعية داخل ممتلكاتهم في منطقة سيرادو.
تفكر الحكومة البرازيلية أيضًا في إنشاء صندوق Biome Fund، على غرار صندوق الأمازون، لجمع الأموال من الحكومات الأجنبية من أجل دعم جهود الحفاظ على البيئة في المنطقة.
في الوقت نفسه، تدعو بعض المبادرات إلى إصلاح قانون الغابات في البرازيل لحماية المزيد من الأراضي المملوكة للقطاع الخاص في سيرادو.
فضلاً عن توسيع المبادرات العالمية، مثل قانون الاتحاد الأوروبي الذي يحظر واردات السلع المرتبطة بإزالة الغابات في منطقة الأمازون، لتشمل مناطق أخرى مثل سيرادو.
aXA6IDEzLjU5LjIuMjQyIA== جزيرة ام اند امز