المستشرق تشارلز داوتي يرصد رمضان الجزيرة العربية منذ 144 عاما
الرحالة البريطاني تشارلز داوتي يصف شهر رمضان في كتابه الشهير "ترحال في صحراء الجزيرة العربية" بالشهر الذي يشغل أرواح المسلمين
عامان فقط قضاهما الشاعر والرحالة البريطاني تشارلز داوتي في الجزيرة العربية، وتركا لديه مئات الانطباعات التي دونها في كتابه "ترحال في صحراء الجزيرة العربية" الذي يعد واحدا من أبرز كتب الترحال التي تناولت الجزيرة العربية في النصف الثاني من القرن الـ19.
وتغمر تشارلز داوتي، مواليد 1843، الانطباعات المرتبطة بشهر رمضان الكريم، يتأمل ما بين شروق الشمس وغروبها الوجوه والمشقة التي توصل ساعات الليل بالنهار، فخصص لها في كتابه مقاطع كاملة، تتأمل تمسك سكان الجزيرة على الالتزام بفريضة الصيام وطقوس الشهر الفضيل، لا يُثنيهم عنها الطبيعة الجافة والحرارة القائظة وقلة المياه، ليثني على طبيعة سكان البادية من "صبر وأناة".
فبين عامي (1876-1878) امتدت رحلة داوتي على مدد الجزيرة العربية، فذكر في كتابه مدائن صالح وتيماء والعلا، وبريدة وجبل شمر، وخيبر والطائف وصولا إلى جدة.
وعكف داوتي في إعداد كتابه "ترحال في صحراء الجزيرة العربية" نحو 10 سنوات، وصدر عام 1888، وهو مكون من 4 مجلدات، وقام المركز القومي للترجمة بمصر عام 2005 بإصدار ترجمة له أنجزها صبري محمد حسن، وراجعها وقدمها الدكتور جمال زكريا قاسم.
التقط داوتي قداسة شهر رمضان في أكثر من موضع، أبرزها التحضير لاستقباله قبل شهر من قدومه، أي منذ شهر شعبان، بتهيئة النفس روحيا لاقتراب الشهر الفضيل.
يقول في كتابه: "كان رمضان، شهر الصوم، على وشك الدخول، وهذا الشهر يشغل أرواح المسلمين، بما في ذلك الأعراب الذين يعيشون في البادية، ويُضفي على تلك الأرواح المزيد من الورع والتدين، هؤلاء البدو يُحاكون ما يحدث في الحضر، ذلك الذي شاهدوه في المدينة المنورة، وهم يخرجون من بيوتهم في مواقيت الصلاة، ويقفون على شكل صفوف، ويستمعون إلى الإمام، ويحنون جباههم الخالية ثم يسجدون، حيث المسلمون جميعا يتساوون في الدين والعبادة"
ويُطيل داوتي في وصف التعلق المرتبط بمشقة الصيام التي لفتت نظره خلال شهر رمضان، التي عبّر عنها بلغة وصفية سادت لغة كتابه، يقول في أحد المواضع: "هؤلاء العرب الذين يُعانون معاناة شديدة من العطش في الأيام الأولى من شهر رمضان، يستلقون على صدورهم يتنهدون ألما طوال ساعات النهار التي تمر بطيئة عليهم، ويروحون يركزون أبصارهم وأفكارهم على ضوء النهار إلى أن تغرب عين الشمس مبتعدة عنهم، وبعد انقضاء خمسة أو ستة أيام من أيام شهر رمضان، يكون هؤلاء العرب قد اعتادوا على الابتعاد عن حرارة وضوء النهار، ويحاولون استغلال الليل إلى أبعد الحدود، وإذا ما صادف شهر الصوم موسم حصاد القمح، أو حصاد محصول التمر، فإن العاملين في جمع هذه المحاصيل يتعين عليهم تحمل العطش البالغ من أجل الدين".
دوّن داوتي خلال رحلته لقاءاته بالعديد من مشايخ البادية، مصحوبا بانطباعاته عنهم، لا سيما الحفاوة والكرم على رغم الظروف الصعبة آنذاك.
وكان أبرز من ورد ذكرهم في كتابه الشيخ الكريم خلف بن راشد بن ناحل الحربي، شيخ الأحامدة في نجد، وهم من ميمون بني سالم من حرب.
وفي مزج لفضيلة الكرم وطقوس الإفطار يقول داوتي: "بعد غروب الشمس، وفي قرى نجد، الجميع يُراقبون ضوء الشمس الذي يختفي رويدا رويدا خلف أعراف النخيل، إلى أن سمعنا صوت المؤذن، وهو يرفع الأذان لأداء الصلاة، عند هذه المرحلة فقط يُصبح بوسع الشخص المتدين أن يضع في فمه لقمة من الطعام، ويقوي نفسه، وعلى الفور بدأ تقديم القهوة، وبعد أن تناول كل واحد منهم فنجالا واحدا بدأ يفرد عباءته أمامه في اتجاه القبلة، وراح يؤدي الصلاة. بعد أداء الصلاة، يجري تقديم الوجبة الأولى التي يُطلقون عليها اسم الفطور، أو إن شئت فقل الإفطار، كان الإفطار في منزل خلف عبارة عن عساليج من التمر الطازج الذي جرى إحضاره من النخلة".
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjE1MiA= جزيرة ام اند امز