الاستفادة من «العواصف».. هكذا تتعامل الصين مع ترامب
![ترامب وشي جين بينغ - أرشيفية](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/07/162-003004-chinas-trump-strategy_700x400.jpg)
منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، كانت الحكمة السائدة في الصين هي ضرورة الاستعداد للعواصف القادمة.
فالصين كانت تتوقع أن تتبنى إدارة ترامب سياسات صارمة تجاهها، مما قد يؤدي إلى تصعيد الحروب التجارية والتكنولوجية بينهما، والمواجهة بشأن تايوان.
وبدا أن فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 10% على جميع السلع الصينية مبرر لمخاوف بكين، التي ردت بسرعة.
كما أعلنت عن تعريفاتها الجمركية على بعض السلع الأمريكية، فضلًا عن القيود المفروضة على صادرات المعادن الحيوية، والتحقيق في قضية مكافحة الاحتكار في شركة «غوغل» التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها.
ورغم امتلاك الصين هذه الأدوات، فإن قدرتها على التفوق على واشنطن في المعاملة بالمثل محدودة بسبب القوة النسبية للولايات المتحدة والعجز التجاري الكبير مع الصين، وذلك وفق مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في تقرير طالعته «العين الإخبارية».
أكثر من تكتيكات
مع إدراكهم للمشكلة، كان صناع السياسات في الصين يخططون لأكثر من مجرد تكتيكات الحرب التجارية، إذ كانوا يتكيفون مع نهجهم مع واشنطن منذ ولاية ترامب الأولى.
لذلك، أمضوا الأشهر الثلاثة الماضية في تطوير استراتيجيتهم بشكل أكبر لتوقع ومواجهة وتقليل الضرر الناجم عن سياسات ترامب.
وأسفر هذا التخطيط عن جهود واسعة النطاق لدعم الاقتصاد المحلي والعلاقات الخارجية للصين.
وتعكس استعدادات بكين تقريبًا استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن تجاهها، والمتمثلة في «الاستثمار والتوافق والتنافس»، والتي تضمنت الاستثمار في قوة واشنطن، والتوافق مع الشركاء، والتنافس حيثما كان ذلك ضروريًا.
وتركز خطة بكين لتجاوز سنوات ترامب على جعل الاقتصاد المحلي أكثر مرونة، والمصالحة مع الجيران الرئيسيين، وتعميق العلاقات في الجنوب العالمي.
ورغم قدرة ترامب على تحقيق بعض الانتصارات قصيرة الأجل، فإن خطط بكين تتطلع إلى ما هو أبعد.
ويعتقد القادة الصينيون أن سياسات ترامب ستقوض قوة الولايات المتحدة وتقلل من مكانتها العالمية في الأمد البعيد، وعندما يحدث ذلك، تريد بكين أن تكون مستعدة.
الجبهة الداخلية
يعد تعزيز الجبهة الداخلية عنصرًا رئيسيًا في استراتيجية الصين لمواجهة ترامب، من خلال تدابير تحفيزية لتعزيز الاقتصاد وزيادة الاستهلاك المحلي.
فبعد ثلاثة أيام من الانتخابات الأمريكية، أعلنت بكين عن برنامج لتوزيع 1.4 تريليون دولار لخفض ديون الحكومات المحلية على مدى عامين.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعهدت بكين بـ«سياسات مالية أكثر نشاطًا وسياسات نقدية معتدلة التساهل»، وهو ما يعني المزيد من الإنفاق الحكومي، والتوسع في الميزانية، وخفض أسعار الفائدة، في تحول عن سياسات التقشف القائمة منذ 2010.
ولا يتعلق توجه بكين نحو الإصلاح بالمشكلات الاقتصادية المحلية فقط، بل يمثل أيضًا جهودًا لفتح فرص جديدة للتجارة الدولية.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أبدت الصين اهتمامها بالوفاء باتفاقية التجارة للمرحلة الأولى بين البلدين، والتي تشتري بموجبها منتجات أمريكية بقيمة 200 مليار دولار.
كما طرحت إمكانية بدء مفاوضات المرحلة الثانية، التي ستركز على الإصلاح الهيكلي، بما في ذلك التدابير التي تعالج العلاقة بين الحكومة والشركات المملوكة للدولة.
وتتطلع الصين أيضًا إلى تنويع خياراتها التجارية، فخلال الأشهر الماضية، أشارت وزارتا الخارجية والتجارة إلى جهود بكين للانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، التي تضم 12 عضوًا، وتوقفت في 2017 بعد انسحاب واشنطن.
