"ذاكرة الشرق" بالقاهرة.. 200 عام بعيون المستشرقين
المعرض تستضيفه القاهرة ضمن سلسلة "كنوز متاحفنا"، ويتتبع آثار بعض الرحالة والفنانين الذين ألهمهم الشرق وتكويناته وثراء طبيعته وفنونه
يستدعي معرض "ذاكرة الشرق"، المقام في العاصمة المصرية، فصولا تمتد لأكثر من قرنين من الزمان، تتجلى بها شواهد من أبرز أعمال المستشرقين الذين فتنتهم منطقة الشرق الأوسط فتركوا وراءهم قصص شغفهم عبر دُرر من الأعمال التي حفظها تاريخ الفن.
المعرض يستضيفه قصر "عائشة فهمي" الأثري بالقاهرة، ضمن سلسلة "كنوز متاحفنا" في دورته الرابعة، ويتتبع عبر مقتنياته آثار بعض الرحالة والفنانين الذين ألهمهم الشرق وتكويناته المادية والبشرية وثراء طبيعته وفنونه.
قال الفنان إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون في مصر: "في هذا المعرض بعض من الإجابات التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرنين من الزمان، حينما سافر إلى الشرق بعض الرحالة والعلماء، فأخذتهم الدهشة بالآثار المادية والأدبية لهذا العالم المجتمع الزاخر بالأساطير وترجموا الأدب العربي إلى لغاتهم".
وأضاف: "كما نقل بعضهم كل ما وقعت عليه أعينهم من مشاهدات حية للناس والآثار والأسواق والعادات والتقاليد التي بعثت الدهشة في قلوب المشاهدين".
تلتقي في المعرض أعمال دومينيك أنجر وجيرارديه وكرابيليه وبيبى مارتان وأوجين فرومنتان وتيودور فرير ونارسيس برشيير وأوجين ديلاكروا وغيرهم، تلتقط معالم الصحراء والنيل ومعالم الآثار المصرية مثل الكرنك ونيل أسوان، إلى أسواق مراكش وبواباتها، وتفاصيل الملبس التي يبدو أنها كانت تركت انطباعات غزيرة لدى فنانين الغرب بين ملابس البدو الصحراوية وأخرى لأهل القاهرة والمغرب.
حتى التفاصيل الجمالية للوجوه الشرقية، وحركة السير العشوائية المنسجمة في الوقت نفسه، وممارسات الأهالي في الطقوس الاجتماعية، مثل حفلات الزفاف الشعبي وحتى المقابر، كلها كانت حاضرة باعتبارها ترسم صورة مفصلة للشرق وتمنحه هويته الخاصة.
في اللوحات التي تنتمي أغلبها إلى القرن الـ19، تجد حضورا طاغيا للطبيعة الحيّة والصامتة، وكذلك الحيوانات مثل الخيول والحمير والجمال، كما في لوحات كارل فيرنيه وأوجين فرومنتان، إذ عادة ما يشاركون المواكب والسير في الصحراء.
كما تظهر في اللوحات حالة الحميمية التي يجتمع عليها الناس حول أحاديث السمر، والالتفاف لشرب القهوة وتبادل الأحداث في الأسواق، وتجمعات النساء على شاطئ النيل.
يضم الكتالوج الخاص بالمعرض دراسة للدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة المصري الأسبق، عنوانها "صورة الشرق في المُتخيل العربي"، بدأها بمقدمة عن دور الصور الفوتوغرافية وكتابات الرحالة والروايات الأدبية واللوحات الفنية، كعناصر أساسية في الإنتاج للنزعة الاستشراقية.
ويقول عن لوحات المعرض: "تنتمي الأعمال التي يضمها هذا المعرض المهم إلى القرن التاسع عشر، رسمها فنانون ينتمون إلى جنسيات مختلفة أغلبها فرنسية، وركزت على القاهرة بشكل خاص مع لوحات قليلة تتعلق بالمغرب أو إسطنبول".
ويضيف: "المشاهد المهيمنة على هذه اللوحات أقرب إلى مشاهد الغروب والغياب، تنتمي إلى عوالم قديمة وإلى بشر لم تلحقهم الحداثة بعد، إنهم ينظرون هناك على أبواب المساجد والبيوت أو على المقاهي مستغرقين في ذواتهم، في حالة من البؤس والشقاء الدائمين، وليست ثمة من بهجة هناك أو فرحة على الوجوه حتى في مشاهد الموالد والأفراح والاحتفالات".
وافتتحت وزيرة الثقافة المصرية المعرض، مساء الإثنين، ووصفته بـ"نافذة تتيح الفرصة للشباب والأجيال الجديدة للاطلاع على ثروات الوطن التشكيلية، التي تضم إبداعات الرواد المحليين والعالميين وتمثل جزءا مهما من التراث الإنساني".
المعرض خطوة جديدة في إطار مشروع "كنوز متاحفنا"، برعاية قطاع الفنون التشكيلية ومجمع الفنون في مصر؛ بهدف إعادة الروح للثروات المتحفية المصرية.
وخصصت الدورة الأولى من "كنوز متاحفنا" للاحتفاء بكنوز مصر من اللوحات العالمية، تبعه "كنوز متاحفنا 2"، الذي عرض لأول مرة منذ عقود روائع النسيج الإسلامي والقبطي، ثم "كنوز 3" الذي كان مخصصا لأسرة محمد علي.