اللغة الصينية تجتاح العالم.. سر الانتشار وإقبال المتعلمين
الصينية بكل لهجاتها اللغة الأكثر انتشارا في العالم حسب عدد المتحدثين بها ويفوق عددهم 1.4 مليار إنسان وهي أيضا الأطول عمرا بين اللغات
اجتاحت اللغة الصينية دول العالم خلال العقود الأخيرة، وأصبحت واحدة من أهم اللغات التي يقبل على تعلمها كثيرون باعتبارها الأكثر تحدثا على مستوى الكوكب، وأيضا كونها توفر فرصا جيدة للباحثين عن عمل، وتفتح آفاقا أرحب لمحبي التعرف على الحضارات بتصنيفها واحدة من أقدم وأعرق الثقافات.
و"الصينية" بكل لهجاتها هي اللغة الأكثر انتشارا في العالم حسب عدد المتحدثين اليوميين، ويفوق عدد المتحدثين بها مليارا و200 مليون، وهي أيضا اللغة الأطول عمرا من بين بقية اللغات، إذ يرجع تاريخها إلى ما قبل 3000 سنة استنادا إلى أقدم الوثائق اللغوية للنقوش على دروع السلاحف ويطلق عليها اسم "خايويوي"، كما أنها واحدة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة.
ووفقا لدراسة أستاذ علم اللغات في جامعة دوسلدورف أولريخ آمون التي نشرت عام 2015 واستغرقت 15 عاما، فإن نحو 1.39 مليار نسمة يتحدثون اللغة الصينية بكافة لهجاتها، وهناك 30 مليونا يتعلمون هذه اللغة. بينما أظهرت خريطة لغات العالم في طبعتها الثامنة عشرة أن "الصينية" هي لغة المحادثة في 33 دولة.
مزايا تعلمها
"الصينية" تنطق بلهجات متعددة تصل حاليا إلى 7 مقسمة حسب المناطق، أشهرها اللهجة الشمالية التي توصف بالأساسية والأكثر انتشارا ويتحدثها 73% من الإجمالي، لكن في النهاية فإن اللهجات موحدة إلى حد بعيد من حيث الكلمات المكتوبة واللغة المستخدمة هي اللغة الصينية الواحدة، وتزيد عدد حروفها على 6 آلاف.
وتتحدّث شعوب كثيرة اللغة الصينيّة غير الجمهورية الشعبية، منها الفلبّين، إندونيسيا، تايلاند، ماليزيا، سنغافورة، منغوليا وبروناي، لذا فإن أحد مزايا تعلم الصينية التواصل مع شعوب عدة والتعرف على ثقافاتهم وليس سكان بكين فقط.
تمثّل الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، إذ تلعب دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي وأصبحَ سوقها واحدا من أهمّ الأسواق المستقطبة للعاملين من ذوي الكفاءة.
وتعلم اللغة الصينية يؤهل صاحبه للدخول بقوة في هذا السوق الضخم، خاصة مع توقعات بأن تصبح بكين مستقبلا الأهم والأكثر تأثيرا في الاقتصاد العالمي.
أيضا تعلم الصينية يفتح الباب على مصرعيه للتعرف عن قرب على حضارة عريقة ذات تاريخ مزدهر وثقافة مميّزة، فضلا عن تسهيل القدرة على التواصل مع الناطقين بلغتها والتعرّف على عاداتهم وتقاليدهم.
إقبال عربي
بالتزامن مع تأصل العلاقات الودية بين الصين والدول العربية أصبحت "الصينية" من اللغات التي تحظى بإقبال كبير من الشباب لتعلمها والتعرف على واحدة من أقدم حضارات العالم، دعم ذلك التوجهات الحكومية التي أضافت تدريس اللغة الصينية ضمن مقرراتها التعليمية خاصة في الجامعات.
وخلال 2019، أنشأت الصين 12 معهدا من معاهد (كونفوشيوس) و4 فصول دراسية لتعليم اللغة الصينية في 9 دول عربية، وقدمت دورات تدريب أكاديمية لـ70 ألف طالب، فيما شارك 13336 طالبا في اختبار إجادة اللغة الصينية المعروفة باسم "HSK".
في الإمارات، اهتمت الحكومة منذ عام 2018 بتعليم اللغة الصينية لأبنائها وأدرجتها ضمن في نظام التعليم الوطني، لذا أطلقت برامج تختص بذلك في 100 مدرسة حكومية ابتداء من مرحلة رياض الأطفال، بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين وتعريفهم بواحدة من أقدم لغات العالم وأعرق ثقافاته.
وصرحت وزارة التربية والتعليم الإماراتية بأنها تخطط لتوظيف 150 مدرسا صينيا، كما تود تنشر برنامج تعليم اللغة الصينية في 200 مدرسة حكومية. أيضا أطلقت الأكاديمية الصيفية لشباب الإمارات دورات عدة لتعليم اللغة الصينية بينها دورة 2019 التي ركزت على تعليم أساسيات هذه اللغة وشهدت إقبالا كبيرا عليها خاصة من الطلبة الجامعيين.
لكن أول مدرسة لتعليم اللغة الصينية في الإمارات دشنت قبل ذلك بكثير، وبالتحديد في عام 2006، وحملت اسم "حمدان بن زايد" وأقيمت بتوجيه من الحكومة لإعداد طلاب قادرين على التحدث بهذه اللغة، ولقيت الفكرة إقبال كبير من أولياء الأمور وتخطى العدد بحول 2019 نحو 700 طالب.