وتدرك بكين قيمة آليات التجارة المتعددة الأطراف، وربما كان انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في 2001 هو العامل الأكبر في صعودها الاقتصادي.
ومع ابتعاد الدول عن المنظمة وتوجهها نحو ترتيبات بديلة، مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، تريد الصين التأكد من عدم استبعادها وتسعى لتعويض فقدان السوق الأمريكي.
جهود دبلوماسية
تضمنت استعدادات الصين لترامب أيضًا جهودًا دبلوماسية، فحاولت تجاوز سنوات من العلاقات المضطربة مع الهند واليابان، لأن الاستقرار في الجوار المباشر سيقلل عوامل التشتيت لبكين وقد يقوض الجهود الأمريكية لدفع حلفائها للضغط عليها.
كما أن تحسين العلاقات مع اليابان وأستراليا وسيلة للتقرب من قادة الشراكة عبر المحيط الهادئ.
ولا تزال صادرات الصين قوية، حيث اقترب الفائض التجاري من تريليون دولار في 2024، وأسرع أسواق التصدير نموًا هي بلدان الجنوب العالمي، مثل البرازيل وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند وفيتنام، التي تعمل كوسيط من خلال معالجة المواد الصينية وتصدير السلع النهائية إلى الولايات المتحدة.
ورغم أن الصين لا تزال تفضل التجارة مباشرة مع الولايات المتحدة، فإن قيادة نظام تجاري موازٍ مع الجنوب العالمي يشكل بديلاً مقبولًا لبكين.
ومن المحتمل أن يقرر ترامب معاقبة دول الطرف الثالث على تعاونها الاقتصادي مع الصين، مثل بنما، ولا تملك بكين حلًا واضحًا لهذه المعضلة.
ومع ذلك، ستظل الصفقات الاقتصادية المربحة مع الصين تتمتع بجاذبية قوية لدى الجنوب العالمي، وقد تجني بكين الفوائد إذا أدت التدابير الأمريكية القاسية إلى تقويض علاقات واشنطن مع الدول الرئيسية.
ولدى الصين خيارات للرد المباشر على التعريفات الجمركية، مثل ضوابط التصدير، والعقوبات على الشركات الأمريكية، وانخفاض قيمة العملة الصينية، والتعريفات الجمركية الانتقامية على الصادرات الأمريكية إلى الصين.
استراتيجية
على النقيض من نهجها التفاعلي إلى حد كبير خلال ولاية ترامب الأولى، فإن بكين هذه المرة لن يكون لديها رد تكتيكي فحسب، بل أيضًا استراتيجية أكبر.
وفي النهاية، تأمل الصين استخدام سياسات ترامب لصالحها، من خلال حشد مجموعات المصالح المحلية المختلفة حول إصلاحات ذات مغزى في الداخل، وتوسيع العلاقات مع البلدان التي تنفرها الولايات المتحدة، وتعزيز موقف الصين في النظام التجاري العالمي.
وعلى النقيض من 2017، تعرف الصين أيضًا ما تتوقعه من ترامب، ففي ولايته الأولى، أظهر ترامب أن لا شيء مستحيل، وكسرت إدارته المحرمات عندما تعلق الأمر بمناقشة الحزب الشيوعي الصيني وتايوان، ودحضت الافتراض بأن علاقات البلدين لن تهبط إلى ما دون مستوى معين.
وهذه التجربة جعلت صناع السياسات في بكين مستعدين لاحتمال فرض واشنطن تعريفات جمركية عالية بشكل مدمر على جميع السلع الصينية أو السعي إلى تعزيز العلاقات الأمريكية مع تايوان.
وتعتقد بكين أنها تستطيع تحمل رئاسة أمريكية مضطربة، ويثق القادة الصينيون في أنه حتى لو عانى اقتصاد البلاد، فمن غير المرجح أن تؤدي أربع سنوات من حكم ترامب إلى انهيار كامل.
وتخشى الصين أن تتفاقم أزمات واشنطن إذا نفذ ترامب سياساته، مما يلحق ضررًا شديدًا بمصداقية الولايات المتحدة وزعامتها العالمية، وبالتالي، ترى بكين أن ولاية ترامب الثانية تشكل فرصة محتملة لتوسيع نفوذها بشكل أكبر وأسرع.