حظر الجبن يشعل الخلاف بين لندن وبروكسل.. وباء 2001 يعود للمشهد
يمكن القول إن العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تمر بأفضل مراحلها منذ تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، ومع ذلك ما تزال حالة من الجمود تسيطر على المشهد بسبب حظر استيراد الجبن واللحوم من الاتحاد الأوروبي.
في أبريل/نيسان الماضي، فرضت بريطانيا حظرًا على المواطنين يمنعهم من إدخال جميع منتجات الألبان وأنواع متعددة من اللحوم القادمة من الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها للاستهلاك الشخصي، مبررةً هذا القرار بأنه إجراء وقائي لمنع الانتشار المحتمل لمرض الحمى القلاعية بين الماشية البريطانية بعد تفشيه في أوروبا مطلع هذا العام.
ووجّهت السلطات تحذيرات إلى المصطافين البريطانيين المسافرين إلى القارة بعدم إحضار أي مواد غذائية إلى منازلهم مثل الجبن والنقانق أو الشطائر التي تحتوي على أي من المنتجات المحظورة، حتى وإن كانت مختومة أو تم شراؤها من متاجر السوق الحرة في المطارات.
ويمتد الحظر ليشمل الكعك والبسكويت والشوكولاتة التي تحتوي على نسب عالية من منتجات الألبان غير المصنعة أو الكريمة الطازجة.
كما أُبلغ من يُضبط بحوزته مواد محظورة بأنه سيتعين عليه تسليمها عند الحدود ليتم مصادرتها وإتلافها.
وقالت الحكومة إن أي شخص يخالف هذا الحظر قد يُغرَّم بمبلغ 5000 جنيه استرليني (نحو 6700 دولار أمريكي).
وأوضحت المملكة المتحدة أن هذا الحظر لا يشمل الواردات التجارية من الأغذية، نظرًا لأنها تخضع لمتطلبات أمن حيوي أكثر صرامة، مثل المعالجة الحرارية والحصول على شهادات الصحة البيطرية.
من جانب آخر، قالت متاجر الجبن في باريس – ولا سيما تلك الواقعة بالقرب من محطة "غار دو نور" التي تسير منها قطارات يوروستار من وإلى المملكة المتحدة – إن القيود الجديدة أثّرت سلبًا على مبيعاتها لقاعدة عملاء حيوية.
وقال ألكسندر فيلاكا، مؤسس ومدير متجر "فروماجيري فرديناند" في باريس، لشبكة CNBC: "السياح مهمون للغاية، وخاصة الإنجليز. وعندما افتتحت متجري قبل ثماني سنوات، اخترت حي غار دو نور لقربه من الزوار الدوليين."
وأضاف فيلاكا: "في السنوات الأخيرة كان من المهم جدًا أن نحافظ على عملائنا الإنجليز. كنا نعبّئ الجبن بتقنية التفريغ ليسهل نقله إلى المملكة المتحدة، وبدأنا نستقبل عملاء دائمين يمرّون بمتجرنا لإحضار بعض الهدايا للعائلات والأصدقاء، لكن قبل بضعة أشهر أبلغني بعضهم أن إحضار الجبن إلى الوطن أصبح ممنوعًا".
وأشار إلى أن هذا القرار كان له تأثير كبير على المبيعات الموجهة للمملكة المتحدة.
كما أوضح فيلاكا أن الحظر غير منطقي إلى حد كبير، بالنظر إلى أن السلطات الفرنسية "صارمة للغاية" في ما يخص الضوابط الصحية والفحوصات الدورية على منتجي الجبن ومنتجاتهم وتوزيعهم.
وبيّن أن منتجي الجبن الإنجليز الذين يتعامل معهم أبدوا استياءهم من القرار أيضًا، مضيفًا: "نشعر بالفخر عندما يأخذ زبائننا إلى منازلهم بعض الهدايا التذكارية، كالنبيذ أو الجبن – تلك اللمسات الفرنسية الصغيرة في حقائبهم. لذلك لا نفهم الحظر، ونحن مستاؤون جدًا، لأنه من الناحية التجارية أمر غير جيد".
ويُذكر أن الحظر المؤقت على دخول المنتجات الغذائية الأوروبية إلى المملكة المتحدة أو خروجها منها ليس أمرًا جديدًا، فقد سبق أن فرض الاتحاد الأوروبي حظرًا دائمًا على جلب البريطانيين منتجات حيوانية ومنتجات ألبان للاستهلاك الشخصي إلى أراضيه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للسبب ذاته: منع انتشار الأمراض الحيوانية.
ويُعد مرض الحمى القلاعية (FMD) مصدر قلق بالغ لقارة مترابطة مثل أوروبا، إذ يمكن أن ينتشر بسرعة هائلة في ظل ترابط السوق الزراعية وتعدد طرق انتقال العدوى.
ورغم أن المرض لا يشكّل خطرًا على البشر، فإنه شديد العدوى بين الأبقار والأغنام والخنازير، وقد يتسبب بخسائر فادحة للقطاع الزراعي.
وقد تم بالفعل تأكيد تفشي المرض في ألمانيا والمجر وسلوفاكيا في وقت سابق من هذا العام، غير أن تلك الدول نجحت في احتوائه بسرعة من خلال تطبيق تدابير رقابية صارمة، شملت إعدام الماشية المصابة وإنشاء مناطق حماية ومراقبة.
وتعلّمت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الدرس القاسي مما خلفه تفشي وباء الحمى القلاعية عام 2001، الذي بدأ في بريطانيا ثم امتد إلى القارة الأوروبية، حيث أُعدم أكثر من ستة ملايين حيوان وتُقدّر التكلفة الإجمالية للقطاعين العام والخاص في المملكة المتحدة بـ 8 مليارات جنيه إسترليني.
أما في الاتحاد الأوروبي، فقد تم إبادة أربعة ملايين حيوان، وكلف تفشي المرض الدول الأعضاء نحو 2.7 مليار يورو من حيث إجراءات المكافحة وتعويض المزارعين.
أما آخر تفشٍ للمرض في المملكة المتحدة عام 2007، فقد أثر على ثماني مزارع فقط، لكن بلغت كلفته الإجمالية 147 مليون جنيه إسترليني نتيجة الحظر الواسع على حركة الماشية.