الصين تتربع على عرش منتجي الطاقة النظيفة.. ماذا عن أمريكا؟
على مدار أكثر من نصف قرن، كانت المخاوف بشأن نقص النفط أو تغير المناخ سبباً في دفع الحكومات إلى الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة.
وقال تقرير لصحيفة نيويورك تايمز إنه في السبعينيات، وضع الرئيس جيمي كارتر الألواح الشمسية على سطح البيت الأبيض كرمز لالتزامه بتطوير الطاقة الشمسية. وقدمت اليابان في تسعينيات القرن العشرين، لأصحاب المنازل إعانات دعم رائدة لتركيب الألواح الكهروضوئية. وطورت ألمانيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، برنامجًا مبتكرًا يضمن للمستهلكين الذين اعتمدوا نظام الطاقة الشمسية أنهم سيبيعون الكهرباء الخاصة بهم بمقابل.
لكن لم تقترب أي دولة من مضاهاة حجم ومثابرة الدعم الصيني، والدليل يكمن في الإنتاج حيث استحوذت بكين على 85% من إجمالي الاستثمار في تصنيع الطاقة النظيفة في العالم في عام 2022، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
التنافس المحموم
والآن، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا والدول الغنية الأخرى حاليًا اللحاق بالركب بشكل محموم. وعلى أمل تصحيح أخطاء الماضي فيما يتعلق بالسياسة الصناعية والتعلم من النجاحات التي حققتها الصين، خاصةً إنهم ينفقون مبالغ ضخمة على دعم الشركات المحلية في حين يسعون أيضا إلى منع المنتجات الصينية المنافسة.
وقد حققوا نجاحات متواضعة حيث قالت وكالة الطاقة، إن حصة الصين من الاستثمار الجديد في مصانع الطاقة النظيفة انخفضت إلى 75% في العام الماضي.
لكن المشكلة بالنسبة للغرب هي أن الهيمنة الصناعية الصينية ترتكز على عقود من الخبرة في استخدام كل أدوات الحكومة والخدمات المصرفية، كما تعمل على تشجيع المنافسة المحمومة بين الشركات الخاصة.
وإنتاج الصين منقطع النظير من الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية مبني على تنمية سابقة للصناعات الكيماوية والصلب والبطاريات والإلكترونيات، والاستثمارات الضخمة في خطوط السكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة.
وأنفقت الصين من عام 2017 إلى عام 2019، نسبة غير عادية بلغت 1.7% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدعم الصناعي، أي أكثر من ضعف النسبة المئوية لأي دولة أخرى، وفقًا لتحليل أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وشمل هذا الإنفاق قروضا منخفضة التكلفة من البنوك التي تسيطر عليها الدولة والأراضي الرخيصة من حكومات المقاطعات، مع توقع ضئيل بأن الشركات التي كانت تساعدها ستحقق أرباحًا فورية.
وقد اجتمعت كل هذه العوامل للمساعدة في وضع الصين اليوم في وضع يمكنها من إغراق الدول المنافسة بالسيارات الكهربائية والخلايا الشمسية وبطاريات الليثيوم منخفضة التكلفة، حيث يتجه المستهلكون في جميع أنحاء العالم الغني بشكل متزايد إلى التكنولوجيا الخضراء.
سيطرة الصين
وتسيطر الصين الآن على أكثر من 80% من الإنتاج العالمي لكل خطوة من خطوات تصنيع الألواح الشمسية، على سبيل المثال.
وقال شي جين بينغ، الرئيس الصيني، هذا الشهر إن الصين زادت المعروض العالمي من السلع وخففت ضغوط التضخم الدولية وساعدت العالم في مكافحة تغير المناخ.
وقال بايدن هذا الشهر إنه سيفرض رسوما جمركية تصل إلى 100 بالمئة على واردات التكنولوجيات الخضراء الصينية بما في ذلك السيارات الكهربائية. والهدف هو حرمان الصين من أي فرصة أخرى في أمريكا.
ومن المتوقع، أن يفرض المسؤولون الأوروبيون تعريفاتهم الجمركية الخاصة بهم قريبًا - على الرغم من تحذيرات بعض الاقتصاديين وخبراء البيئة من أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى إبطاء التقدم في تحقيق أهداف الطاقة النظيفة.
