الصين تتبنى خطابا قائما على الصراحة والشفافية في الرد على أمريكا والمطالبة بالتوحد للتوصل للقاح للفيروس
في ظل حسابات القوة الشاملة للقطبين الأمريكي والصيني، فإن خيار الاستمرار في الصراع والمنافسة سيمتد لسنوات طويلة، بصرف النظر عن التأكيد النظري بأن القدرات الصينية هي التي ستهيمن على مقاليد الأوضاع في العالم، في ظل فشل الولايات المتحدة والغرب بوجه عام في إدارة النظام العالمي الراهن، مما سيحول الدفة للجانب الصيني ودول جنوب شرق آسيا .
في هذا الإطار ستتغير بنية النظام الدولي وأركانه بصورة كبيرة في الفترة المقبلة، مع تهميش نظام العولمة الدولية، والتفاعل الدولي في ظل توقعات حقيقية أولية بانتهاء وتلاشي فكرة الاندماج المشترك، والإدارة البناءة مع فشل التنظيمات الاقتصادية الحالية في التعامل مع تبعات الأزمة الراهنة، والتوصل لخيارات تشاركية حقيقية، مع تبني خيارات أكثر انفرادية، وتراجع الاهتمام بالصراعات الدولية، وتعزيز القدرات الدولية المركزية مما يعني واقعيا أننا سنكون أمام عالم جديد سيزداد الفقير فقرا والثري أكثر ثراء، في ظل انخفاض القدرات الإنتاجية للاقتصاد الدولي.
مع التوقع بأن الدول الغربية ربما ستبحث عن نماذج أكثر تنمية وتطورا مما هو قائم، خاصة أن قطاعات كبيرة من الرأي العام الغربي فقدت إيمانها الكامل بالعولمة والتعاون الدولي، والجهود المشتركة في مواجهة ما يجري على الجانب الآسيوي عامة، والصيني علي وجه الخصوص، من إنجازات، وهو ما سيفتح الباب لنقاش مواز مجددا حول الترابط بين الديمقراطية الغربية، والنظم الأتوقراطية.
قد تتقدم الصين لقيادة العالم خلال الفترة المقبلة، وهو ما يفسر وبوضوح السلوك الصيني والخطاب الإعلامي والسياسي للقادة الصينيين في الرد على الإدارة الأمريكية، والتأكيد على تبنيهم خطابا قائما على الصراحة والشفافية، بل المطالبة بضرورة توحد المواقف والاتجاهات العلمية بين بكين وواشنطن
هنا سيتساوى الجميع على الأقل في التعامل مع تبعات ما جرى ويجري، وفي عدم وجود أنظمة محصنة من أية تحديات مستجدة، وبالرغم من دعوة الدول للتضافر والتعاون والتي جاءت متأخرة بعض الوقت، وهو ما برز في توصيات قمة العشرين مؤخرا، ودعوة الهند لعقد مؤتمر عبر قمة تفاعلية لقادة دول جنوب شرق آسيا للبحث والتعاون عن رد فعل مشترك للتهديدات الجديدة، والرسالة المهمة هنا أن انتقال مراكز المال والنفوذ الاقتصادي يتحرك إلى الشرق، وليس كما كان في الغرب لسنوات طويلة.
في هذا السيناريو قد تتقدم الصين لقيادة العالم خلال الفترة المقبلة، وهو ما يفسر وبوضوح السلوك الصيني والخطاب الإعلامي والسياسي للقادة الصينيين في الرد على الإدارة الأمريكية، والتأكيد على تبنيهم خطابا قائما على الصراحة والشفافية، بل المطالبة بضرورة توحد المواقف والاتجاهات العلمية بين بكين وواشنطن؛ للتوصل للقاح للفيروس ولغيره من الفيروسات المرشحة للانتشار في العالم، وهو ما لم يتعامل معه الأمريكيون بصورة جدية في ظل افتقاد الجانبين لإجراءات بناء الثقة، ومسعى الجانب الأمريكي للوصول للقاح مبكرا وحسم الأمر، حيث ما زال الجانب الصيني يتكتم ما جرى، ولا يريد أن يعلنه على العالم بل يمارس أكبر قدر من التشويش على الكارثة، ويتعامل معها بحلول انفرادية ودون تنسيق مع أي طرف، بما في ذلك عدم مد منظمة الصحة العالمية بمزيد من المعلومات المطلوبة .
وبرغم كل ذلك سيظل الأمر -برغم كل التجاذب الراهن- في حاجة إلى مزيد من التنسيق والتعاون بين الجانبين الأمريكي والصيني، وهو ما لن يتم على الأقل في المدى القصير، وسيظل الصراع قائما حيث لم يتناسَ الصينيون أسلوب ونمط تعامل إدارة ترامب معهم والذي يوصف بالاستعلاء والغرور مع الضغط على الجانب الصيني لتحقيق مطالب الإدارة بتصويب مسار اتفاقيات الشراكة مع اليابان والصين والهند ومجموعة الآسيان الأخرى، للتأكيد على قدرة الإدارة الأمريكية على حسم ملف كان صعبا وعصيا على كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، وبالتالي فإن ما يجري في الوقت الراهن جزء من ميراث عدائي سابق .
ووفقا لقراءة تقييمية للمشهد الأمريكي، فمن الواضح أن الرئيس ترامب يريد أن يهدأ من تداعيات ما يجري خاصة مع تزايد أرقام المصابين من ولايات كبرى، مما سيكون لها قرار الحسم والتأثير الفاعل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بصرف النظر عن الحشد الإعلامي المؤثر الذي يتبناه الرئيس ترامب ومجموعة خلية إدارة الأزمة، والتي تظهر في الميديا الأمريكية بخطاب إعلامي وسياسي جديد ومغاير لما يجري على أرض الواقع، حيث ما زال السعي الأمريكي للبحث عن حل حقيقي والتوصل للقاح أمريكي وليس ألماني أو صيني، وهو ما يريد أن يقوله الرئيس ترامب للرأي العام أنه لم يقصر في حق مواطنيه، وأنه يفعل الكثير من أجل الدفاع عن صحة المواطن الأمريكي بالأساس مثلما فعل القادة الصينيون، والذين يتحدثون من أعلى عن خيارات صينية حقيقية.
ثم يأتي العالم بعد ذلك وليكون خيار الدولة الوطنية هو الأساس والأهم في مواجهة دعاوى العولمة والدولنة التي عاش فيها النظام الدولي منذ سنوات، وتهاوت أفكارها مع أول اختبار حقيقي، ومن ثم فإن الصراع الصيني الأمريكي لن ينتهي، وسيلقي بتبعاته على الجميع، ولن يكون هناك سيناريو أمثل للعلاقات بل سيناريوهات متعددة، وسيكون الأمن الدولي الإنساني، ولسنوات مقبلة هو الأهم والأجدى في مواجهة أي أمن آخر، خاصة مع التوقع بنشأة قواعد جديدة وتفاعلات أكثر تأثيرا لإدارة النظام العالمي الراهن وفواعله الرئيسية، وإنا لمنتظرون..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة