كتاب "موسوليني وهتلر".. تحالف غيّر العالم
الكتاب يسرد السيرة الذاتية للزعيمين بغرض دراسة ما يطلق عليه "القوة المصطعنة" التي كانت لدى النظامين وصاغت شكل علاقتهما الخارجية
في ذكرى ميلاد أدولف هتلر (20 أبريل 1889) يبحث كتاب المؤرخ كريستيان جوشيل "موسوليني وهتلر" قصة تشكيل التحالف الفاشي الذي غير شكل العالم بين الحربين العالمية الأولى والثانية.
ويدرس الكتاب، الذي ترجمه للعربية أحمد الزبيدي وصدر عن دار المدى ببغداد في 570 صفحة، طبيعة العلاقات التي نشأت بين الزعيمين الإيطالي موسوليني والنازي أدولف هتلر ونقاط التشاب والاختلاف بينهما.
ويرى مؤلف الكتاب أنه "من المثير أن هذه العلاقة لم تشغل أي من المؤرخين الكبار في العالم، على الرغم من تزايد الكتب التي تبحث في العلاقات بين ألمانيا وإيطاليا".
مؤلف الكتاب كريستيان جويشيل، أستاذ التاريخ الأوروبي الحديث بجامعة مانشستر، وعمل زائرا في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا. ومن أبرز مؤلفاته كتاب حول "الانتحار في ألمانيا النازية".
يكشف الكتاب أن لقاءات هتلر وموسوليني كانت حافلة بكل مظاهر البهجة بشكل أكبر بكثير مما تشهده أي لقاءات أخرى، ويحكي أن الزعيمين انطلقا من أوساط شعبية متواضعة، وتمتع كلاهما بالكاريزما السياسية وصعدا إلى السلطة اعتمادا على العنف السياسي، وفي ظل أجواء ضاغطة أقرب إلى الحرب الأهلية.
ويرى أن الزعيمين حافظا معا على توازن دقيق بين القمع والقدرة على خلق إجماع جماهيري؛ انطلاقا من تصور أبوي عن السلطة، فقد تظاهر موسوليني بأن رب العائلة، بينما صور هتلر نفسه على أنه قائد ألمانيا الذي يصنع مجد الأمة.
ويقول الكاتب، في مؤلفه، إن أحد الجوانب الحاسمة لفهم تعقد علاقة الرجلين قناعة كل منهما بأنهما يصنعان التاريخ، وهي رسالة عززتها ماكينات الدعاية في كلا النظامين، وساعد على ذلك أداء جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي الجذاب بالنسبة للنخب القديمة، في حين بدا هتلر وموسوليني أكثر جاذبية للأجيال الأصغر، وأدى تحالفهما معا إلى نشوب حرب شاملة.
ويرى أن التحالف بين الزعيمين كان على أسس سياسية وليس قناعات ايديولوجية واحدة، أو نتيجة لصداقة أو ود متبادل، قائلا: "طوال سنوات نظر هتلر لموسوليني كمثل أعلى، لكن العلاقة توترت بعد وصول الأول إلى السلطة وأصبحت قائمة على الشك المتبادل، حتى في لحظة ذروة بناء تحالف بين النظامين الفاشي والنازي".
ويرى الكاتب أن هذا لا ينفي وجود تماثل ايديولوجي بين القائدين، سواء من حيث الرغبة في خلق نظام عالمي جديد أو اللجوء للعنف السياسي وازدراء الديموقراطية الليبرالية.
ويضيف: "لذلك فإن الهدف الأسمى من الكتاب هو التأكيد مجددا على أن هذا النوع من التحالفات وصل بالعالم إلى لحظة تدمير طالت أوروبا كلها ومناطق حول العالم، بخلاف الآثار الناجمة عن النظر للزعيمين كنموذجين ملهمين".
يؤكد الكتاب أن سياسات هتلر كانت تستند على تصور ايديولوجي واضح وتركز على معادة السامية والتوسع في المجال الحيوي نحو ضم أوروبا الشرقية، وقادت هذه السياسات إلى ارتكاب المحرقة النازية "هولوكست"، بينما كانت العنصرية المحلية في إيطاليا مسارا رسم بدقة سياسات موسوليني في المستعمرات الإيطالية.
ويشير إلى أن هتلر وموسوليني التقيا معا 17 مرة في ظروف مختلفة، وكان اللقاء الأخير بينهما في جلسة عرفت بـ"وكر الذئب" عام 1944 في مقر هتلر، الذي تعرض لانفجار نجا منه بأعجوبة على الرغم من إصاباته الطفيفة.
يحلل الكتاب خلفيات صعود النازية والفاشية عقب الحرب العالمية الأولى، وكيف سعت الحركتان لمراجعة بنود اتفاقية فرساي التي صاغت ملامح النظام الدولي عقب الحرب.
كما يطرح تساؤلات حول الصورة الشعبية التي نسجت حولهما وكيف ساهمت السينما في صناعتها، بالتحديد فيلم "الديكتاتور العظيم" لشارلي شابلن، الذي أصبح أكبر هجائية في التاريخ المعاصر لهذا النمط من الزعامات. ويسخر العمل من الزعيمين ويصورهما كشخصين متغطرسين ويعري بشكل ساخر الدعاية الخاوية للنظامين اللذين كان لهما التأثير الأكبر في تاريخ العالم آنذاك.
ويعتمد الكتاب على تحليل جملة من الوثائق والأرشيفات؛ انطلاقا من مدارس علم النفس السياسي التي تركز على نمط الشخصية الفاشية الميالة إلى الاستبداد، والدور الذي يلعبه الديكتاتور في توجيه الدبلوماسية.
ويلفت إلى أن الصداقة بين هتلر وموسوليني انطوت كذلك على نمط من أنماط التوتر وعدم المساواة، وتميزت بخليط من الحسد والإعجاب المتبادل، وفيها الكثير الذي يمكن اعتباره تصور "فانتازي" متخيل مفارق للواقع إلى حد كبير .
ويسرد السيرة الذاتية للزعيمين بغرض دراسة ما يطلق عليه "القوة المصطعنة" التي كانت لدى النظامين، وصاغت شكل علاقتهما الخارجية واعتمدت بشكل أساسي على الدعاية وتسويق مظاهر "الاحتفال" وإبراز مظاهر القوة.
وحسب الكتاب، فإن دراسة قواعد ارتداء الأزياء وأسلوب أداء التحية وأماكن الاجتماعات أمر مهم لفهم العلاقة بين هتلر وموسوليني، التي كانت نموذجا لإشاعة ما يسمى بـ"الدبلوماسية الفاشية".
ويؤكد كريستيان جوشيل رفضه الحجة التي شاعت بأن رغباتهما هيمنت على السياسة، إذ كان من النادر ان يضطر هتلر لإصدار أمر مباشر لأن مسؤولي الحزب وأركان الدولة كانا يوجهون كل شيء، في حين كان موقف موسوليني الديكتاتور أضعف بكثير من موقف الأول، فكان يخضع عمليا لسلطة النظام الملكي الذي يعمل تحت إداراته، إضافة لسلطة الفاتيكان.