ويعتزم الرئيس بايدن والقادة الأوروبيون تطوير القدرة التصنيعية لدولهم في مجال التكنولوجيات المتقدمة مثل أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والبطاريات، جزئيًا من خلال تبني بعض التكتيكات الصينية لرعاية الصناعات.
وقالت جينيفر هاريس، مساعدة بايدن السابقة التي تقود الآن مبادرة الاقتصاد والمجتمع في مؤسسة ويليام وفلورا هيوليت، إن صعود الصين للسيطرة على قطاعات التصنيع العالمية الرئيسية أظهر إمكانات وقوة السياسة الصناعية الوطنية الداعمة في تحقيق النجاحات.
وتبني الغرب للسياسة الصناعية الصينية سيشكل خروجاً عن أيديولوجية الأسواق المفتوحة والحد الأدنى من التدخل الحكومي الذي دافعت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها في السابق.
وانقلبت السياسات التي فرضتها أزمات الطاقة في السبعينيات إلى حد كبير عندما تم انتخاب رونالد ريجان رئيسا في عام 1980. وباستثناء بعض الصناعات المرتبطة بالأمن، تبنت الولايات المتحدة وجهة النظر القائلة بأن السوق غير المقيدة هي الأفضل دائما.
السياسات النيوليبرالية
وقال جوزيف ستيجليتز، الخبير الاقتصادي في جامعة كولومبيا، إن الولايات المتحدة كانت تفتقر منذ فترة طويلة إلى سياسة صناعية أوسع واستراتيجية منسقة.
وقال تشنغ يونغ نيان، الأستاذ في جامعة هونغ كونغ الصينية، إن "قرار الغرب باتباع سياسات اقتصادية نيوليبرالية كان خطأ استراتيجيًا، أدى إلى تراجع التصنيع في اقتصاداته وأتاح للصين الفرصة.
ومهما كانت الأخطاء التي ارتكبت، فإن القادة السياسيين في الولايات المتحدة يقولون إنهم مصممون على عدم تكرارها.
وفي العام الماضي، حققت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي"نجاحات كبيرة" في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
ويُعد برنامج إدارة بايدن الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات أحد أكثر استخدامات السياسة الصناعية شمولاً في التاريخ الأمريكي. وتعد الرسوم الجمركية التي فرضها بايدن تصعيدًا مستهدفًا للهجوم التجاري الأمريكي ضد الصين والذي بدأ في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفرض ترامب تعريفات جمركية على السلع المستوردة من الصين بقيمة تزيد على 350 مليار دولار سنويًا، مما أدى إلى فرض رسوم جمركية انتقامية من بكين. وقد احتفظ بايدن بهذه التعريفات، وأضافها أو زادها بالنسبة للطاقة النظيفة، ورفع حواجز جديدة أمام التجارة مع بكين، بما في ذلك حرمان الصين من الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة من الولايات المتحدة.
وقال ديفيد أوتور، الخبير الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي وثق على نطاق واسع آثار التجارة مع الصين على الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك فقدان الوظائف في المصانع: "إن أجندة بايدن التجارية عدوانية للغاية".
من وجهة نظره، هناك اختلافات حاسمة بين استراتيجية بايدن التجارية واستراتيجية بكين، حيث يسعى كلا البلدين إلى قيادة سباق الطاقة النظيفة.
وقال أوتور إن الصين كانت أكثر تركيزًا على إرسال صادرات منخفضة التكلفة إلى الأسواق العالمية، ومنع الشركات الأجنبية من السيطرة على الأسواق المحلية في الصين.
ويضيف أن بايدن يركز أكثر على منع الواردات من الصين وحرمان الصين من الوصول إلى بعض التقنيات الأمريكية الرئيسية، مثل أشباه الموصلات المتقدمة.
وفي اجتماع عقد في إيطاليا الأسبوع الماضي لوزراء مالية مجموعة السبعة، حذر الزعماء من أنه يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا تنسيق إجراءات الحماية إذا كانا يأملان في اللحاق ببكين في السباق للسيطرة على الصناعات الرئيسية.
aXA6IDMuMTM1LjIwNS4yMzEg جزيرة ام اند امز