لا يستطيع الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يرتكب، بالاتفاق مع إيران، خطيئة بحجم خطيئته في أفغانستان.
الثمن سيكون باهظا عليه وعلى أغلبيته الواهية في الكونجرس.
إيران، في المقابل، لا تستطيع أن تتنازل عما تطلبه. لأن الثمن سيكون باهظا عليها أيضا. وهناك طرف ثالث يشجع إيران على التشدد، لأجل توريط "البيت الأبيض" بمأزق.
ولا يمكن الاستهانة بذكاء وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف. فهو يريد أن يحشر الولايات المتحدة في زاوية تشبه الزاوية التي تحاول الولايات المتحدة أن تحشر روسيا فيها حيال تمدد الأطلسي واقترابه من حدودها.
الحال الراهن، هو أن إيران وروسيا تتحدثان بصوت واحد يقول إنه لا سبيل للتوصل إلى اتفاق في المحادثات المزمع إجراء جولتها السابعة في فيينا في 29 نوفمبر الجاري، إلا إذا تمت المحافظة على الاتفاق الأصلي دون أي إضافات عليه.
هذا الموقف يقول، بمعنى آخر، إن الجولات الست السابقة كلها، غير ذات معنى. فالاتفاق، بصيغته الأصلية موجود، وكل ما يحتاج إليه الطرفان هو أن يعودا إليه كما تم توقيعه في عام 2015.
إيران تريد أيضا أن يتم رفع كل العقوبات دفعة واحدة، وتريد فوق ذلك، ضمانات بأن لا تعود الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليها بعد العودة التامة للاتفاق. وهو ما يفوق قدرة الرئيس "بايدن" على تحقيقه، لأنه لا يستطيع أن يُلزم رئيسا آخر بتعهدات يتخذها هو، كما أنه لا يستطيع أن يفرض على الكونجرس ما لا يمكن أن يقبله.
ما يخيف إيران هو أنها حالما تقوم بتسليم كميات اليورانيوم عالية التخصيب، ومعها أجهزة الطرد المركزي الحديثة غير المرخص لها باستخدامها، فإن ذلك سوف يدفع البرنامج النووي الإيراني ثلاث سنوات على الأقل إلى الوراء. وبينما تظل يداها مقيدتين، فإن يد الطرف الآخر سوف تبقى حرة، إن لم يكن خلال عهد البيت الأبيض الحالي، فعندما يعود الجمهوريون إليه.
والثمن الذي تطلبه إيران هو نفسه يجب أن يكون موازيا لما تجازف به. أي بإلغاء كل العقوبات وتسليم عشرات المليارات من الأموال الإيرانية المحتجزة.
الرئيس "بايدن" الذي تضرر موقفه بعد الانسحاب المتعجل وغير المنظم من أفغانستان، لا يملك الرفاهية لكي يقع بخطأ آخر يقلب عليه الكونجرس، بجمهورييه الذين يريدون وقف المحادثات مع إيران، وببعض الديمقراطيين الذين يرفضون تخفيف العقوبات على إيران، لأنه سيكون بمثابة تمويل مباشر للنشاطات الإرهابية التي ترعاها إيران في المنطقة.
وبمقدار ما أوحت انتخابات حاكم فيرجينيا، فإن علائم الهزيمة في الانتخابات النصفية للكونجرس العام المقبل، بدأت تلوح. وهو ما يضع إدارة الرئيس "بايدن" في وضع يائس، وبائس، ولا يحتمل اندلاع هجمات إضافية.
وعندما يتعلق الأمر بتمويل الإرهاب، والتغاضي عما ترتكبه إيران، فإن ثمار الإدانة المسبقة، سوف تكون مُرّة، ولا يمكن الدفاع عنها أصلا.
الوضع المثالي بالنسبة للبيت الأبيض هو أن تقبل إيران رفعا جزئيا وتدريجيا للعقوبات، مقابل التراجع عن كل الخروقات. أي كبح الخطر النووي كله، بناء على جدول زمني قد يستغرق عدة سنوات. إلا أن القبول بهذا الوضع يبدو الآن مستحيلا بالنسبة لإيران، لسببين على الأقل: الأول، هو أن الاختناق الاقتصادي الذي تعانيه مليء بالثقوب، فتجارة إيران مع العراق وحده توفر لها نحو 20 مليار دولار سنويا. والثاني، هو أن اتفاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا توفر لها منافذ للتعايش مع العقوبات، مما لا يضطرها، بالتالي إلى تقديم ما قد تعتبره تنازلا جسيما.
العودة إلى "الصيغة الأصلية" للاتفاق النووي تعني الامتناع عن إضافة أي قضايا تتعلق بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ومنها نشاطات مليشياتها الإرهابية في العراق ولبنان واليمن.
وطلب الضمانات بالامتناع عن فرض العقوبات، يعني، أنه بينما يمكن لإيران أن تلتزم بنصوص الاتفاق النووي، لتكسب رفعا للعقوبات، فإنها ستكون محصّنة حيال كل ما تفعله مليشياتها في المنطقة، بما في ذلك ضرب القواعد الأمريكية، وإجبارها على الرحيل من العراق وسوريا.
النتائج المرجوة، من جانب كل طرف، تبدو مستحيلة للطرف الآخر. ولكل منها ثمن. وهو باهظ إلى درجة أن التخلي عن المحادثات، يبدو أقل كلفة من مواصلتها.
ومع إعلان إيران الأخير بأنها أنتجت 25 كيلوجراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، فإن إرجاء المحادثات إلى أمد غير معلوم، لا يبدو خيارا مقبولا أيضا. لأن بلوغ نسبة 90% من التخصيب المطلوبة لإنتاج سلاح نووي، بات قريبا للغاية.
لا شك أن إيران تستخدم هذا الإعلان لأغراض الابتزاز. إلا أنه ابتزاز يطلب "فدية" أكبر.
الجمهوريون في الكونجرس الذين لم يتركوا هجوما إلا وشنوه على إدارة الرئيس "بايدن" بعد الانسحاب المخزي من أفغانستان، ينتظرون منه أدنى تنازل لإيران، لكي يقلبوا عاليها سافلها عليه.
بعد الانسحاب من أفغانستان، تجرأ بعضهم على مطالبته بالاستقالة. فإذا ما منح إيران مليارات الدولارات، فقد تبلغ الجرأة حد المطالبة بعزله.
على الحائط الآخر، يقف "لافروف" ليتفرج ويضحك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة