الصراع الأمريكي-الصيني.. بكين ترد بهدوء وتتفوق في سباق التجارة والتكنولوجيا
يستمر الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة بوصفه أحد أبرز ملامح التنافس العالمي في العقد الأخير، إذ تحولت الحرب التجارية بين البلدين إلى مواجهة استراتيجية طويلة الأمد تتجاوز الرسوم الجمركية لتصل إلى صراع على التكنولوجيا والنفوذ الصناعي.
وذكر تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" أن واشنطن، منذ أن تبنّت نهجًا أكثر عدائية تجاه بكين في عهد الرئيس دونالد ترامب، صعّدت الإجراءات الحمائية والعقوبات الاقتصادية، وفرضت قيودًا على صادرات التكنولوجيا الحساسة مثل رقائق “إنفيديا” المتقدمة، في محاولة لعرقلة التفوق الصناعي الصيني.
إلا أن بكين واجهت هذه السياسات ببراغماتية هادئة، ركزت خلالها على تعزيز الاكتفاء الذاتي والتوسع في صناعات المستقبل مثل السيارات الكهربائية، والطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي.
ورغم أن الصين ما زالت تعتمد جزئيًا على الخارج في مجال أشباه الموصلات، فإنها نجحت في تقليص الفجوة التكنولوجية بسرعة من خلال استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وتعاون واسع مع دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي المقابل، واجهت واشنطن صعوبة في إيجاد بدائل حقيقية للواردات الصينية، إذ إن الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضتها على دول أخرى جعلت خياراتها محدودة وأثّرت سلبًا على سلاسل التوريد الأمريكية.
وقد أظهر هذا الواقع أن الضغوط الأمريكية لم تُضعف الاقتصاد الصيني بقدر ما دفعته إلى التكيف وإعادة الهيكلة. فالصين تحوّلت من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة، مركّزة على بناء اقتصاد أكثر استقلالية وانفتاحًا على الأسواق الجديدة. كما استخدمت التهدئة الرمزية في بعض الملفات -مثل المعادن النادرة- لتخفيف حدة المواجهة دون تقديم تنازلات جوهرية.
وفي المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديًا داخليًا يتمثل في الحفاظ على توازنها بين حماية تفوقها التكنولوجي وضمان استقرار أسواقها.
ويشير محللون إلى أن استراتيجية “الضغط الأقصى” التي تبنّاها ترامب لم تحقق نتائج ملموسة، إذ لم تدفع الصين إلى تقديم تنازلات كبيرة، بل عززت ثقتها في قدرتها على الصمود والمناورة.
واليوم، يتجاوز الصراع بين القوتين مسألة الرسوم الجمركية، ليتحوّل إلى معركة أوسع حول قيادة الاقتصاد العالمي.
فبينما تراهن واشنطن على تقويض صعود الصين عبر القيود، تراهن بكين على الوقت، والاستثمار، والتكنولوجيا لتثبيت موقعها. وهكذا، تبدو المواجهة بين العملاقين غير محسومة بضربة قاضية، بل بانتصار تدريجي "بالنقاط"، تُثبت فيه الصين قدرتها على تحويل الضغط إلى فرصة، والتفوق على أقوى اقتصاد في العالم بثقة وهدوء.