وبشكل عام، يقبل الشباب الإماراتي على تعلم اللغة الصينية لما تمثله من ثقل ثقافي عالمي، وباعتبارها "لغة المستقبل" التي تعبر عن قوة سياسية واقتصادية عظمى، وهي سوقا اقتصادية واعدة قد تصبح الأكبر عالميا خلال سنوات.
تبادل معرفي
أما في مصر، فقد وقعت حكومتا البلدين خلال 2020 مذكرة لدمج تدريس اللغة الصينية في نظام التعليم ما قبل الجامعة، الابتدائي والثانوي، كلغة ثانية أجنبية اختيارية.
ومن المتوقع أن يغطي نحو 12 مليون طالب ابتدائي وثانوي، بهدف توطد سبل التواصل بين الشعبين، والاستفادة من التجربة الصينية الفريدة في التنمية الاقتصادية والمجالات الأخرى.
وتساعد بكين القاهرة في العديد من المجالات التي تتضمن إنشاء محطات طاقة شمسية في المدارس، وتأسيس ورش تعليم فني وتركيب شاشات إلكترونية في المدارس الثانوية وإقامة فصول ذكية.
ووفقا للسفارة الصينية بالقاهرة، فإن هناك 16 جامعة في مصر أسست أقسام لغة صينية أو تدرجها ضمن مناهجها، كما أنشأت الحكومة الصينية مدرستين في مصر وفقا لبرنامج مساعدات تعليمية.
وفي عام 2019، قدمت بكين أكثر من 300 منحة ماجستير ودكتوراه للمصريين وفقا للسفارة، الصينية لدى القاهرة.
أما المملكة العربية السعودية فقررت إدراج تعليم اللغة الصينية ضم مناهجها الدراسية بجميع المراحل التعليمية؛ سعيا لتعزير علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، وتعميق الشراكة الاستراتيجية على كل المستويات.
ومن شأن اتفاق إدراج اللغة الصينية أن يعزز من التنوع الثقافي للطلاب في المملكة ويفتح آفاقا دراسية جديدة أمامهم، وهي خطوة نحو المستقبل الذي تطمح إليه السعودية في مجالات العلوم والصناعات التكنولوجية المتطورة، وبما يسهم في بلوغ المستهدفات الوطنية المستقبلية في مجال التعليم على صعيد "رؤية 2030".
ومن المقرر أن تمول الصين جزءا من برنامج تعليم لغتها في المملكة، ما يخلق 50 ألف وظيفة لمعلمين سعوديين يدرسون اللغة الصينية.
كما أن تعلم اللغة سيعطي أولوية للسعودي للاستفادة من الاقتصاد الصيني الكبير سواء في التجارة أو السياحة، كون المملكة تستهدف 20 مليون سائح صيني.
وزارة التعليم السعودية بدأت تدريس اللغة الصينية في مدارسها عام 2020 كمادة اختيارية وكمرحلة أولى من الخطة التي من المقرر تعميمها على نطاق أوسع يشمل الجميع، إذ اكتفت الحكومة بتدريسها في 8 مدارس للبنين بالمرحلة الثانوية للمقررات، 4 منها في الرياض، و2 في جدة، و2 بالمنطقة الشرقية، على أن تتوسع فيما بعد.
اهتمام عالمي
"الصينية" واحدة من اللغات الشائقة التي يقبل على تعلمها شباب الدول المختلفة وتضاعف رواجها خلال السنوات الماضية، وساعد في ذلك تضمينها في أنظمة التعليم والامتحانات بالعديد من الدول.
ففي الولايات المتحدة وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وأستراليا أصبحت الصينية واحدة من اللغات الأجنبية لامتحانات القبول بالجامعة. أيضا هناك أكثر من 150 جامعة و700 مدرسة ابتدائية وثانوية في فرنسا تقدم دورات في تعليم اللغة الصينية، كما أنشأت وزارة التعليم الفرنسية مهنة خاصة للإشراف على جودة تعليمها.
وبشكل عام، أدمجت أكثر من 70 دولة حاليا تدريس اللغة الصينية ضمن نظام تعليمها الوطني، بإجمالي أكثر من 4 آلاف جامعة و30 ألف مدرسة ابتدائية وثانوية و45 ألف مدرسة ومعهد تدريب في العالم، كما بلغ عدد الذين يدرسون ويستخدمون هذه اللغة خارج الصين نحو 200 مليون.
الفضل في تعلم هذا العدد الضخم اللغة الصينية يرجع بشكل كبير إلى جهود حكومة بكين، خاصة مركز التعاون والتبادلات بين الصينية واللغات الأجنبية الذي وضع 4 برامج لتعليم هذه اللغة، وهي الخدمة السحابية لـ"اتحاد اللغة الصينية وتطبيق الجوال" ونادي "جسر اللغة الصينية" ومشروع "تعليم اللغة الصينية عن بعد" وأيضا مشروع "مركز اختبار مستوى تعليم اللغة الصينية"، إذ توفر هذه البرامج مساعدة تعليمية عبر الإنترنت للمدارس والمؤسسات والمعلمين والطلاب المشاركين في التعليم الصيني.