إيفرجراند.. "تيتانيك العقارات الصينية" تصطدم بجبل الديون
ظهرت خلال الأيام الماضية أزمة مجموعة إيفرجراند (ثاني أكبر مطور عقاري في الصين) التي تعاني من "جبل ديون" بنحو 572 مليار دولار.
وتخلفت مجموعة إيفرجراند (Evergrande Group) عن سداد 7.4 مليار دولار من السندات المستحقة العام المقبل، الأمر الذي فجر أزمة مالية في الصين، ووصف بعض الخبراء ما يحدث لعملاق العقارات الصيني بأنها "تيتانيك العقارات التي تصطدم بجبل الديون"، كما حذروا من تبعات الأزمة على النظام المالي العالمي خلال الفترة المقبلة.
وهوت أسعار أسهم عملاق العقارات الصيني "إيفرجراند" بنحو 85% منذ بداية العام الجاري حتى بداية هذا الأسبوع، من بينها 40% خلال الجلسات الخمس الأخيرة.
وانهيار سهم إيفرجراند جاء بالتزامن مع تراكم ديونه إلى قرابة 572 مليار دولار كقروض من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، منها 240 مليار دولار مستحقة في أقل من عام واحد.
ووصل حجم أعباء الدين إلى 300 مليار دولار، على الرغم من أن قيمة أصول إيفرجراند تبلغ 352 مليار دولار ولكنها ترتبط بنحو 128 بنكا و121 مؤسسة مالية غير مصرفية، مما يعمق أثر الأزمة على كيانات متعددة.
ويأتي انهيار الشركة على الرغم من أن الاستثمارات العقارية في الصين زادت 15.9% خلال الثمانية شهور الأولى من العام الجاري بالمقارنة مع مستوى عام ما قبل جائحة كورونا.
بداية أزمة إيفرجراند
وظهرت أزمة ديون إيفرجراند منذ بداية عام 2018 عندما تخلفت الشركة عن سداد ديون بأكثر من 4 مليارات دولار، ثم جاء عام كورونا وفاقمت الأزمة، لدرجة أن الشركة منحت في أواخر عام 2020 تخفيضات على وحداتها وعقاراتها بنحو 30% في محاولة لجذب العملاء.
يُشار إلى أن الخصومات البالغة 26% التي قدمتها مجموعة إيفرجراند بهدف تعزيز مبيعات العقارات في أغسطس/آب، باءت بالفشل، ما يزيد المخاوف بشأن تخلف المجموعة المثقلة بالديون عن سداد مستحقاتها عام 2022.
وتصنف المجموعة كثاني أكبر المطورين العقاريين في الصين، وتعتبر ثاني أكبر مجموعة في العالم من حيث الإيرادات.
تدخل حكومي
وحاولت حكومة بكين السيطرة على الأزمة من خلال ضخ 14 مليار دولار في النظام البنكي لتوفير السيولة، كما رهنت شركة إيفرجراند بعض ممتلكاتها ومعداتها لتأمين سداد جزء من القروض التي بلغ متوسط سعر فائدتها 9.02%.
وتعاني إيفرجراند من أزمة السيولة التي تفاقمت عندما أسرع العملاء لاستعادة مقدمات حجوزات مدفوعة للشركة، كما يتظاهر الموظفون البالغ عددهم 123 ألف موظف بسبب تأخر صرف رواتبهم.
النظام المالي العالمي في خطر
حذر محللون من أن الانهيار الوشيك لعملاقة العقارات الصينية "إيفرجراند" سيكون له تداعيات بعيدة المدى تمتد خارج حدود الصين.
وقال مارك ويليامز، كبير الاقتصاديين في شركة "كابيتال أيكونوميكس" إن انهيار "إيفرجراند" سيكون أكبر اختبار يواجهه النظام المالي الصيني منذ سنوات.
فبعد التوسع السريع لها منذ سنوات واغتنام سوق الأصول مع ازدهار الاقتصاد الصيني، أصبحت الشركة الآن غارقة في ديون كبيرة تبلغ 300 مليار دولار.
وقالت الشركة يوم الثلاثاء الماضي إن مبيعاتها العقارية من المرجح أن تستمر في الانخفاض بشكل كبير في سبتمبر/أيلول بعد أن انخفضت لأشهر، مما يجعل وضع التدفق النقدي لديها أكثر صعوبة.
وقالت "رويترز" إن بعض البنوك في هونج كونج، بما في ذلك "إتش إس بي سي" و"ستاندرد تشارترد"، رفضوا تقديم قروض جديدة لمشترين في مشروعين سكنيين غير مكتملين لدى "إيفرجراند".
كما خفضت وكالات التصنيف مراراً وتكراراً تصنيفات الشركة، مشيرة إلى مشاكل السيولة لديها.
وتشمل مجموعة الأطراف المتأثرة من انهيار الشركة البنوك والموردين ومشتري المنازل والمستثمرين، في حين حذرت "إيفرجراند" هذا الأسبوع من أن مشاكلها المتصاعدة قد تؤدي إلى مخاطر أكبر للتخلف عن السداد.
وأوضح ويليامز من "كابيتال أيكونوميكس" إنه القطاع المصرفي سيكون من بين أول المتضررين إذا كان هناك أي آثار لعدوى انهيار الشركة على قطاع العقارات الأوسع في الصين، مضيفاً خلال لقاء مع "سي إن بي سي": "الفشل المصرفي الناجم عن انهيار مطوري العقارات الرئيسيين هو السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى هبوط حاد في الاقتصاد الصيني".
أسباب أزمة "إيفرجراند"
كانت تتسم أعمال "إيفرجراند" بالنشاط المحموم للغاية والنمو المتسارع في الإيرادات والمشروعات، فكانت أرقام أدائها المالي حتى عام 2018 أكثر من مذهلة بمعدل تضاعف بلغ 6.5 مرة مقارنة بسعر سهمها في بداية الطرح نوفمبر/تشرين الثاني 2009.
وبداية من عام 2018 بدأت تخمد وتيرة المبيعات والإيرادات التشغيلية بالتزامن مع ارتفاع مصروفات الديون التي جاءت من قروض تم التوقيع عليها في فترة فرط النشاط بإغراء من التوسعات الكبيرة وأحجام الأعمال والإقبال على منتجات الشركة، لكن كل ذلك يمكن تسميته بأسباب "سطحية" أو "الظاهرية".
وهناك أسباب عدة ساهمت في هذا المنحى، أولها سبب قصير الأجل وحدث عندما تدخلت الجهات التنظيمية الصينية في السوق العقاري عام 2017 لتصعيب لوائح البناء والتملك في العقارات والإسكان، وذلك بهدف تبريد فرط النشاط وارتفاع الأسعار بالسوق العقاري الصيني بأي طريقة قبل أن تنفجر الفقاعة، وبالفعل نجحت عملية التبريد لكن هذا حدث و"إيفرجراند" ملتزمة باستحقاقات قصيرة الأجل للبنوك والجهات التمويلية.
ومن ناحية أخرى يوجد سبب طويل الأجل، وهو أن سياسة الطفل الواحد ساهمت في زيادة نسبة كبار السن على حساب الشباب وهو ما تسبب في انخفاض معدلات نمو قطاع الإسكان، وهو ما اضطر الحكومة الصينية إلى إنهاء العمل بهذه السياسة تباعاً في 2015 و2019 والسماح بأكثر من طفل وتيسير اللوائح المتعلقة بتكوين أسرة من طفلين وحتى ثلاثة أطفال في نقلة نوعية كبيرة بين السياسات التقييدية والأخرى الانفتاحية فيما يتعلق بالزيادة السكانية.
جاءت أول عملية تخلف عن السداد منتصف 2018 لمدفوعات دين قدرها 4.2 مليار دولار، بدأت شركات التصنيف الائتماني في التركيز وتسليط ضوء محلليها وأقسام بحوثها على "إيفرجراند" التي لفتت انتباه العاملين في قطاع الائتمان.
وبدأت الشركات تخفيض تصنيف "إيفرجراند" مرة تلو الأخرى، وكما تعرف كلما أصبحت المخاطرة أعلى ارتفعت الفائدة، والكارثة تكون أكبر في حالة كانت القروض بفائدة متغيرة أو احتياج الشركة لسيولة بنكية طوال الوقت، فترتفع الفائدة ومصروفات الدين بشكل مركب متضاعف وتضغط على الإيرادات.
حاولت "إيفرجراند" في أواخر 2020 عرض خصومات مغرية وجذابة للعملاء وصلت إلى 30% تخفيضا على وحداتها وعقاراتها لتنشيط البيع مرة أخرى لكن مشكلة الجائحة عقّدت الأمور أكثر وقللت من الأثر الذي كان متوقعاً لحملة التخفيضات هذه ولم تأت بالمعدلات المرجوة على الأرباح نهاية 2020 التي كانت أقل من 2019 و2018 بمسافة كبيرة.
المشكلة الأخرى أن "إيفرجراند" مديونة لنحو 128 بنكاً و121 مؤسسة مالية غير مصرفية، المشكلة كبيرة لدرجة أن المركزي الصيني أو بنك الشعب صرح في تقريره للاستقرار المالي عام 2018 أن "إيفرجراند" قد تشكل مصدر خطر على كل النظام المصرفي والمالي الصيني.
aXA6IDE4LjIyMi4xMjEuMjQg جزيرة ام اند امز